الحرب التجارية سلاح القوى الدولية لاستمالة الدول الأفريقية

الصراع على القارة السمراء.. لعبة الاستثمارات والقوى الناعمة

جنود فرنسيون خلال عملية أمنية في مالي | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

 

تمكن الغرب من بسط نفوذه على دول القارة الأفريقية خلال القرن الماضي بقوة السلاح؛ إدراكاً منه لما تزخر به تلك القارة البكر من خيرات هائلة جعلت منها على مدار التاريخ محط أنظار القوى الاستعمارية، ولم تخرج القارة السمراء من دائرة اهتمامات ومطامع قوى إقليمية ودولية كبرى حتى بعد نيل دول القارة استقلالها، فعمدت تلك القوى ـ لاسيما خلال العقود الأخيرة ـ إلى استخدام القوى الناعمة والاقتصاد؛ للتغلغل في أفريقيا وبسط النفوذ بها، تحوّل ذلك تدريجياً إلى ما يشبه الحرب الباردة التي تأخذ مكانها على صعيد القارة بين تلك الدول صاحبة المصلحة في التغلغل أفريقياً.

صراع

التنافس الدولي من أجل التغلغل داخل دول القارة وبسط النفوذ فيها، تحوّل إلى صراعٍ تُكتب فصوله بصورة ملحوظة في الوقت الراهن، لاسيما على هامش الصراع التجاري - بشكله الأوسع - بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ومع ما يتسبب فيه صعود تلك الأخيرة من مخاوف لدى مختلف القوى الدولية الطامحة.

الصراع في أفريقيا وإن اتخذ في مفهومه المرئي بعداً اقتصادياً تجارياً بحتاً، إلا أن ذلك البعد ينطوي ضمن أبعاد استراتيجية عامة تجعل من القارة دائماً وأبداً محط أنظار العالم، من منطلق المصالح السياسية والأمنية التي تسعى الدول المتنافسة على تأمينها في القارة السمراء الحُبلى بالمشاكل الداخلية والمملوءة بالمخاطر التي تُهدد أمن واستقرار العالم، لاسيما ما يتعلق بقضايا مثل الهجرة والإرهاب.

القائمة تضم عديداً من الدول المتنافسة، ولكل أهدافها الخاصة التي تتصالح تارة وتتعارض مرّات أخرى عديدة لتأخذ شكلاً من أشكال الصراع الحاد، كما في حالة الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

وتضم القائمة أيضاً كلاً من اليابان والهند بمصالحهما الاقتصادية بالأساس في القارة الأفريقية، علاوة على المصالح الإسرائيلية والإيرانية، والتنافس السياسي والأمني والاقتصادي وحتى العقائدي داخل القارة. وتنضم تركيا للقائمة في ظل التحركات الأخيرة التي كشفت بوضوح عن انخراطها في مضمار المنافسة على القارة السمراء وخيراتها.

ويُنظر للدور الصيني بالأساس نظرة ريبة من قبل عديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، والذين حذروا من مغبة إغراق بكين دول القارة بالديون، وهو ما عبر عنه أكثر من مسؤول أمريكي وأوروبي مؤخراً انتقدوا سياسة التغلغل الصيني في أفريقيا وأهدافها. وينظر مراقبون إلى ذلك على أنه حلقة من حلقات الحرب والصراع بين تلك القوى التي لا تخفي هي الأخرى جانباً من مطامعها في دول القارة.

تنافس

خبير الشؤون الأفريقية عطية عيسوي، يقول إن كلاً من الصين وتركيا والهند واليابان والقوى التقليدية الممثلة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب كل من إيران وإسرائيل، جميعها دول تتنافس حد الصراع في القارة الأفريقية.

وبينما الصراع البارز «تجارياً بشكل خاص» هو بين الولايات المتحدة والصين، داخل القارة، ثمة صراعات ومنافسة شديدة أخرى تتخذ طابعاً اقتصادياً وسياسياً وأمنياً وحتى عقائدياً، على غرار المنافسة بين إيران وإسرائيل، ليس فقط من منطلق تجاري وأمني وإنما يضاف إليه المنطلق العقائدي، ورغبة كل بل في كسب مزيد من الدول الأفريقية ضد الأخرى كي لا تدعم علاقاتها مع الدولة الأخرى، وفق عيسوي.

أبعاد

وثمة أبعاد سياسية وأمنية واضحة فيما يتعلق بالصراع داخل القارة، من بينها أهداف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، إذ ينطلقان أساساً من الرغبة في حفظ أمن الدول الأوروبية وأمريكا من نواحٍ كثيرة داخل أفريقيا، من خلال منع الخطر قبل أن يصل إليهما من القارة، سواء الإرهاب أو تدفقات المهاجرين، وبالتالي تعمل تلك الدول على دعم دول أفريقية في عمليات مكافحة الإرهاب بأشكال مختلفة قبل أن يستفحل الخطر ويصل بشكل أكبر للقارتين، ذلك في خطٍ متوازٍ مع الرغبة في الحفاظ على مصالحهما (أمريكا والاتحاد الأوروبي) التجارية، والخامات النادرة التي يحصلان عليها من أفريقيا، وهذا كله له بعد استراتيجي في غاية الأهمية لكل من الطرفين.

علاوة على سعي الولايات المتحدة رفقة الاتحاد الأوروبي للحد من أثر النفوذ السياسي والاقتصادي وحتى الأمني للصين في القارة الأفريقية، لأنهم يؤمنون بأن ذلك النفوذ سيصبح في يوم ما على حساب المصالح الأمريكية والأوروبية.

بعد أمني

أما بالنسبة للمصالح التركية، فيحددها عيسوي لـ«البيان» في كونها ليست فقط اقتصادية، لكن لها بعدا أمنيا إلى حد كبير، إذ تسعى أنقرة إلى كسب كثير من أنظمة الحكم في القارة لجانبها من خلال المساعدات الاقتصادية وغيرها؛ لتسويق منتجاتها في الأسواق الأفريقية وفتح المجال أمام الاستثمارات التركية، بالإضافة لمنافسة أو التصدي للنفوذ الصيني المتسارع تجارياً وسياسياً وأمنياً وكذلك النفوذ الإيراني. كما أن الهند أيضاً لها مصالحها الخاصة، لكنها مصالح اقتصادية بالأساس، كما اليابان.

وحول تأثير ذلك التنافس الذي يصل إلى حد الصراع والحرب الباردة بين قوى إقليمية ودولية على القارة الأفريقية، يعتقد خبير الشؤون الأفريقية، بأن «المنافسة في حد ذاتها جيدة إذا ما استطاعت الحكومات الأفريقية أن تُحسن استغلالها، فيمكنها تحقيق الكثير من الفوائد في سياق تصدير خاماتها بأعلى الأسعار واستيراد السلع المصنعة أو المصنعة جزئياً بأسعار أقل، مع تخفيف شروط الاستثمار، لكن بموازاة ذلك هناك مخاوف من أن تتحول الاستثمارات والقروض (لاسيما الصينية) إلى عبء على الدول الأفريقية، يمكن استخدامها ضدها بصورة كبيرة».

تقرير حديث للأمم المتحدة عكس تحوّل أفريقيا لساحة للحروب التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى حول العالم، ففي الوقت الذي أقر التقرير بتراجع ملحوظ، للسنة الثالثة على التوالي، في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بتدن وصلت نسبته إلى 13 في المئة خلال العام المنصرم، إلا أن الاستثمارات الأجنبية صاحبها نمو في أفريقيا، قدّرها تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) بحوالي 46 مليار دولار في العام 2018، بزيادة قدرها 11 في المئة عن العام 2017. وتتربع مصر على قائمة الدول الأكثر استقطاباً للاستثمارات الأجنبية بالمنطقة، تليها جنوب أفريقيا والكونغو والمغرب وإثيوبيا.

وفيما جاءت الولايات المتحدة بالمرتبة الأولى كأكبر التدفقات الاستثمارية المباشرة بحوالي 252 مليار دولار، تليها الصين بـ139 مليار دولار، فقد جسدت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للعلاقات مع أفريقيا، والتي أعلنت عنها إدارة ترامب قبل نهاية العام الماضي، سعي واشنطن إلى «مواجهة النفوذ السياسي والاقتصادي للصين في الدول الأفريقية» طبيعة الصراعات بالقارة وتحوّلها إلى مسرح جديد للحرب التجارية بين واشنطن وبكين.

وضمن حلقات تلك الحرب اتهام مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي جون بولتون (المستقيل أخيراً)، شركات صينية وروسية تمارس نشاطاً اقتصادياً بالقارة بـ«الفساد والرشوة»، وأن بكين توجه استثماراتها في أفريقيا بشكل عدائي ضد الولايات المتحدة، و «تستخدم سياسة الديون لإبقاء الدول الأفريقية أسيرة لرغباتها ومطالبها»، وغيرها من المحطات والتصريحات المتبادلة المختلفة التي تعكس حجم التنافس على القارة البكر.

فقر وتنافس

عزز من التنافس الدولي على القارة السمراء الظروف التي تعاني منها عديد من دولها، مع تزايد معدلات الفقر، والمشاكل الداخلية بداية من الفساد وحتى خطر الإرهاب الداهم وغيرها من المشكلات المختلفة التي جعلت من دول أفريقية لقمة سائغة أمام طموحات القوى الطامعة والتي تتسلل إلى القارة عبر ستار المساعدات أو الاستثمارات وبقواها الناعمة.

إقرأ أيضا:

القارة الأفريقية.. ساحة تنافس بين أمريكا والصين

Email