خطة لمراقبة طهران من بلاد الرافدين

العراق أرض المواجهة بين أمريكا وإيران

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يكن مفاجئاً أن يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته إبقاء قوات بلاده في العراق، بحجة مراقبة إيران، فجميع التوقعات كانت تصب في إمكانية نقل قوات أمريكية خاصة وجنود إلى العراق بعد الانسحاب الأمريكي من سوريا.

فالعراق أصبح ساحة للمواجهة بين إيران والولايات المتحدة، بعدما اقتنعت اميركا ان غلق منافذ أرض الرافدين أمام طهران كفيل بحل كل أزمات المنطقة بعدما أضحى العراق معسكراً خلفياً لطهران يسهم في دعم جبهاتها في كل من سوريا ولبنان واليمن دون نسيان ميليشيا الحشد الشعبي التي أكلت الأخضر واليابس في هذا البلد بحجة محاربة تنظيم داعش.

ويبدو أن أمريكا تسعى إلى محاصرة نشاطات إيران في المنطقة بعدما عجزت عن ذلك بالطرق الدبلوماسية، حيث انه بالرجوع إلى خطوات واشنطن نجد انها انطلقت منذ إعلان انسحاب قواتها من سوريا حيث بدأت بالحشد العسكري على الحدود العراقية قبل إعلان خطة الانسحاب إذ إن ساعة صفر الانسحاب بدأت بوضع مناطق عسكرية عازلة على الحدود العراقية-السورية، ما يوحي بوجود خطة لمراقبة إيران من العراق. ولو تمكنت أمريكا من سحب يد إيران من العراق، ستنقطع كافة خطوط الشبكة الرابطة بين سوريا ولبنان وبين طهران.

ممر استراتيجي

تُشكل العراق بالنسبة للأمريكيين الممر الاستراتيجي الذي قد يمكنهم من إحكام السيطرة على مفاتيح تحركات إيران في المنطقة، كما أنها بمثابة البوابة الأكثر تأثيراً للسيطرة على إيران، والإبقاء على التواجد العسكري الأمريكي في العراق بمثابة قطع حلقة الوصل بين أذرع إيران في سوريا ولبنان.

ويرى بعض المراقبين أن الولايات المتحدة الأمريكية قد سعت اليوم إلى اعتماد خطط جديدة، في سبيل إضعاف الدور الإيراني المتزايد في العراق، حيث أغلقت الولايات المتحدة قنصليتها في البصرة التي شهدت احتجاجات دامية في جنوب العراق منددة بـ«نيران غير مباشرة» نسبتها إلى قوات مدعومة من إيران ومحملة طهران المسؤولية عن أي أذى يلحق بالأمريكيين.

وأشارت معلومات متداولة في الأوساط السياسية العراقية إلى أن تقليص الحضور العسكري لميليشيا«الحشد الشعبي» هدف أمريكي ثانٍ لا سيما بعد تسليم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لرئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي قائمة تضم أسماءً معروفة من قادة ميليشيا الحشد لإبلاغهم بمغادرة العراق، وإلا ستكون فصائلهم مستهدفة أمريكياً.

وتدرك أمريكا مدى مركزية العراق في الاستراتيجية الإيرانية، ولذلك كانت زيارة بومبيو للعراق تهدف الى الضغط على الحكومة العراقية للالتزام باستراتيجية الضغوط القصوى الأمريكية ضد إيران، وعدم فتح منافذ أمام طهران للالتفاف على العقوبات.

خوف على نظام إيران

التصريحات النارية التي انطلقت من جانب الميليشيا المحسوبة على طهران على إثر الزيارة المفاجئة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعراق، لم تستقبلها الأوساط العراقية على أنها دفاع عن العراق وسيادته بقدر ما هي خوف على نظام إيران، لا سيما أن ميليشيا حركة النجباء قالت أنها لن تسمح أن يصبح العراق قاعدة أمريكية لتهديد إيران.

ولا شك أن تلك التصريحات تعكس هواجس إيرانية من تعزيز الولايات المتحدة وجودها العسكري بالعراق، وتحوّل العراق إلى قاعدة عسكرية أمريكية، تُحدّ من نفوذها وانتشار ميليشياتها، وتعيق مخططاتها في العراق، فالعراق يحتل أولوية كبرى في الاستراتيجية الإيرانية، ليس فقط لاعتبارات المكان والزمان والموارد، وإنما أيضاً كبوابة عبور في تصدير النفط إلى العالم الخارجي، للالتفاف على العقوبات، فيما يمثل دور طهران السياسي في العراق فيما تملكه من علاقات وروابط بالحكومة العراقية والأحزاب السياسية الفاعلة في العملية السياسية ومراكز صنع القرار، حيث تسعى بشتى السبل لاستمرار حالة عدم الاستقرار التي تشهدها العراق، عبر زيادة تدخلها في المشهد العراقي، سواء في مساعي تشكيل تكتلات سياسية جديدة، أو التدخل في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

كما أنها تعمل على استمرار خلخلة الأوضاع السياسية في العراق بما يجعل الحكومات العراقية ضعيفة، وإيجاد نخب سياسية تدين بالولاء والطاعة لطهران، كما حققت إيران في العراق مكتسبات عسكرية، تتمثل في نجاحها بالضغط على العراق لدمج ميليشيات الحشد الشعبي المنتشر في ربوع الدولة العراقية ضمن الجيش العراقي في نوفمبر 2017.

ومكتسبات تجارية: حيث تحتل إيران المرتبة الثانية في التجارة مع العراق، لكن الاحتجاجات التي نشبت في جنوب العراق، رفعت صورة خامنئي، وأحرقتها فهو رسالة واضحة بأن الشعب العراقي يرفض تلك التدخلات الإيرانية في الشأن العراقي وأنه حان الوقت لوقف التغلغل الإيراني في مفاصل الدولة العراقية.

اللعب على ورقة السيادة

ويشير مراقبون إلى أن إيران تسعى جاهدة عبر بعثات رسمية وسرية إلى بغداد لإقناع النظام العراقي بالتمسك بمبدأ السيادة من أجل الدفع بمجلس النواب إلى اتخاذ قرار ينص على رفض الإجراءات التي يتوقع أن تتخذها الولايات المتحدة ضد إيران من داخل الأراضي العراقية، حيث تسعى طهران لزج وإقحام العراق في مشاكل وأمور لا ناقة له فيه ولا جمل، كما هو الحال من أجل جعله طرفاً في الصراع الأمريكي ـ الإيراني في العراق والمنطقة على النفوذ.

وينص مشروع القانون على إخراج القوات الأجنبية كافة من العراق، بما فيه إقليم كردستان العراق، ودعم القوات العراقية، وتشكيلات وزارة الداخلية النظامية وميليشيا الحشد الشعبي، وتعزيز قدرات سلاح الجو وبناء منظومات دفاع جوي قادرة على تأمين البلاد.

لكن هذا المطلب جوبه بمعارضة أمريكية منقطعة النظير، حيث إنها تريد أن تؤسس لنفسها قواعد عسكرية دائمة، تكون الأهم بالمنطقة، والأهم في إدارة الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، حيث بدأت حرب استباقية لإقناع الساسة بخيار التواجد في العراق بتقديم امتيازات جديدة كفيلة كفيلة بقبول العراق النشاط العسكري الأمريكي في منطقتها. أن تكون أي تسوية للأوضاع في سوريا لابد أن يكون العراق جزءاً من مفاعيلها.

الضغط

وقد استخدمت أمريكا العراق كورقة ضغط وتفاوض في ملفاتها الدولية مع إيران وتحقيق مكاسب لها، فقد استطاعت أن تسيطر على العراق من خلال استراتيجيات عدة تعود في النهاية بالنفع على مصالح أمريكا بالأساس، لكن هذه الاستراتيجية جلبت لها انتقادات دولية جعلها تبحث عن خطة أكثر فاعلية خاصة بعدما نقلت الولايات المتحدة عدداً من معداتها العسكرية التي كانت في سوريا إلى ثلاث قواعد داخل الأراضي العراقية على خلفية قرار الانسحاب العسكري من سوريا، واقتنعت بضرورة التوسع في الحضور العسكري أو إقامة قواعد عسكرية أمريكية يمكنها استهداف مقرات الميليشيا ومواقع النفوذ الإيراني في العراق، أو على أقل تقدير استهداف الأراضي الإيرانية من الداخل العراقي.

اعتراف

اعترف وزير النفط الإيراني بيجن زنكنة بأن العقوبات الأمريكية المفروضة حالياً على طهران أقسى من الحرب، التي خاضتها إيران مع العراق 8 سنوات في عهد الرئيس الراحل صدام حسين.

وقال الوزير إن «طهران لن تسمح للولايات المتحدة بوقف صادراتها النفطية»، منتقداً موقف اليونان وإيطاليا لعدم شرائهما النفط من بلاده رغم حصولهما على استثناءات من واشنطن. وتابع زنكنة أن «العقوبات الأمريكية المفروضة حالياً على طهران أقسى من الحرب التي خاضتها إيران مع العراق ثماني سنوات».

11 عاماً على توقيع الاتفاقية الأمنية والغموض سيد الموقف

11 سنة تمر على توقيع الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا، والتي كان الكل يعتقد أنها انتهت في 2011، بعد انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، لكن بالعكس الوجود العسكري الأمريكي الحالي في العراق، جاء ليدعم الاتفاقية بعد انضمام الأخير إلى اتفاقية التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وبالرغم من التطمينات الأمريكية من أن الاتفاقية شفافة وليست فيها أي بنود سرية، إلا أن الكثيرين من أبناء الشعب العراقي متخوفون من أن يفرض الإطار الحالي لأمريكا كقوة احتلال أساساً تستغله الإدارة الأمريكية لتحقيق أهداف استراتيجية تضرُّ بأمن وسيادة العراق على المدى البعيد.

وتشير كل الدلائل إلى أنها تمثل صيغةً لتبرير الوجود العسكري الأمريكي لأجَلٍ غير محدد، وهي تبيح للقوات الأمريكية القيام بعمليات عسكرية غير محدودة في العراق.

وافق الطرفان على الاستمرار في تعاونهما الوثيق في تعزيز وإدامة المؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات السياسية والديمقراطية في العراق، بما في ذلك، وفق ما قد يتفقان عليه، التعاون في تدريب وتجهيز وتسليح قوات الأمن العراقية، من اجل مكافحة الإرهاب المحلي والدولي والجماعات الخارجة عن القانون، بناء على طلب من الحكومة العراقية.

ففي علاقة بين طرفين أحدهما بحجم الولايات المتحدة الأمريكية والآخر بحجم العراق، لا بد أن تميل كفة التبعية والتأثير لصالح الطرف الأول على حساب الطرف الثاني، فتصبح سياسات العراق رهن بإرادة الولايات المتحدة، لا سيما في الجوانب التي تنظمها هذه الاتفاقية وحيثما ترد الحاجة.

وقد لا يقع من ما تقدم شيء في أتون الانفتاح غير أن التحليل لاتفاقية الإطار الاستراتيجي قاد عدداً من المختصين إلى التشبث بأهميتها انطلاقاً من رؤية مفادها أن دعائم الأمن لا تثبت إلا بعد توافر البيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المناسبة لها.

غموض

رغم الغموض الذي يلف بنود وفقرات هذه الاتفاقية، ولكن يمكن تحديد أهم معالم هذه الاتفاقية بعدة محاور وحسب ما رشح من بعض المطلعين على تفاصيلها:

بقاء طويل الأمد للقوات العسكرية الأمريكية على الأراضي العراقية بحجة تدريب قوات الأمن، إعطاء صلاحيات لهذه القوات باعتقال ومطاردة عناصر مطلوبة أو إصدار الأوامر بشن غارات وعمليات هجومية واحتجاز أشخاص يعتقد إنهم يشكلون تهديدا للأمن، البقاء على الحصانة لتلك القوات والمتعاقدين معها وعدم مساءلتهم أمام القانون العراقي.

حرية الحركة لتلك القوات بالدخول والخروج إلى المدن وأماكن إقامتها، وكيفية العمل المستقبلي معها وإعطاء الأولوية للشركات والمتعاقدين الأمريكان في الاستثمارات المستقبلية وبضمانات أوسع لصالح تلك الشركات وبمراقبة أمريكية.

أما اتفاقية (الإطار الاستراتيجي) طويل الأمد والذي تلخص في أن تستمر القوات الأمريكية بمساعدة العراق بالحفاظ على آمنه من أي تهديد خارجي أو داخلي. والمساعدة في الحفاظ على النظام الديمقراطي التعددي الذي إنشاء في البلاد عقب عام 2003. والاستمرار بتدريب وتجهيز القوا ت العراقية وإسنادها بالعنصر الاستخباراتي والفني.

دعم العراق دوليا سياسيا واقتصاديا ومساعدته للعودة إلى الحظيرة الدولية ومساعدة العراق للتخلص من آثار النظام السابق من عقوبات دولية وديون خارجية وإخراجه من طائلة الفصل السابع للأمم المتحدة.

إطار تفصيلي

وفي الجملة فإن هذه الاتفاقية تضع الإطار التفصيلي لمسار العلاقة والتعاون المستقبلي بين الحكومة العراقية والحكومة الأمريكية في شتى الميادين بما يفترض انه سيسهم في تعزيز وتنمية التجربة الديمقراطية في العراق على أساس الاحترام المتبادل والمعايير المعترف بها للقانون الدولي، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، كما جاء في الفقرة الأولى من القسم الأول لاتفاقية الإطار الاستراتيجي.

موقف

أعلن رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، أن إصدار قانون بإخراج القوات الأمريكية من العراق يتطلب موقفاً من رئيس الحكومة، القائد العام للقوات المسلحة، عادل عبد المهدي، مؤكدا أن بلاده ما زالت بحاجة إلى جهود المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب، والإيفاء بتأدية التزاماته تجاه العراق ودعم حكومته.

وقال الحلبوسي إن «مجلس النواب تسلم طلباً من 89 نائباً لتشريع قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق ».

Email