اختلاف الأولويات الأمنية والاقتصادية صعد النزاع في حلف «ناتو»

تباين في التوجهات الاستراتيجية الأوروبية والأميركية

أميركا تجاهلت طلب أوروبا بمساعدتها في مواجهة لاجئي القوارب أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

توالت أخيرا، وبالذات في السنتين الأخيرتين، مؤشرات التباين في المواقف بين حليفي الحرب الباردة إزاء الازمات والتحديات الأوروبية والدولية. وعلى غير العادة، طفت هذه الخلافات إلى السطح مع تزايد تسجيل المآخذ المتبادلة بينهما.

وكأن التحرر من خطر تلك الحرب معطوفاً على التباين في الأولويات قد حرّر ضفة الاتلنتيك الشرقية من وجوب الالتزام بتوجهات ضفته الغربية التي طالما كانت في موقع الآمر الناهي. فمع زوال خطر التناحر وصعود العملاق الصيني، بدأت الحسابات الفردية ترجح كفتها على حسابات التحالف. تبدّى ذلك في التعامل مع أزمة أوكرانيا، ثم في دور حلف «الناتو»، ثم من تأسيس البنك الآسيوي للاستثمار الذي أطلقته الصين. وحتى في الموضوع الفلسطيني بدأت أوروبا تتميّز عن واشنطن. حقبة جديدة من تراخي التحالف التقليدي، ما زالت معالمها قيد التبلور.

علامات تمايز

في أوكرانيا، كانت علامات التمايز واضحة. إدارة أوباما أرادت صدّ موسكو، لكن بالدرع الواقية الأوروبية، خاصة من خلال العقوبات. القارة الحليفة ارتضت ببعض هذا الدور على مضض. فهي ترى في روسيا الشريك وليس الخطر الأمني الذي تراه واشنطن وبالتحديد قواها المحافظة. هذه القوى ضغطت وما زالت باتجاه تفعيل «الناتو» للرد على «التوسع الروسي» في شرق أوروبا. الأوروبيون تعاطوا بفتور مع مثل هذه الدعوة وما زالوا. فهم ليسوا متحمسين لتصعيد التأزم مع روسيا بالرغم من المآخذ على الرئيس بوتين. فضلاً عن أنهم فقدوا حماسهم الأول لحلف الناتو.

ينعكس ذلك في هبوط الإنفاق العسكري الأوروبي. كثير من دوله الأعضاء خفضت موازناتها الدفاعية إلى دون ما يلزمها به الحلف: 2% من دخلها القومي. واشنطن لا تخفي تذمرها من هذا «التلكؤ» الأوروبي في النهوض بموجبات الحلف. مؤشر شبه ناطق على وجود خلاف بين الحليفين حول «الناتو» ووظيفته.

بل إن واشنطن تنظر بشيء من الضيق بل الشماتة أحياناً، إلى حالة التراخي الأمني الأوروبي التي تزعم بأنها أتاحت وقوع عمليات إرهابية في القارة. وتكرر ذلك في الأيام الأخيرة بعد تزايد موجة قوارب اللاجئين من أفريقيا وغرق اثنين منها. طلب العون خاصة من جانب إيطاليا، لتعزيز الحماية الأمنية البحرية ضد تسلل الإرهاب، قوبل في واشنطن بالتجاهل، على أساس أن أوروبا إجمالاً متهاونة في هذا الموضوع وعليها الاستدراك لحراسة مياهها الإقليمية.

ولا يقتصر التباين على الأمن، بل طاول الاقتصاد.

وقد تجلّى أخيراً في انسلاخ الموقف الأوروبي عن الأميركي، في شأن له أبعاده الاستراتيجية الهامة.

وربما الفاصلة. فالدول الأوروبية ومنها الأكثر قرباً إلى واشنطن مثل بريطانيا لم تتردد في الانضمام والمساهمة في مصرف تقوم الصين بتأسيسه برأسمال 8 تريليونات دولار، لتمويل البنية التحتية في كثير من البلدان الآسيوية.

واشنطن طلبت من حلفائها الأوروبيين البقاء خارج هذا المشروع، لأنه أكثر وأبعد من مصرف. هو في الواقع مشروع إقامة مؤسسة مالية ضخمة للتمويل التنموي الدولي، تكون الصين صاحبة الامتياز فيها، تماماً كما هو موقع أميركا في البنك الدولي.. ومع انتقال الوزن الاقتصادي الدولي إلى الساحة الآسيوية، فإن المشروع الصيني هذا مرشح ليصبح مركز تمويل يحل مكان البنك الدولي، لتمويل مشاريع التنمية في بلدان آسيا التي تحتاج إلى مثل هذا الدور.

يعني إقامة بنك دولي آخر للشق الآسيوي، هذه المرة بقيادة الصين، مع ما يستتبع ذلك من ضمور للبنك الدولي. وعلى الرغم من هذا التوجه ومزاحمته لواشنطن، غلّب الأوروبيون مصالحهم على تحالفهم. اختيار لاقى الكثير من السخط الأميركي بقدر ما أثار من الانتقادات لسياسة الإدارة التي فشلت بصورة مزدوجة.

 

Email