وقف عسكرة المحيط الهادي يسحب فتيل الصراع

التمحور الأميركي في آسيا يزيد استعداء الصين

الوجود الأميركي ببحر الصين يذكي الصراع مع بكين

ت + ت - الحجم الطبيعي

يفترض الأميركيون في الغالب أن العدوان العسكري الصيني يزيد احتمال وقوع اشتباكات بين الصين والولايات المتحدة، لكن العديد من صانعي السياسات في واشنطن يتجاهلون أن لدى بكين سبباً وجيهاً للشعور بالضيق من الوجود العسكري للولايات المتحدة في جوارها.

وتعمل سياسة «التمحور حول آسيا» التي اعتمدها الرئيس الأميركي باراك أوباما على إذكاء احتمال نشوب صراع بين البلدين. فإذا أرادت الولايات المتحدة تفادي نشوب صراع في آسيا، فإنه ينبغي عليها مقاومة استعداء الصين من خلال تطويقها بمزيد من الشركاء والقواعد العسكرية.

صحيح أن الصين تقوم بتعزيز قواتها المسلحة، حيث ارتفعت ميزانيتها العسكرية بنسبة 7.6% هذا العام، ونمت بمعدل 9.5% من 2005 إلى 2014، وتعمل على تحويل الشعب المرجانية في المياه المتنازع عليها إلى جزر تتخللها مهابط طائرات وأبراج رادارات، لكن الولايات المتحدة، التي تتمتع بميزانية عسكرية تزيد ثلاث مرات على الصين، كانت، مع ذلك، تصب موارد أكبر بكثير في منطقة المحيط الهادي مما كانت تفعل بكين.

استفزاز بكين

وقد وافقت واشنطن أخيراً على نشر منظومات دفاع صاروخية في كوريا الجنوبية، رداً على البرنامج النووي لكوريا الشمالية، لكن أيضاً على سبيل استفزاز بكين. وستقوم بنشر 2500 من مشاة البحرية في داروين بأستراليا، وبإجراء مناوبة لقواتها عبر خمس قواعد عسكرية في الفلبين.

ووقعت واشنطن اتفاقيات دفاع جديدة مع فيتنام والهند، كما يواصل الجيش الأميركي نشر الجيل المقبل من الطائرات والمدمرات والطائرات الموجهة عن بعد في جميع أنحاء المحيط الهادي.

وحتى قبل «تمحور» أوباما حول آسيا، فإن الوجود العسكري الأميركي في المنطقة كان قد قزم الوجود العسكري الصيني. وقد تمركز عشرات الألوف من الجنود الأميركيين في اليابان وكوريا الجنوبية منذ حقبة الحرب العالمية الثانية، وتتمتع واشنطن أيضاً بشبكة معقدة من التحالفات العسكرية في آسيا، حيث تحيط الصين بدول مدعومة بتعهدات أمنية أميركية.

ويشعر قادة بكين بأن لبلادهم الحق في أن تكون القوة الرئيسية في الجوار، فيما تنافس الولايات المتحدة لتتفوق عليها كأكبر اقتصاد في العالم.

وترد واشنطن وحلفاؤها على ذلك بالقول إن الوجود الأميركي في آسيا منذ الحرب العالمية الثانية عمل على تحقيق استقرار المنطقة، وبأن الولايات المتحدة تحمي البلدان الأصغر التي تسعى الصين إلى الهيمنة عليها.

وبرغم ذلك، ليس هناك من سبب لرفض تدابير بديلة صريحة للهيمنة الأميركية، مثل اتفاق توازن حقيقي في القوة بين الولايات المتحدة والصين. أما بالنسبة إلى دور أميركا كحامية للدول الصغيرة ضد الصين، فتسرع بكين للإشارة إلى نفاق واشنطن بهذا الشأن.

ففي القرن التاسع عشر، عندما ضاقت الولايات المتحدة ذرعاً بالنظام العالمي الذي يهيمن عليه الأوروبيون، أعلنت مبدأ مونرو، وطردت الإمبراطورية الإسبانية، وهيمنت على المنطقة منذ ذلك التاريخ، ولم يتسامح القادة الأميركيون أبداً مع أي نوع من الوجود العسكري الخارجي في منطقة الكاريبي الذي تواجه مثله الصين على أعتابها في المحيط الهادي.

احتمال وارد

إذا ضاعف الجيش الأميركي رهانه في آسيا، فإن فرص أن يعبر أحد الجانبين الخط الأحمر تزداد، ومن السهل أن نتخيل، على سبيل المثال، إمكانية أن ترد الصين بالقوة على دوريات البحرية الأميركية اليابانية المشتركة.

هذا لا يعني أنه يجب على واشنطن التخلي عن حلفائها، لكن يتعين عليها تفادي إيجاد اتفاقيات دفاع واسعة النطاق لا يمكنها الدفاع عنها. ويتعين على واشنطن الحفاظ على عدد معقول من الالتزامات الأمنية، وأن تتخذ خطوات نحو تحقيق توازن في القوة مع الصين في غرب المحيط الهادي، كما يتعين عليها القيام بذلك ولديها القوة على رسم هذا التوازن لصالحها. وهذا لن يتحقق عبر أي صفقة كبرى، وإنما سوف يتطلب تحولاً تدريجياً بمراحل واضحة على مدى فترة زمنية طويلة.

وعلى نحو مماثل، يتعين على الولايات المتحدة أن تعزز برامجها الخاصة بالتبادل التعليمي والثقافي في آسيا، والنظر في غيرها من أشكال القوة الناعمة، كمشاريع التنمية، وبرامج نقل المعرفة الفنية، والتعاون في مجال الطاقة النووية، كتلك النجاحات التي تحققت في الهند وفيتنام.

من شأن اتباع نهج أكثر دقة تجاه منطقة آسيا المحيط الهادي، أن يسمح للولايات المتحدة بالسعي وراء أهداف، مثل تعزيز الديمقراطية وضمان الاستقرار على المدى الطويل. فكثير من التركيز على العسكرة يشكل وصفة لاندلاع صراع.

خطوات

يتعين على الولايات المتحدة أن تبذل مزيداً من الجهد في التواصل مع الصين بطريقة بعيدة عن الاستفزاز. وينبغي على القادة الأميركيين التنبه عندما يتم توسيع الوجود العسكري لبلادهم استجابة لطلبات الحلفاء، بالتشديد على أن واشنطن لا تتصرف من جانب واحد. ويجب على القادة الأميركيين أن يكونوا أقل فوقية تجاه بكين، فهي قد حصلت على حق معاملتها على قدم المساواة. ويتعين على واشنطن أيضاً إجراء مزيد من التركيز على تطوير اتصالات غير عسكرية في جميع أنحاء المنطقة.

Email