«242».. حينما تحوّل من «حل» إلى مشكلة

3

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مثل هذا اليوم من عام 1991 عُقد مؤتمر مدريد لما يسمى «السلام في الشرق الأوسط». سبقت المؤتمر تحرّكات مكوكية للمندوبين الأميركيين الذين تنقّلوا بين الأطراف المعنية، ومن بين مهماتهم الوصول لحل لمشكلة التمثيل الفلسطيني في المؤتمر، وتم حل المشكلة أخيراً بتمثيل الفلسطينيين من خلال وفد أردني فلسطيني مشترك، يكون الفلسطينيون فيه من الضفة وغزة، من أجل استبعاد الإشراف المباشر من جانب منظمة التحرير الفلسطينية.

وزير الخارجية الأميركي آنذاك جورج شولتز أبلغ سوريا ولبنان والفلسطينيين والأردن والجانب الإسرائيلي أن المؤتمر يعقد على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 242 الصادر في 22 نوفمبر 1967، بعد مرور بضعة شهور على الهزيمة العربية في حرب يونيو 1967. كما أبلغ شولتز الأطراف أن القاعدة التي تنظم عملية التفاوض هي «الأرض مقابل السلام».

وحين عقد المؤتمر، لم يأت إسحاق شامير رئيس الوفد الإسرائيلي في كلمته على ذكر أي أساس للسلام والقرار 242، فيما تلافى شولتز الحديث عن قاعدة «الأرض مقابل السلام»، وإن ورد ذكر «242» على نحو عابر.

اللافت، أن 242 هو القرار الأكثر خدمة للجانب الإسرائيلي في المسار الدبلوماسي والتفاوضي، من بين كل القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي، ورغم ذلك بدا، كما دائماً، أن «إسرائيل» يحكم مواقفها ما يمكن تحقيقه في الواقع وليس ما يعطى لها على الورق.

حيثيات ومقدمات

مجلس الأمن عقد أولى جلساته في 9-11-1967، بناء على طلب تقدمت به مصر لبحث الموقف الخطير الناشئ عن رفض إسرائيل الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب يونيو 1967، وقد طرح على المجلس أربعة مشروعات قرارات، هي:مشروع قرار ثلاثي تقدمت به الهند ومالي ونيجيريا، مشروع قرار الولايات المتحدة، مشروع قرار الاتحاد السوفيتي، مشروع قرار بريطاني، وهذا الأخير هو الذي وافق عليه مجلس الأمن بالإجماع، وفيه يعرب مجلس الأمن عن قلقه المستمر بشأن الوضع الخطير في الشرق الأوسط، ويؤكد عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالحرب.

والحقيقة أن هذا الغموض هو الذي أتاح تبني النص بالإجماع، إذ إن واضع النص وزير الخارجية البريطاني، وخليفته مايكل ستيوارت، دعما الرأي القائل بأن إسرائيل غير ملزمة بالضرورة بالانسحاب من كل الأراضي التي احتلتها في يونيو 1967.

وفي ديسمبر 1969، أعلن مايكل ستيوارت، في غرفة العموم البريطانية، أن إغفال أل التعريف في النص الإنجليزي كانت متعمدة، وأكد أن القرار لم ينص فقط على انسحاب القوات الإسرائيلية، وإنما كذلك على توفير حدود آمنة ومعترف بها.

«أل» التعريف

النص الذي حوّل القرار من «حل» إلى مشكلة هو القائل «انسحاب القوات الإسرائيلية من أراضٍ احتلت في النزاع الأخير (نص الفقرة بالفرنسية والإسبانية والروسية والصينية انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة في النزاع الأخير).

وكان واضحاً أن إزالة التعريف ينطوي على أهداف بعيدة المدى في مركزها إعفاء إسرائيل من الانسحاب، ومنحها هامشاً للمناورة في أية مفاوضات مع الفلسطينيين والعرب، وأية تحرّكات دبلوماسية دولية. ففي كتابه «مكان تحت الشمس»، ذكر بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، أن «إسرائيل» نفّذت فعلاً القسم الأكبر من القرار، عبر انسحابها من شبه جزيرة سيناء، وهي ضعفا مساحة فلسطين كاملة.

أداة التعريف المكونة من ثلاثة حروف بالإنجليزية «the» توازي على الأرض معظم أراضي فلسطين إن لم يكن كلّها، طالما أن التفسير متروك لإسرائيل، وهذه تعتبر أن حدودها تنتهي حيث يقف آخر جندي إسرائيلي، والدليل أنها فيما تسمى «وثيقة الاستقلال»، لا تلزم نفسها بأية حدود، أي أن فلسطين والمنطقة الواردة بين الفرات والنيل شيك على بياض بالنسبة لها. لا يزال يعتبر نفسه فوق القانون الدولي، والشرعية الدولية، وكافة القرارات الأممية، ولا يعتبرها ملزمة له، إلا فيما يخص مصلحته.

1000 قرار

الأستاذ الفلسطيني في القانون الدولي حنا عيسى يقول إن الاحتلال الإسرائيلي يرفض تطبيق أكثر من 1000 قرار صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العمومية، والمنظمات الأخرى، مبيناً أن إسرائيل لم تطبق إلا قراراً ونصف قرار من مجمل هذه القرارات، صدرا عام 1947.

وبهذا الصدد، أوضح أن القرار الذي طبقته بالكامل هو(273)، الذي يتعلق بقبولها عضواً في الأمم المتحدة، مشيرا إلى قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، والذي يحمل رقم (181) طبقت منه فقط شق الدولة اليهودية.

وأشار إلى أن إسرائيل تتهرب من تطبيق بنود قرار (242)، بذريعة «أل التعريف» (انسحاب من أراضٍ)، أم (انسحاب من الأراضي)، ومنذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا تلعب على هذا الوتر، هذا القرار استخدم لفظا ليس له أي فاعلية حتى هذه اللحظة، حتى عندما جاء الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش وقال خيار الدولتين لم يطبق حتى هذه اللحظة.

لغط التفسير

وفي حين أرسى القرار الأسس للتفاوض لاحقاً عبر مبدأ فضفاض «الأرض مقابل السلام»، فإن اللغط الذي أثارته الاختلافات في التفسير، خلفت الكثير من الجدل وما هو أكثر من الدم الفلسطيني والعربي، علماً بأن مبدأ «الأرض مقابل السلام»، وفق العديد من الفلسطينيين، فيه مغالطة كبيرة، حيث إن الطرفين الواردين في المعادلة موجودان لدى طرف واحد، فإسرائيل تحتل الأرض وهي التي تعتدي وتشن الحروب، وتملك بالتالي ما يؤدي للسلام أو لا.

لكن إسرائيل تتبع سياسة قائمة على الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها وتغطي أطماعها في الأرض بالاعتبارات الأمنية، وهو ما تؤيده الولايات المتحدة على الدوام، ولذلك اعتبرت أن عدوان إسرائيل على الدول العربية في يونيو 1967، وكذا في 1982، وكل الحروب العدوانية اللاحقة، «دفاع عن النفس».

قبول مشروط

وقبِل الأردن ومصر ولبنان، بالقرار، ولكن مع معارضة أي تفاوض مع إسرائيل طالما لم تسحب جيشها من الأراضي المحتلة، لكن الفلسطينيين، رفضوه وظلوا يرفضونه لفترة طويلة لأنه اختزل القضية الفلسطينية في قضية لاجئين.

وفي 1988، وافقت القيادة الرسمية الفلسطينية على التفاوض على أساس 242 و338، الذي أقر بعد حرب أكتوبر 1973، وأقروا ضمنًا لأول مرة بتقسيم فلسطين وبحل الدولتين، وبعد انسحابها في قرار منفرد من داخل غزة سنة 2005، لا تزال إسرائيل تحتل منذ 51 عامًا الضفة، وهضبة الجولان.

نص قرار

وجاء في نص القرار: إن مجلس الأمن، إذ يعرب عن قلقه المستمر إزاء الأوضاع الخطيرة في الشرق الأوسط. وإذ يؤكد أنه لا يجوز اكتساب الأراضي بالحرب، كما يؤكد الحاجة للعمل من أجل سلام عادل، ودائم، يسمح لكل دولة في المنطقة بالعيش بأمن.

وإذ يؤكد كذلك أن كل الدول الأعضاء قد التزمت بموافقتها على ميثاق الأمم المتحدة، بالعمل وفق المادة الثانية من الميثاق.

1- يؤكد أن تنفيذ مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط يجب أن يشمل تطبيق المبادئ التالية:

2- أ ـ انسحاب القوات المسلّحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتُلت (أراضٍ احتُلت) في النزاع الأخير.

3- ب ـ إنهاء كل حالات الحرب والمطالب المتعلقة بها، واحترام السيادة، ووحدة الأراضي، والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة، والاعتراف بها، بالإضافة إلى حقها في العيش بسلام، ضمن حدود آمنة ومعترف بها دون تهديدات، أو استخدام القوة.

2- ويؤكد ضرورة: أـ ضمان حرية الملاحة عبر الممرات المائية الدولية في المنطقة. ب ـ التوصل إلى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين. ج ـ ضمان عدم انتهاك حرمة الأراضي والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق اتخاذ إجراءات من بينها إقامة مناطق منزوعة السلاح.

3- يطلب من السكرتير العام تعيين ممثل خاص للتوجه إلى الشرق الأوسط من أجل إقامة اتصالات بالدول المعنية ومواصلة هذه الاتصالات من أجل دعم الجهود الرامية إلى تحقيق تسوية سلمية، ومقبولة، وفق نصوص ومبادئ هذا القرار.

4- يطلب من السكرتير العام تقديم تقرير إلى مجلس الأمن بصدد سير مهمة ممثله الخاص في أقرب وقت ممكن.

 

Email