الفريق ياسر العطا لـ«البيان»: وجود المؤسسة العسكرية سيمنع أي تحركات إخوانية مضادة للثورة

تفكيك «دولة الإخوان».. معركة السودان لاقتلاع الدولة العميقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لمشاهدة الغرافيك بالحجم الطبيعي اضغط هنا

 

مع أداء رئيس وأعضاء مجلس السيادة اليمين الدستورية، كونه أعلى سلطة سيادية في السودان، تتولى إدارة المرحلة الانتقالية، تبدأ البلاد التي خرجت لتوها من قبضة تنظيم الإخوان عهداً جديداً ومرحلة الانتقال من دولة الحزب الواحد إلى دولة الشعب.

ثمة تحديات جسام تقف منتصبة في مواجهة الحكومة الانتقالية تتمثل في إنهاء الحرب وتحقيق السلام بجانب التحدي الاقتصادي، غير أن تحدي تفكيك دولة الإخوان التي كانت جاثمة على صدر السودانيين لثلاثة عقود تمثل التحدي الأبرز أمام الفترة الانتقالية، فوجود التنظيم الإخواني في السودان تغلغل داخل مؤسسات الدولة في السبعينيات من القرن الماضي في أعقاب المصالحة الوطنية، التي تمت في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري، حيث تمكن من إدخال عدد كبير من منسوبي التنظيم في المؤسسات العسكرية لتصبح تلك العناصر هي النواة الأولى لتنظيم الضباط الإخوان داخل الجيش السوداني، وكان عرّاب النظام المخلوع حسن الترابي، وفق شهادات معلنة ومعروفة، اعترف وأقرّ بأنه بدأ التدبير للانقلاب قبل يونيو 1989، وبدأ التحضير لذلك في الجانب العسكري والأمني على وجه الخصوص.

التوغل الاقتصادي

بدأ التنظيم الإخواني كونه حركة استقطاب واسعة في هذا الاتجاه، كما شرع في الإمساك بعصب الاقتصاد السوداني من خلال البنوك، واستعان بأذرع من التنظيم الدولي للإخوان، بحيث أصبحت هناك شركات ذات طابع يعرف بالطابع الديني، وتم الاستثمار في وجود منظمات تحت غطاء نشر الدعوة الأيديولوجية للإخوان، ونشأت مؤسسات كثيرة قامت على بناء فكرة التمكين وكانت ثمرة هذا الجهد نجاح الانقلاب في 30 يونيو 1989، ومنذ ذلك التاريخ بدأت العملية الحقيقية لاستكمال اختطاف الدولة بالكامل بكل مؤسساتها وأجهزتها، وتمكنت من ذلك بتنفيذ مجزرة الصالح العام، حيث أحالوا عشرات الآلاف من الكفاءات الوطنية إلى التقاعد وحل مكانهم أهل الولاء للفكرة الإخوانية.

ويقول مراقبون ومصادر مطلعة: إن قادة المؤسسة العسكرية الذين انحازوا للثورة السودانية وأعلنوا عزل الرئيس المخلوع عمر البشير في الحادي عشر من أبريل الماضي، يدركون حجم التحدي المتمثل في دولة الإخوان العميقة، وضرورة إبعاد العناصر الموالية للتنظيم، لا سيما في الأجهزة الأمنية، حيث بدأ المجلس العسكري بالفعل في إجراءات الهيكلة داخل القوات النظامية من خلال إبعاد العناصر الموالية للنظام المخلوع والتي انتسبت إلى تلك الأجهزة عن طريق سياسة التمكين.

ويؤكد عضو المجلس السيادي عن الجانب العسكري الفريق ياسر العطا في تصريح لـ«البيان» أن وجود المؤسسة العسكرية في المشهد خلال الفترة الانتقالية سيقطع الطريق أمام عناصر الإخوان، وسيمنع أي تحركات مضادة للثورة ومن شأنه إعاقة تنفيذ مهام الفترة الانتقالية.

الشركات الرمادية

يقول المحلل السياسي السوداني الجميل الفاضل لـ«البيان»: إن خير مثال على ذلك تجسد في المحاولة الانقلابية الأخيرة التي قادها الفريق أول هاشم عبد المطلب، عندما أقر رجل بلغ مرتبة أن يصبح رئيس هيئة أركان الجيش السوداني وسجل اعترافاً صريحاً بأنه قد تم تجنيده في التنظيم الإخواني منذ أن كان ملازماً في الجيش وتدرج في ذلك إلى أن بلغ رتبة الفريق أول، ولفت إلى أن ذلك يمثل نموذجاً يمكن القياس عليه، بمدى اختراق التنظيم الإخواني للدولة السودانية خلال العقود الماضية.

كما أن الفاضل يلفت إلى أن التنظيم الإخواني أمسك بالاقتصاد السوداني بما يعرف بالشركات الرمادية والتي تجاوز عددها الـ 500 شركة معلومة، وما خفي أعظم، حد قوله، وهو الأمر الذي أثر بشكل كبير على الاقتصاد وحركة التجارة والسوق، ويؤكد الجميل الفاضل أن ملامح لثورة مضادة بدأت تتشكل، بإخفاء بعض السلع لإحداث ندرة في السلع الحيوية والضرورية، وتصاعد للأسعار في السوق، ويشير إلى أن كل يتم بتدبير من قبل تلك المجموعات الإخوانية.

مؤسسات موازية

أما على الصعيد الأمني فهناك أجهزة موازية لأجهزة الدولة، إذ إن التنظيم الإخواني خلق مؤسسات موازية مثل جهاز الأمن الشعبية والشرطة الشعبية والدفاع الشعبي وكتائب الظل وما يعرف بالكتائب الاستراتيجية.

كل تلك الأجهزة توازي أجهزة الدولة الرسمية ولا تقوم على قانون أو أساس رسمي واضح معترف به وحتى تنظيم (الحركة الإسلامية) نفسه، الذي كان يقف من وراء الحزب الحاكم ويسيطر على الدولة ويسيرها لا يمتلك أي مشروعية قانونية للوجود، وغير مسجل لأي جهة من الجهات، وكان طليق اليد ويستغل بعض الواجهات مثل بعض مراكز الدراسات لاستراتيجية.

هذه المراكز تشكل حاضنة فكرية للتنظيم الإخواني في السودان، كل تلك المؤسسات لا تزال موجودة، لكن المحلل السياسي الجميل الفاضل يرى أن التفاف الشعب السوداني والمواقف الصريحة والقاطعة من قبله والشعارات والهتافات في الشارع ضد التنظيم، والمواجهات التي حدثت حتى على منابر المساجد ضد بعض الأئمة الذين يتبنون الفكر الإخواني، جعلت من الرفض رفضاً شعبياً مطلقاً لفكرة الإخوان في السودان، ويضيف: «هذا في تقديري بسبب أن الإخوان بوصولهم للسلطة عبر الانقلاب وبقاءهم في السلطة لمدة 30 عاماً كتبت نهاية لفكرتهم في السودان»، لا سيما بعد أن استغل تنظيم الإخوان كل موارد البلاد ووظفها لخدمة أجندته الخارجية الخاصة.

نواة «القاعدة»

هذا بجانب أن التنظيم مارس أعمال الإرهاب عن طريق الدولة، وأصبح هناك إرهاب دولة، وذلك يتجلى في اتهام السودان بقضية تفجير المدمرة الأمريكية «يو.إس.إس.كول»، واتهامه كذلك بتفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام، بالإضافة إلى وجود إرهابي بحجم أسامة بن لادن من العام 1991 إلى العام 1996 في السودان وإنشائه لمشروعات غامضة غير معروفة، لا سيما أن كثيراً من الروايات تتحدث عن أماكن للتدريب في داخل السودان، بحيث أصبح السودان في ظل حكم الإخوان نواة لتنظيم القاعدة على المستوى الدولي، كما أن الحكومة الإخوانية قدمت جوازات سفر لكثير من رموز الإخوان، وأصبح السودان دولة مختطفة من أنها دولة مواطنة كل الناس فيها شركاء إلى دولة مجيرة تماماً لخدمة الإخوان.

ويرى الفاضل أن تحدي تفكيك دولة الإخوان يتطلب اتباع معايير دقيقة وإجراءات صارمة لمواجهة العناصر الإخوانية في مؤسسات الدولة،والتي يمكن أن تعيق الحكومة الانتقالية في أداء مهامها، وذلك باختيار الكفاءات في مؤسسات الدولة دون اعتبار للصيغة القديمة التي كانت تقوم على الولاء، وأضاف: «معلوم أن عناصر الإخوان الذين يشغلون الوظائف الكبيرة في الدولة لا يتمتعون بالأهلية لإدارة هذه المؤسسات، وهو ما يقع على كاهل مفوضية الخدمة العامة، التي ستنشأ ضمن هياكل الفترة الانتقالية بمراجعة وجود العناصر الإخوانية داخل أجهزة الخدمة العامة حتى يتم الاستغناء عن كل الذين وصلوا إلى تلك المراقي دون تدرج طبيعي ومؤهلات حقيقية، خاصة أن التنافس الشريف حول الوظائف الحكومية ظل السودانيون محرومين منه طوال الثلاثين سنة الماضية».

التفكيك عبر القضاء

حول آليات الحكومة الانتقالية لمواجهة تحدي تفكيك دولة الإخوان يرى القيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير محمد ضياء الدين في تصريح لـ«البيان» أن إجراءات تفكيك دولة الإخوان وردت في إعلان الحرية والتغيير، وتم تضمينها في وثائق الاتفاق وهي تتضمن إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، والإصلاح القانوني، بالإضافة إلى جملة إجراءات أخرى مرتبطة بكل مما من شأنه إجراء تلك الإصلاحات على مستوى الخدمة المدنية ومؤسسات الدولة النظامية.

ويضيف ضياء الدين: «من المهم أيضاً أن يشمل ذلك إجراء المحاكمات العادلة لكل من ارتكب جرماً بحق الشعب السوداني، والذين ارتكبوا جرائم الفساد، بجانب استعادة الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة»، ويؤكد أن جملة تلك الإجراءات من شأنها المساهمة في تفكيك البنية الإخوانية، واقتلاع الدولة العميقة من جذورها بأن يضمن تأسيس سلطة وطنية انتقالية قادرة على تجاوز تركة النظام السابق، وتابع: «نريد أن يتم ذلك وفقاً للقانون عبر مؤسسات عدلية مستقلة، لا نريد الانتقام لأننا نريد التأسيس لدولة القانون».

Email