أمريكا اللاتينية.. الملعب الخلفي لـ«الحرس الثوري» الإيراني

■ الحرس الثوري.. الذراع الإرهابية لإيران | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مثّل إعلان الولايات المتحدة تصنيف ميليشيا الحرس الثوري منظمة إرهابية، خطوة مهمة في طريق تضييق الخناق على نظام إيران وسياسته العدائية في المنطقة، ورغم أن المادة 150 من الدستور الإيراني قالت: إن مهمة الحرس الثوري هو حراسة الثورة ومكاسبها في الداخل، إلا أنه ومنذ وقت مبكر تحول الحرس الثوري لذراع إيران للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ليس فقط في دول الجوار العربي، لكن في مناطق بعيدة جغرافياً عن الشرق الأوسط مثل أمريكا اللاتينية، فما هي أنشطة الحرس الثوري الإيراني في أمريكا اللاتينية؟ وما تأثير إدراج الحرس الثوري «كمنظمة إرهابية» من جانب واشنطن على أنشطة إيران في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة؟ وما مدى انعكاس ذلك على أنشطة إيران التخريبية في المنطقة العربية؟

المعروف أن إيران عملت منذ 1979 على تعزيز علاقاته مع دول أمريكا اللاتينية، وهدف إيران من هذا التحرك تأكيد قدرتها على بناء علاقات قوية مع الدول الأخرى خارج حدود الشرق الأوسط.

تدشين

ودشنت طهران نشاطها الإرهابي والإجرامي في القارة بالتعاون الوثيق مع الدول التي كانت تناهض واشنطن في أمريكا الجنوبية، وبعد ذلك بدأت إيران تتغلغل في كل دول القارة تقريباً، وشهدت فترة حكم محمد خاتمي، التي امتدت من 1997 حتى 2005 نشاط إيراني محموم من الحرس الثوري لمضاعفة أنشطته التجارية والاقتصادية والإرهابية في أمريكا اللاتينية، بينما تعتبر رئاسة محمود نجاد أهم محطات تطور العلاقات بين إيران ودول أمريكا اللاتينية، حيث شهدت الفترة ما بين 2006 و2013، ثماني زيارات قام بها نجاد لأمريكا اللاتينية، افتتح فيها 6 سفارات بدول القارة، ففي عام 2009 افتتحت إيران تمثيلاً دبلوماسياً في شيلي وكولومبيا وبوليفيا والإكوادور ونيكاراجوا وأوروغواي، إضافة إلى السفارات الموجودة في الأرجنتين والبرازيل وكوبا والمكسيك وفنزويلا، وذلك إلى جانب 17 مركزاً ثقافياً، وفى عام 2011 أطلقت طهران عام شبكة تلفزيون فضائية باللغة الإسبانية.

ويمتلك الحرس الثوري عناصر تابعة له في كل «السفارات الإيرانية» في الخارج، وهى العناصر التي تدير النشاط الاستخباري والإرهابي والاقتصادي لإيران في الخارج، وبموجب المادة 219 من قانون الهجرة والجنسية أدرجت الولايات المتحدة «الحرس الثوري» على قائمة العقوبات، وهو القانون الذي يسمح للولايات المتحدة باعتبار أي كيان أجنبي متورط في «أنشطة إرهابية»، أو «لديه القدرة والرغبة بالانخراط في أنشطة إرهابية»، أو یهدّد «أمن مواطني الولايات المتحدة أو الأمن القومى الأمريكي»، «منظمة إرهابية أجنبية»، وأن من يقدم أي دعم لهذه الكيانات الإرهابية يضع نفسه تحت طائلة القانون بالسجن 20 عاماً

وتعددت الأنشطة التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني في أمريكا الجنوبية من خلال مجموعة من الأنشطة وهى:

مراقبة

أولاً: القيام بعمليات إرهابية ضد المعارضة الإيرانية في أمريكا اللاتينية، ورصدت المخابرات الأمريكية في تقرير أطلعت علية الكونغرس في 18 يوليو 2017 أن عناصر من الحرس الثوري الإيراني قاموا بمراقبة على مدار الساعة للمعارضين الإيرانيين سواء المقيمين بشكل دائم في دول أمريكا اللاتينية أو الذين يقيمون في مناطق أخرى خاصة في أوروبا وأمريكا وقاموا بزيارات إلى دول مثل نيكاراجوا وكوستاريكا وهندوراس والبرازيل والأرجنتين، وبعد إدراج الحرس كمنظمة إرهابية قامت الخارجية الأمريكية بإبلاغ دول أمريكا اللاتينية بالقرار رسمياً، وهو ما سيضع قيوداً كبيرة على نشاط الحرس الثوري في مراقبة ومطاردة واغتيال المعارضين في أمريكا اللاتينية.

ثانياً: تنفيذ الحرس الثوري من خلال وكلائه في حزب الله عمليات إرهابية على أراضى أمريكا اللاتينية مثل تفجير مقر جمعية الصداقة الأرجنتينية- الإسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية بوينس أيرس في 18 يوليو 1994، وفي 17 مارس 1992، قاد انتحاري باقتحام السفارة الإسرائيلية في بوينس أيرس، وانتهت التحقيقات التي قام بها الادعاء العام في الأرجنتين على مدى سنوات كثيرة إلى أن الهجوم على جمعية الصداقة الأرجنتينية- الإسرائيلية «جاء بقرار وتنظيم من أعلى قيادات الحرس الثوري الذين عهدوا بدورهم تنفيذ هذه العملية إلى حزب الله اللبناني، وفي 9 نوفمبر 2006، أصدر القاضي الأرجنتيني رودولفو كانيكوبا كورال، بناء على طلب من المدعي الخاص في قضية جمعية الصداقة الأرجنتينية- الإسرائيلية، أوامر اعتقال بحق الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني، وبعض المسؤولين التابعيين للحرس الثوري.

السفارات

ثالثاً: وثق الكونغرس الأمريكي خططاً ممنهجة على مدى عقود لإقامة وزرع نقاط وعملاء استخباراتيين باستخدام السفارات والقنصليات الإيرانية الرسمية، بالإضافة إلى المؤسسات التعليمية، والدينية، والثقافية كغطاء لشبكتهم الإرهابية والإجرامية، وكشفت خلاصات توصلت إليها لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ الأمريكي في يناير 2018 عن تنامي وجود «فيلق القدس» في قيادة التحركات الإيرانية ذات الصلة بالمقذوفات والقدرة النووية- في أمريكا اللاتينية، خاصة في فنزويلا.

وتم الكشف عن شبكات إيرانية تعمل في أمريكا اللاتيني مع تجار مخدرات، ومهربي سلع استهلاكية، ومزيفون، وغاسلي أموال يستخدمون شركات، وبيوت صرافة، وحسب تقرير سري للأجهزة الاستخباراتية الأميركية جمع حزب الله بفضل شبكات علاقاته في أميركا اللاتينية ما بين 600 و700 مليون دولار بين 2014 و2016، في عمليات تبييض أموال.

ضرب الأهداف

رابعاً: يعتبر الحرس الثوري أن أمريكا اللاتينية ساحة لضرب الأهداف الأمريكية حال نشوء صراع مسلح بين طهران وواشنطن، وأن عناصر حزب الله والحرس الثوري يمكن أن تسلل إلى الداخل الأمريكي عبر الحدود، أو وسط قوافل المهاجرين غير الشرعيين، للانتقام من الولايات المتحدة، وفى نوفمبر 2017 قاد تحقيق مشترك لجهاز المباحث الاتحادية، وإدارة شرطة مدينة نيويورك، إلى اعتقال شخصين يعملان لصالح حزب الله، وأنهما تلقيا أموالاً من شخصيات محسوبة على الحرس الثوري الإيراني، وأنهما قاما بتنفيذ عمليات في بنما لتحديد مواقع السفارتين الأميركية والإسرائيلية، وتقييم نقاط الضعف في مجرى قناة بنما.

خامساً: منذ فرض حزمة العقوبات الأخيرة على طهران في 4 نوفمبر الماضي نشط الحرس الثوري الإيراني في أمريكا الجنوبية، وسعى لتهريب الصادرات الإيرانية إلى دول مثل فنزويلا مستغلاً الخلاف الأمريكي مع الرئيس نيكولاس مادورو، وقال مبعوث الولايات المتحدة الأمريكية لفنزويلا إليوت إبرامز في شهر مارس الماضي أن الحرس الثوري أجتمع مع مسؤولين من حكومة مادورو للعمل معاً في الجوانب الاستخباراتية والاقتصادية لتعزيز ما أسماه الطرفان «قوة المناعة» في مواجهة الولايات المتحدة، وتم الاتفاق على أن تصبح فنزويلا «محوراً للصادرات الإيرانية» إلى دول أمريكا اللاتينية الأخرى، وهو ما دعا لجنة «الاستعراض الدفاعي» في الكونجرس أن تضع «أنشطة الحرس الثوري» ضمن أعلى معايير الخطر على الأمن القومي الأمريكي لعام 2018، وقالت اللجنة: إن الاستراتيجية الأمريكية لمناطق أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي يجب أن تراقب توسيع إيران لنطاق عملياتها في المنطقة، وضرورة الربط بين الإتجار في المخدرات، وشبكات الأسلحة والجماعات الإرهابية كحزب الله والحرس الثوري، ووفق ما قاله رئيس العمليات السابق بإدارة مكافحة المخدرات مايكل براون في شهادة أمام الكونغرس فإن المنظمات الإرهابية، مثل حزب الله تقوم بعمل لصالح الحرس الثوري الإيراني في أمريكا اللاتينية من خلال تجنيد تجار المخدرات، كما يجري استغلال ممرات الاتجار في المخدرات بمعرفة حزب الله، والحرس الثوري، وهو الأمر الذي أكده الجنرال جون كيلي، الذي كان يترأس القيادة الجنوبية الأمريكية المسؤولة عن منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الوسطى والجنوبية، والتي قال فيها: إن حزب الله والحرس الثوري يقومون بأفعال إرهابية، وتهريب صادرات إيران لأمريكا اللاتينية.

تجنيد العملاء

سادساً: دعم الحرس الثوري الإيراني المؤسسات والكيانات التي تعمل على تجنيد العملاء والإرهابيين لصالح طهران في أمريكا اللاتينية، مثل «بيت أمريكا اللاتينية» وهو الذي يدعم ممارسات العنف والقمع بأمريكا اللاتينية، وسبق أن استضاف بيت أمريكا اللاتينية رئيس نيكاراجوا دانيال أورتيجا.

سابعاً: عمل الحرس الثوري على تدشين علاقات خاصة بين إيران وبين الدول التي تناهض الولايات المتحدة الأمريكية مثل فنزويلا و كوبا، وسبق للزعيم الكوبي فيدل كاسترو أن زار إيران في مايو 2001، وزادت طهران من الاتفاقيات الثنائية، وتعاظم وجود عملائها من وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية، والحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس، وانتهج الحرس الثوري بداية من عام 2012 طرق وتكتيكات لتوسيع نطاق عملياته وقدراته في أمريكا اللاتينية، ومنها أن العملاء قد يمارسون نشاطهم سراً كدبلوماسيين في السفارات الإيرانية، أو في وظائف أخرى في الشركات مثل الخطوط الجوية الإيرانية، أو فروع البنوك الإيرانية، أو حتى شركات القطاع الخاص، وقد أتسع نشاط الحرس الثوري الإيراني ليشمل دولاً أخرى مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي.

7 ملايين

في إفادة أمام جلسة استماع بمجلس النواب قدمها إيمانويل أوتو لانجي الزميل المشارك في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في يونيو 2016 أكد أن حزب الله وعناصر أخرى تابعة للحرس الثوري عمقوا وجودهم وسط 7 ملايين شخص من أصول بالمشرق العربي، يعيشون في البرازيل، بالإضافة لتحركات عناصر الحرس الثوري في المثلث الحدودي بين بارجواي والأرجنتين والبرازيل لتمكين إيران من رسم خريطة جديدة لعملياتها اللوجستية، ووجدت إيران في فنزويلا أرضاً خصبة للتعاون في البرنامج النووي الإيراني، حيث ذكر تقرير لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في ديسمبر 2008 أن هناك تعاوناً خفياً بين البلدين في مجال تخصيب اليورانيوم، وقدر التقرير أن فنزويلا لديها 50 ألف طن من اليورانيوم يتم تخصيبه في إيران، كما وقعت إيران مع فنزويلا العديد من الاتفاقيات في مجالات التجارة والبنوك والنفط والغاز الطبيعي إلى جانب مجالات التنمية الزراعية والبتروكيماويات، وفي عام 2009 أسست إيران البنك الدولي للتنمية في فنزويلا لدعم الصادرات، وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة ذراعاً تمويلية للجماعات الإرهابية.

انهيار أنشطة «الحرس» بعد تصنيفه إرهابياً

لا شك في أن تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية سيضعف نشاط إيران الاقتصادي والمخابراتي والسياسي في أمريكا اللاتينية من خلال مجموعة من الخطوات:

سوف تتأثر أنشطة الحرس الثوري الإيراني بعد إدراج الحرس كمنظمة إرهابية، حيث يستهدف قرار الرئيس الأمريكي تضييق الخناق على طهران في محاولاتها للالتفاف على العقوبات المشددة المفروضة في أغسطس ونوفمبر 2018، وتجفيف المصادر المالية للحرس الثوري ونشاطه الاقتصادي وتأزميم الاقتصاد الإيراني، وحرمان الشركات التابعة للحرس من مواصلة أعمالها التجارية بالخارج، ويمهد القرار لفرض عقوبات على قادة وأفراد الحرس وملاحقتهم خارج إيران، ووقف الصادرات المهربة مثل النفط والبتروكيماويات إلى الأسواق في أمريكا اللاتينية وهو ما يدر أموالاً طائلة للحرس الثوري، كما تم وضع استراتيجية أمريكية متكاملة بالتعاون مع الدول الأوربية وكندا والمكسيك لوقف أنشطة الحرس الثوري تأخذ في الحسبان دور شبكات المخدرات في تمويل العمليات الإرهابية في المنطقة عبر الأنشطة الإيرانية في أمريكا اللاتينية.

معاناة

ومن المؤكد أن إيران ستعانى نتيجة إدراج الحرس الثوري الإيراني نتيجة لفشل الحرس المتوقع في بيع الصادرات الإيرانية لأمريكا اللاتينية، وأن أوضاع إيران الاقتصادية ستزداد سوءاً في المستقبل القريب، وهذا الأمر سينعكس على أذرع إيران بالمنطقة مثل حزب الله والحوثيين، والميلشيات في سوريا، وأن التحويلات المالية واللوجستية من الحرس الثوري لأذرعه سوف تتراجع خلال الفترة المقبلة وهو ما اعترفت به بعض الميليشيات التابعة لفيلق القدس في الشرق الأوسط.

Email