نهضة تعتمد على الــرؤية الواضحة والإرادة السياسية وتطوير التعليم

رواندا من الإبادة الــــجماعيـة إلى وطن المعجزات

الجيل الجديد في رواندا معول البناء والتعمير

ت + ت - الحجم الطبيعي

مدرسة ثانوية أصبحت متحفاً لذاكرتها. ثمّة مقابر جماعية دفن فيها بعض أفراد أسرة «ميماو»، ولم يكن من السهل طرح السؤال عليها دون إيقاظ مزيد من الألم في نفسها. فهمت «البيان» أن حياة ميامو مليئة برائحة الموت. القاعة في منتصف المتحف كان يفترض أن تكون فصلاً دراسياً يتعلم فيه طلاب المدرسة كيف يعيشون حياة كريمة.

لقد تحولت إلى مكان لحفظ بقايا رفات ضحايا حرب إبادة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وقعت في بلد غارق في الفقر. عندما يأتي الروانديون إلى هذا المكان يواجهون الرعب الذي يذكّرهم بجنون القتل. هو متحف للموت ومقياس الإنسانية المتبقية لدى البشرية كي لا تتكرر مأساة الإبادة.

فقدت «ميماو» الناجية من المجازر 18 شخصاً من عائلتها، دفن بعضهم في كنيسة نياماتا، ولم يتم العثور على جثث باقي أفراد عائلتها الذين أبيدوا جميعاً. تروي نظيرتها اليزابيث نيكوس أنها كانت تعيش مع أسرتها (من قبيلة التوتسي) في إحدى القرى.

وكان والداها يعملان في الزراعة، وفي أحد الأيام جاء إلى قريتهم جنود محملون بالأسلحة وأخذوا يصرخون بأعلى أصواتهم: «سوف نقضي عليكم»، وبدأوا يطلقون النار ليثبتوا صدق تهديدهم. فهُرع الأهالي إلى الكنيسة ليحتموا بها، بينما تركهم الجنود حتى يتجمعوا ثم هجموا عليهم.

 

لم يرحموا شيخاً ولا امرأة ولا طفلاً، ولا حتى رضيعاً. قتلوا أبا ميماو وأمها وشقيقاتها على مرأى ومسمع منها في مشهد يدمي القلوب، وهمّوا بقطع رأسها.

وعندما حاولت الفرار من المكان قطعوا أصابع قدمها، ثم ضربوها على رأسها فسقطت على الأرض، فاعتقدوا أنها ماتت وتركوها. بعد أن غادروا رفعت رأسها واكتشفت أنها وحيدة وسط الجثث، ولم تجد ما تقتات عليه سوى بعض من جذور النباتات وأوراق الشجر إلى أن تم إنقاذها، ثم أودعت في ملجأ للأطفال الذين فقدوا ذويهم.

هذا ما رواه عدد من أهالي رواندا الذين التقتهم «البيان» خلال مرافقتها لمؤسسة دبي العطاء في رحلة رصد وتقييم للبرنامجين اللذين أطلقتهما العام الماضي 2017، ويركزان على التحدّيات التعليمية الرئيسية في رواندا، الأول بعنوان «شراكة من أجل التعّلم والابتكار» مع مؤسسة «تعليم»، والثاني بعنوان «التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة».

موت وشلل

بيبي ياني قتل أبوها في الحرب وأصيب أخوها بالشلل بعدما ضربه أفراد من الميليشيات على رأسه، وأمثالها كثيرون، والمعاناة تتضاعف مع صعوبات الحياة، فيما تتذكر ياني فصلاً مريراً في حياتها وحياة بلدها.

وتضيف ياني الناجية من الإبادة: كنا نسكن قرب الحدود حين حجزوا السكان وسدوا الطرق وهاجموا مساكن التوتسي، وقتلوا أبي وضربوا أخي على رأسه، وأصبح يتعرض لنوبات من الصرع والصراخ الشديد لهول ما يتذكره.

كنيسة «نياما» الشاهدة على الإبادة ليست استثناء ففي جميع أرجاء رواندا تحوّلت أماكن اللجوء إلى أماكن للرعب، فكيف يتعايش قتلة وضحايا في بلد يعتمد مستقبله على ذاكرته؟. ابتداء من السابع من أبريل من كل عام ولمائة يوم، توقد شعلة التذكّر في مركز«إيبوكا» في العاصمة كيغالي. إنها مائة يوم من الحزن والدموع في البلاد على ضحايا حرب الإبادة عام 1994.

كم من الأرواح زهقت.. كم من المنازل تحوّلت إلى قبور لأهلها. لقد خلّفت مجازر الإبادة ما يقارب المليون ونصف مليون قتيل، ومئات آلاف الأيتام والأرامل وأصحاب العاهات المستديمة، وقصص مآس لا حصر لها تقشعر لها الأبدان. أي شمس تجفف دموعها كي يستقيم درب مستقبل رواندا؟، وأي ضوء يقضي على الحقد الذي جعل منها ضحية على قيد الحياة لترتدي لون الأمل، رغم جروحها الطرية؟.

ذاكرة قويّة

رواندا ذلك البلد الصغير بذاكرة قوية في قلب أفريقيا الاستوائية، جمالها الفتان في موسم ممطر ما زال يحتفظ بمسحة حزن دفين بسبب ما خلفته حرب إبادة عرقية حصدت أرواح ما يقرب من مليون ونصف المليون شخص من التوتسي ومَن تعاطف معهم من الهوتو المعتدلين.

الأسى لن ينسى بسهولة..ولن تمحى آثاره الوحشية وندوبه العالقة بالروح إلا بفيض من النور يشع لينير ظلمات القتل والدمار والحزن التي خلفتها الحروب والإبادة الجماعية مثلما تؤكد أواما هورو فيريني.

هذا النور يجده المتعطشون في صفوف العلم والمعرفة التي تهدم أبواق الجهل والفرقة والوحشية والدمار. ومن هنا فقد عملت مؤسسة دبي العطاء إحدى مبادرات الشيخ محمد بن راشد العالمية، لتعزيز منظومة التعليم في سن الطفولة المبكرة، إضافة إلى تمكين الشباب من أجل النهوض بجيل جديد واع وقادر على تجاوز جراحه.. مبصر لحق العلم والمعرفة.. يمتلك كل المقومات لبناء مجتمع إنساني جديد على أنقاض كل هذا الدمار الذي حل برواندا منذ 24 عاماً.

عندما تزور رواندا، ذلك البلد الإفريقي الصغير الحبيس الذي لا يطل على أي بحر، لن تتوقف عن التساؤل عن الكيفية التي تحققت بها تلك المعجزة، وكيف تجاوزت هذه الدولة أهوال الحرب الأهلية والإبادة الجماعية وإرثها في مدة قصيرة، مع كل تلك المعوقات.

وهو التساؤل الذي حاولنا من خلال زيارتنا للعاصمة كيغالي ومدينة نياماشيكي وعدد من القرى والأماكن النائية الإجابة عنه، وقد لا يتّسع له المجال الذي تتيحه قصة صحفية تحاول رصد انطباعات زيارة استغرقت ستّة أيام إلى بلد الألف تلة كما تعني كلمة «رواندا» باللغة المحلية.

ربع مليون امرأة

24 عاماً مرّت على مجازر الإبادة الجماعية التي نفذتها قبائل الهوتو بحق التوتسيين، حيث يشكّل الهوتو حوالي 85% من تعداد سكان رواندا، كل هذا لأن أنوف التوتسي أطول ببعض الملليمترات من أنوف الهوتو، فكان القتل للتشفي لا لمجرد القتل، وكان أن تعرضت النساء للاغتصاب لنفس السبب حيث قُدرت أعداد السيدات اللاتي تم اغتصابهن بربع مليون.

ولعبت إذاعة «أر تي أل أم» الهوتية دوراً كبيراً في نشر الكراهية وتأجيج عمليات الإبادة، من خلال وصفها التوتسيين «بالصراصير»، ودعواتها للتخلص منهم وقتلهم، على إثر سقوط طائرة رئيس رواندا جوفينال هابياريمانا، الذي ينتمي للهوتو، في 6 أبريل 1994، لتبدأ عمليات الإبادة بحق جماعة التوتسي، بعد مضي أقل من ساعة على حادثة سقوط الطائرة.

في الواقع، بدأت الحكاية حين رسم المستعمر في ذهن الأغلبية (الهوتو) أن أبناء الأقلية (التوتسي) ليسوا من أصول أفريقية، ورسّخ في عقول الأغلبية أن الأقلية مجموعة من الأجانب. واستمرّت الحكومات المدنية ثم العسكرية بعد الاستقلال في ستينيات القرن الماضي تغذّي في ذهن الأغلبية أن أبناء (التوتسي) ليسوا بشراً إلى أن وصل الأمر إلى الإبادة الجماعية.

المعجزة حصلت

تغيير الوضع هناك كان بحاجة إلى معجزة وهو ما حصل بالفعل، فقد بدأ العمل أولاً على المصالحة بين أبناء الشعب الواحد، واعتماد الحكومة سياسة «الاتحاد والمصالحة»، المستندة إلى نظام قضائي تقليدي يعرف باسم «غاكاكا»، أمكن بموجبه التعامل مع مئات الآلاف من الأشخاص المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية، وتحقيق التسامح بين الناس واستئناف العيش المُشترك.

المعجزة التي أدت إلى نهضة رواندا الاقتصادية تزامنت مع نهضة اجتماعية شملت جميع نواحي الحياة، فعلى سبيل المثال؛ حازت العاصمة كيغالي لقب أنظف عاصمة إفريقية، كما أن رواندا تعد واحدة من أكثر 10 وجهات سياحية أمانًا في العالم.

عاشت رواندا المعاناة بعد «الإبادة» حيث حطّمت مرافق الدولة وبنيتها الأساسية، ولم يعد هناك مستشفيات ولا كهرباء ولا مدارس أيضا، بل أصبح المعلمون أنفسهم ما بين قتيل وسجين وهارب بحياته من البلاد.

آمنت رواندا بأهمية التعليم ليقينها بأن العلم هو السلاح الذي ستواجه به التحديات والتطرف والعنصرية، فعمدت إلى تطوير منظومة تعليم حتى أضحت شديدة الصرامة فيما يتعلق بالانتماء، أن تكون رواندياً وفقط، دون أن تتفاخر باسم قبيلتك أو تنتمي إليها، وبصفة عامة أصبح التلفظ بكلمة عنصرية جريمة يعاقب عليها القانون.

97%

لم تكن رواندا في ذلك الوقت بحاجة إلى إعادة بناء الدولة، أكثر من إعادة بناء الأطفال، نفسياً وفكرياً وعلمياً، كان لابد أن تعود المدارس لتفتح أبوابها مرة أخرى، لذا جاءت برامج مؤسسة دبي العطاء إحدى مبادرات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، مواكبة لتوجهاتها الرامية إلى بناء العقل المفكر المحاط بالرحمة وحب البشرية والرغبة في تطوير كل جوانب الحياة التي تتأثر بها .

والمشاركة المستمرة في تمهيد السبل حتى تسير باتجاه الرقي والحضارة التي تهدف إلى منفعة وجودنا على هذه الأرض، حتى أصبحت رواندا من أعلى الدول الأفريقية انتظاماً في التعليم؛ ففي المرحلة الابتدائية وحدها كانت نسبة الأطفال المنتظمين تساوي 97%، بنسبة متساوية للأولاد والبنات.

أدركت «دبي العطاء» أن أصحاب الهمم في حاجة إلى تدارك وضعهم القائم؛ بتبني الإعاقة كونها قضية إنسانية أساسية في مجال التخطيط والرؤية المستقبلية بشكل يسعى للحد من الإعاقة، وتوفير الخدمات التأهيلية المناسبة كماً ونوعاً، فكان لهم نصيب من برامجها من ناحية الرعاية الصحية والتعليمية، ودعمهم بالأدوات اللازمة لتسهيل حياتهم.

التجربة الرواندية تحمل الكثير من التفاصيل التي لا يتسع المجال لذكرها وإن كان كافيًا لاستخلاص الدرس الأهم، وهو أن ما حدث في هذا البلد مثال حي على قدرة الشعوب على النهوض من أحلك الظروف في حال توافر رؤية واضحة وإرادة سياسية وشعبية لتنفيذها.

العفو أم الثأر

خلال زيارة «البيان» برفقة «دبي العطاء لمتحف النصب التذكاري للإبادة الجماعية الكائن في العاصمة كيغالي، شاهدنا في إحدى قاعاته مقطعًا مصورًا لأحد الناجين الذي فقد جميع أفراد أسرته - زوجته وأبناءه - على يد ميليشيات الهوتو، وهو يروي قصته بتأثر شديد، ثم يروي كيف أن أمنيته الوحيدة في الحياة حالياً أن يتقدم له من قتل أسرته.

ويعترف بذنبه حتى يتمكن من مسامحته، هو لا يبحث عن الثأر، كبقية الروانديين الناجين من الإبادة، وهو سامح من فعل ذلك ولكنه يريد أن يعرفه ليخبره بأنه قد سامحه بالفعل.

هذا هو الدرس الرواندي المهم، الثأر لن يقدم أي شئ سواء للناجين أو حتى للمجتمع، بدا واضحًا أن هذا الحل لن يجدي نفعًا ولن يتقدم بالبلاد إلى الأمام، وبينما نمسح دموعنا بيد، سنبني باليد الأخرى».

زيارة هذا المكان أو غيره من نصب الإبادة في رواندا ليست بالأمر الهين على النفس، لكنها دائمًا تذكر الروانديين والزوار بما حدث والثمن الذي دفع، وهو ما جعلها المكان المفضل الذي تجمع فيه هيئة الوحدة والمصالحة الناجين والجناة معًا، في جلسات للمصارحة والمسامحة.

البن والشاي

يقوم الاقتصاد الرواندي بشكل رئيسي على زراعة البن والشاي وتصديرهما، بعد الإبادة ظهرت التعاونيات الزراعية كحل لمشكلة إيجاد فرص عمل للناجين من الإبادة.

فعملت بعض المنظمات الدولية على شراء قطع أراض زراعية في مناطق مختلفة في البلاد وتقديمها لمجموعات السكان الأكثر فقراً في تلك المناطق والذين هم في الأغلب من الناجين من الإبادة أو النساء المعيلات اللاتي قتل أزواجهن أو سجنوا لمشاركتهم في جرائم الإبادة.

بكلمات

رواندا، بلد لا تتجاوز مساحته 27 ألف كيلومتر مربع ويقترب عدد سكانه من 12 مليون نسمة ما يجعله واحدًا من أكثر الدول الإفريقية كثافة بالسكان -290 شخصًا للكيلو متر المربع، تحوّلت إلى واحدة من أهم الاقتصاديات الناهضة في العالم بمتوسط معدل نمو 7.5 بالمئة من عام 2015 إلى عام 2017.

برامج مستقبلية

أوضح طارق القرق الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي العطاء أن المؤسسة قررت إطلاق برامجها في رواندا نتيجة الاحتياج الكبير للتعليم ورغبتها في تطوير هذه المنظومة، لاسيما لمرحلة الطفولة المبكرة، خاصة بعد حرب الإبادة الجماعية التي شهدتها الجمهورية منذ 24 عاما، ومرحلة التعافي منها، بهدف إنشاء جيل جديد قادر على المساهمة في تنمية وطنه.

وأكد أن هناك المزيد من التعاون القادم بين الإمارات ورواندا حيث تعتزم «دبي العطاء» إطلاق المزيد من البرامج بالتعاون مع الحكومة الرواندية وعدد من المنظمات الدولية.

حين يجد المحتاجون مؤسسة «دبي العطاء»

ما أروع الإرادة! تلك النعمة التي أكرمنا الله بها، فهي شمعة الأمل للخروج من عمق المعاناة وعتمة ردهات التخبط وقمم القنوط، وهي السلاح القوي الفعّال ضد المستحيلات والمحاولة الحقيقية التي تساعدنا وتمكننا من الوقوف على الانكسارات وامتطاء صهوة الشموخ، وكذلك الوقوف في وجه الأعاصير والتصدي للصعوبات التي تحاول أن تسقط بداخلنا أبجديات الصمود.

وقفت «البيان» خلال زيارتها مركز الأعمال للاطلاع على البرنامج الهادف الذي أطلقته «دبي العطاء» في ضواحي العاصمة كيغالي، على حالات تثبت الإرادة القوية لأبناء هذا الشعب على الصمود في وجه التحديات.

ومن أمثلة ذلك الطالبة دافين، التي التحقت بمركز الأعمال لتتعلم كيف تؤسس عملاً خاصاً، وأن تعتمد على نفسها عوضاً عن انتظار الوظيفة، بعد أن قتل والدها في حرب لا ناقة له فيها ولا جمل، سوى أنه يحمل لقب قبيلة لم يختره لنفسه.

على الأقدام

تقطع دافين البالغة من العمر 22 عاماً، بضعة كيلو مترات مشياً على الأقدام في طريق وعرة، صباح كل يوم للذهاب إلى المركز لتتعلم صنع حقائب اليد من خيوط البلاستيك بألوان زاهية وكيفية صنع الأكياس الورقية، ثم تبيعها لتوفر المال اللازم لسد نفقاتها الدراسية رغبة منها في استكمال تعليمها لتشهره سلاحاً في وجه التخبط.

دافين لديها ثلاثة من الأخوة وأختان تكد عليهم، وتطمح في أن تكون سيدة أعمال في المستقبل متسلحة بسيف الإرادة والإصرار، لتتمكن من اجتثاث جذور الحقد من بلادها، اليوم ربما نسرد قصة كفاحها وفي الغد القريب نكتب كيف تحوّلت إلى النجاح.

إضاءة العتمةدافين ليست حالة استثنائية، فالكثير من أهالي رواندا أدركوا أن التعليم وسيلة لإضاءة عتمة الجهل الذي أودى بحياة ذويهم،.

وتقول ولية الأمر أواما هورو إن لديها ثلاثة من الأبناء من أصحاب الهمم، اثنان من أصحاب الإعاقة السمعية، وواحد من أصحاب الإعاقة الحركية، لا أحد يسمع أصواتهم ولا أحد يلبي احتياجاتهم، تتبدد آمالهم وأحلامهم في الجري وراء حقوق يكفلها القانون وتمنعها الظروف ونقص الإمكانات.

وأضافت أنها لولا مساعدة دبي العطاء، التي وفرت لهم الرعاية الطبية والأدوات المساعدة التي تسهل لهم أمور حياتهم مثل العصا البيضاء والكرسي المتحرك، ما كانت لتتمكن من إلحاقهم بالتعليم، لا سيما أنها تسكن في منطقة تبعد مئات الكيلو مترات عن مقر المدرسة.

«المشاركة» إحدى وسائل صنع الإنجاز

إحدى السياسات التي تتبعها رواندا هي مشاركة المواطنين في صناعة الإنجاز، وهو ما يولّد لديهم الإحساس الدائم بالمسؤولية تجاه هذا الإنجاز ويدفعهم للمحافظة عليه، فعلى سبيل المثال كل مواطن رواندي يشعر أنه من صنع السلام في البلاد سواء عبر اعترافه شخصياً بالجرم الذي ارتكبه وخدمة مجتمعه تكفيراً عن هذا الجرم، أو بمسامحة الجاني إذا كان أحد الناجين أو ذوي الضحايا.

لا يتعلق الأمر فقط بقضية المذابح والناجين منها ومرتكبيها، ولكنه يمتد إلى كل تفاصيل الحياة، سياسة «أومجاندا» مثلاً تقتضي أن يخرج جميع سكان عاصمة كيغالي يوم السبت الأخير من كل شهر لتنظيف شوارع مدينتهم، من رئيس البلاد حتى أصغر طفل، وهي السياسة التي انتهت إلى اعتبار كيغالي أنظف المدن الأفريقية.

وعلى الرغم من كونها واحدة من أفقر البلدان في العالم، حيث يعيش %44 من السكان تحت خط الفقر، إلا أن رواندا حقّقت خطوات ملحوظة في دفع عجلة النمو الاقتصادي والتنمية.

وتعد رواندا البلد الأكثر كثافة للسكان في أفريقيا، ونصف سكانها هم دون الـ 18 سنة. وفي السنوات القليلة الماضية، مر نظام التعليم في رواندا بفترة من النمو القوي، خاصة فيما يتعلق بتوفير التعليم. لكن لا تزال البلاد تواجه العديد من التحديات مثل المهمة المتمثلة في التدريس بنظام الفترتين لمعلمي المدارس الأساسية، والانتقال من اعتماد اللغة الفرنسية إلى الإنجليزية للصف الرابع وما فوق.

المرأة تنهض بالبلاد من ركام الإبادة

قبل الإبادة كانت المرأة الرواندية مهمشة إلى حد كبير، فلا يحق لها الاقتراع ولا تستحق أي ميراث، أما بعد الإبادة فقد برزت مشكلة من نوع آخر حيث أصبح 70 في المئة من سكان البلاد من النساء، على اعتبار أن معظم ضحايا المجازر كانوا من الرجال، إضافة إلى فرار الكثيرين خارج البلاد. نسبة كبيرة من أولئك النساء كنّ من الأرامل أو المعيلات.

بالإضافة إلى نصف مليون امرأة تعرضن للاغتصاب خلال الإبادة، حملت كثير منهن بأطفال لم يتمكنوا من معرفة آبائهم، لذا فقد وقعت على كاهل النساء بشكل أساسي مسؤولية النهضة بالبلاد من ركام الإبادة.

واليوم تشغل النساء أكثر من 60 في المئة من مقاعد البرلمان، بالإضافة إلى نحو ثلث مقاعد الحكومة، ومناصب عليا كثيرة في البلاد مثل رئيس المحكمة العليا ومفوض الشرطة.النساء اليوم في روندا يتمتعن بكامل حقوقهن ويمكن أن تلاحظ في أغلب القرى الرواندية كيف تحتل النساء مناصب قيادية في مجتمعاتهن المحلية، بل إن أغلب التعاونيات الزراعية التي تنتشر في أنحاء البلاد تتولى مسؤوليتها نساء.

«البيان  » ترصد وعي أهالي كيغالي ونياماشيكي بــــأهمية التعليم

خلال مرافقتها لمؤسسة دبي العطاء، رصدت «البيان» وعي أهالي مدينتي كيغالي ونياماشيكي بأهمية التعليم، وذلك في رحلة رصد وتقييم للبرنامجين اللذين أطلقتهما في أغسطس من العام الماضي 2017، ركزا على التحديات التعليمية الرئيسية في رواندا، الأول بعنوان «شراكة من أجل التعّلم والابتكار» مع مؤسسة «تعليم»، والثاني بعنوان «التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة».

وبدا واضحاً حرص الأهالي على التشبث بالتعليم لإيمانهم بأنه طوق النجاة من الجهل الذي أطاح بآبائهم، من جهة ولتلبية الاحتياج الكبير خاصة بعد حرب الإبادة الجماعية التي شهدتها الجمهورية منذ 24 عاماً، ومرحلة التعافي منها ما تطلب تطويراً لمنظومة التعليم وخاصة الطفولة المبكرة بهدف إنشاء جيل جديد قادر على المساهمة في تنمية وطنه.

يقول نيزيمانا إن لديه ابناً من أصحاب الهمم من ذوي الإعاقة الحركية يبلغ من العمر 6 سنوات لم يكن ليلتحق بالتعليم بسبب إعاقته الحركية، ولولا اهتمام دبي العطاء وما قدمته من رعاية طبية مجانية للأطفال من أصحاب الهمم، ما قدر لابنه أن يتعلم طوال حياته وكان سيظل قابعاً في كهوف الجهل، لأنه لا يستطيع أن يحمله ويسير به لأكثر من 500 متر من منزله إلى المدرسة.

في طريق غير معبد، مشيراً إلى أن «دبي العطاء» قدّمت لابنه كرسياً متحركاً ليتمكن والده من اصطحابه إلى المدرسة يومياً من دون تكبّد مشقّة كبيرة.

نيزيمانا ليس حالة استثنائية فهناك الكثير ممن يعانون من نقص الخدمات في التعليم والصحة وخاصة لفئة أصحاب الهمم، في مُعاناة مُضاعفة، قِوَامها الفقر المُدقع والجهل.

حيث تقول ولية الأمر إينات إن لديها ثلاثة أبناء من أصحاب الهمم، لا أحد يسمع أصواتهم ولا أحد يلبي احتياجاتهم، تتبدد آمالهم وأحلامهم في الجري وراء حقوق يكفلها القانون وتمنعها الظروف ونقص الإمكانيات، ولولا برنامج التعليم المبكر الذي قدمته «دبي العطاء» لأطفال نياماشيكي والرعاية الصحية لأصحاب الهمم منهم ما تمكنت من إلحاق أبنائها بالمدرسة.

أوضح طارق القرق المدير التنفيذي لمؤسسة دبي العطاء أن المؤسسة قررت إطلاق برنامج «التعليم المبكر» لفئة الأطفال دون سن المدرسة نظراً لما أثبتته الأبحاث العلمية بأن الخبرات الشخصية التي يتلقاها الطفل في هذه المرحلة، تسهم كثيراً في نموه ونضجه بشكل سليم، مشيراً إلى أن هذه الفئة العمرية التي ستكون الجيل الأول بعد الإبادة، لابد أن يتم تعليمهم الكثير من الخبرات والتحدث معهم وعدم إهمالهم.

تفادياً لإصابتهم بمرض التوحّد، وهذا هو عصب العملية التعليمية والتربوية لهذه المرحلة السنّية حتى يستطيع أن يحس ويدرك ويرى ويفهم من حوله ويتعرف إلى البيئة الطبيعية والاجتماعية، ما يساعده على التوافق الاجتماعي، ولكي يستطيع أن يميز بين الخير والشر وبين الجميل والقبيح، من خلال مواقف سلوكية بسيطة، لضمان إعداد الطفل ليصبح فرداً إيجابياً في مجتمعه.

وقال القرق في تصريحات صحافية له على هامش رحلة رواندا إن برنامج تمكين الشباب جاء انطلاقاً من توسيع مهمة «دبي العطاء» من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ،رعاه الله، خلال الاحتفال بمرور 10 سنوات على إطلاق المؤسسة، الأمر الذي استدعى إدخال قضية تمكين اليافعين والشباب.

وأكد أن البرنامج الذي تم إطلاقه العام الماضي في كيغالي لتمكين الشباب سيكون الأحدث في العالم متنبئاً بمستقبل باهر له على المدى القريب خلال السنوات الثلاث القادمة وستستقطبه العديد من الدول الراغبة في تمكين شبابها.

أشار القرق إن المؤسسة استثمرت 16 مليون دولار في البرنامج الذي يعد أول برنامج متكامل تنفذه دبي العطاء بدأ في العام 2010 واستمر لمدة 4 سنوات متتالية، وهو برنامج توفير المياه والمرافق الصحية ومرافق غسل الأيدي وتعليم النظافة في المدارس استفاد منه أكثر من مليون و700 ألف طفل بالتعاون مع 5 من المنظمات الدولية، في مالي وسيراليون.

Email