موسكو استعاضت بها عن السوق الأوروبية

صفقة الغاز الروسية الصينية تتحدى عقوبات واشنطن

الصفقة الصينية مثلت رد بوتين على استغناء أوروبا عن النفط الروسي أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تكمن أهمية صفقة الغاز الروسية - الصينية في حجمها التجاري فقط، بل أيضاً في توقيتها. فهي جاءت في لحظة بدأت فيها الدوائر الغربية تتحدث عن وجوب البحث عن بدائل تجعل أوروبا تستغني عن مشترياتها من الطاقة الروسية، التي تلبي حوالي ثلث احتياجاتها، وذلك كرد على ضم موسكو للقرم وزعزعة الأوضاع في شرقي أوكرانيا.

كما جاءت في لحظة تقارب وتنسيق بين موسكو وبكين في مجلس الأمن، كما في المواقف إزاء الملفات الدولية الساخنة. وبإبرام هذه الصفقة الآن بعد مباحثات طويلة بشأنها، بدا الرئيس بوتين وكأنه يردّ على محاولة فطم أوروبا عن نفط وغاز روسيا وتعطيل آثارها مسبقاً من خلال الاستعاضة عن السوق الأوروبية بالسوق الصينية.

رسالته مفادها أن واشنطن لن تقوى عبر مقاطعة أوروبا لمصادر الطاقة الروسية على معاقبة الاقتصاد الروسي.

فالسوق الصينية مضمونة، وتستوعب الحصة الأوروبية من صادرات الطاقة الروسية وأكثر. خطوة محكومة بحسابات بعيدة المدى، من جانب الطرفين. لكن هل تؤسس لشراكة استراتيجية بينهما؟ سؤال تردد أخيراً على أكثر من مستوى في واشنطن.

تعمل الصين باستمرار على تنويع مصادر حاجتها من الطاقة. روسيا كانت دائماً أحد خياراتها المفضلة. مخزونها غزير ومضمون. خطوط إمداداته إلى الصين آمنة. أخذت بكين صفقة مناسبة توافق شروطها، خاصة من حيث مداها الزمني.

في المقابل، تعطي روسيا إشارات منذ مجيء بوتين، بأنها تؤثر الاستدارة نحو الشرق. الرئيس بوتين الذي قال إن تفكك الاتحاد السوفييتي كان «أكبر مأساة جيو- سياسية في القرن العشرين»، كان يتموضع لتصفية حساباته مع الغرب، حيث ومتى أمكن ذلك. وفي الوقت نفسه، عمل على تعزيز علاقاته مع الصين، المتوترة علاقاتها أخيراً مع واشنطن بسبب نزاعاتها في شرق وجنوب بحر الصين.

لكنه توتر يختلف في أبعاده وخلفيته عن ذلك الذي يسود بين موسكو وواشنطن. وهنا تكمن أول نقطة افتراق بين موسكو وبكين: الأولى منخرطة بمنافسة أو مشاكسة دولية مع واشنطن. في حين أن الثانية مشكلتها إقليمية مع واشنطن.

الصين ترى أن الجوار يشكل مساحة لنفوذها، فيما تراه واشنطن على أنه امتياز موروث لها منذ الحرب العالمية الثانية. ثم إن بكين قوة اقتصادية رقم 2 في العالم. موقع تفصله مسافة واسعة مع موسكو.

كما تحكمه مصالح أوسع، وبالتالي، أولويات مختلفة عن تلك التي تحرّك روسيا بوتين، والتي يأتي على رأسها سعي هذا الأخير لاستعادة «نفوذ القوة العظمى». وفي هذا السياق «يشعر الرئيس الروسي بأنه ينعم بالامتياز الذي يوفره له تحالفه مع الصين، في حين أن هذه الأخيرة لا ترى في روسيا سوى واحدة من البلدان التي تحرص على تزويدها بسلعة حيوية. وبذلك، روسيا مهمة بالنسبة لها، لكنها ليست في مصاف البلد الذي لا غنى عنه» كما يقول أ .

واين، مؤلف كتاب عن «الرؤى الكبرى في الصين وأميركا والعالم» حتى في جوارها الآسيوي المباشر الذي كان جزءاً من الاتحاد السوفييتي، «لم تقو موسكو على منافسة الصين في غزو أسواقها التجارية ».

ناهيك عن علاقات بكين التجارية الكبرى مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرهما من الأسواق الغنية، الأمر الذي يشير إلى فارق آخر بينهما، إذ إن بكين «لا حافز لديها يدفعها إلى دعم الثأرية الروسية» التي يحمل بوتين لواءها، حسب واين.

ولذا «فإن النظرة إلى عمق العلاقات الروسية الصينية لا تحتمل المبالغة». يضاف إلى ذلك ويكمله، أن بقايا حساسيات الماضي بين الجانبين ما زالت عالقة، فضلاً عن المستجد منها، حيث ثمة تبرم صيني متزايد من تعامل موسكو مع فيتنام في التنقيب عن النفط والغاز في المنطقة البحرية، التي تعتبرها بكين جزءاً من مياهها الإقليمية، والتي كاد النزاع حولها أن يتحوّل إلى مواجهة عسكرية بينهما أخيراً.

وازداد الضيق الصيني من حياد موسكو حيال هذا النزاع، في حين لم تهرع بكين إلى إدانة موسكو، عندما قامت الأخيرة بضم شبه جزيرة القرم.

لا شك أن واشنطن انزعجت من صفقة الغاز، ربما لأنها عطّلت، أو على الأقل خفّفت من أهمية ورقة مقاطعة أوروبا المحتملة للغاز الروسي. لكن الفوارق الصينية الروسية الجوهرية، تحول دون تطوير الصفقة إلى شراكة متكاملة. فالعلاقات بينهما «تبقى سطحية أكثر منها استراتيجية»، على ما يرى المؤلف واين.

Email