مشروع دستور ليبيا.. آمال تتقاذفها الفوضى والأقلَمة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي ينتظر الليبيون تحديد موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع تنظيمها أواخر العام الجاري، تبقى مسودة الدستور الجديد حاجزاً جدّياً أمام أي حل سياسي، في ظل غياب التوافق، واشتراط أطراف عدة أن تُسبق الانتخابات باستفتاء عليه بعد أن أبطلت المحكمة العليا بطرابلس في فبراير طعوناً قانونية من محاكم أدنى ضد مسودة الدستور، ما يمهد الطريق لتنظيم الاستفتاء. وباتت القضية الدستورية محط أنظار الليبيين المحمّلين بآمال بخروج بلدهم من أتون الفوضى وغياب الدولة، ووسط خشية من أن تبقى المسالة الدستورية رهينة رياح الفوضى ومساعي التقسيم والأقلمة.

وصوّتت هيئة صياغة الدستور، في يوليو 2017 على مشروع الدستور الليبي، بواقع 43 صوتا من واقع 57، إلا أنّ عدداً من أعضاء الهيئة تقدّموا بطعن بشأن عدم مشروعية جلسة تصويتها، أمام محكمة في مدينة البيضاء شرقي البلاد.

وقال الطاعنون في قرار إحالة مشروع الدستور إلى البرلمان إنه تم في يوم السبت، الذي هو عطلة رسمية في جميع الدوائر والمصالح الحكومية في ليبيا.

وأصدرت محكمة البيضاء، في منتصف أغسطس 2017، حكماً بقبول الطعن في الشقّ المستعجل بشأن وقف قرار إحالة مسودة مشروع الدستور إلى مجلس النواب، ثم عادت المحكمة ذاتها وقضت في موضوع الدعوى، في يناير 2018، ببطلان قرار الإحالة.

وفي نوفمبر الماضي، طعنت شخصيات عامة من مدينة بنغازي ومنظمات مجتمع مدني في مشروع مسودة الدستور، أمام دائرة القضاء الإداري بمحكمة استئناف بنغازي. وقضت المحكمة في 8 يناير الماضي، بعدم الاختصاص بنظر الدعوى المرفوعة ضد الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور التي تقدمت بها تلك الشخصيات والمنظمات، حيث استند الحكم إلى أن الهيئة ككيان أنشئ تنفيذا لأحكام الإعلان الدستوري والمنظم بالقانون رقم (17) لسنة 2013 هي هيئة أنيط بها التأسيس لسلطات الدولة وهياكلها بإعداد مشروع دستور يطرح للاستفتاء.

مرحلة انتقالية

ويقول رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور نوح عبد الله، إن الحديث عن إجراء انتخابات رئاسية في ليبيا قبل الاستفتاء على الدستور يعني الدخول في مرحلة انتقالية أخرى، مشدداً على أن تحديد موعد الانتخابات الرئاسية لا يمكن تحديده قبل الاستفتاء على الدستور.

وفيما يتعلق بإمكانية التعديل على بعض مواد الدستور أوضح أنه لن يتم إجراء أية تعديلات على الدستور إلا في حالة تصويت الشعب بـ«لا»، وأن التباينات الموجودة في بشأن الأمر تتعلق بالتوجهات السياسية «وهذه التوجهات لن تؤثر والاحتكام الوحيد في الأمر يعود إلى الشعب الليبي».

ويؤكد المستشار السياسي لرئيس مجلس النواب الليبي، مستشار الدراسات الاستراتيجية، عبد الله عثامنة، أن البرلمان لم يعد أمامه الآن إلا إصدار المشروع من أجل الاستفتاء على الدستور، لافتاً إلى أنه بعد قرار المحكمة العليا بعدم اختصاص القضاء الإداري بالدعاوى المتعلقة بأعمال الهيئة التأسيسية فإن الأمر حسم الخيارات أمام المجلس، وأن مجلس النواب سيطرح مناقشة قانون الاستفتاء في البرلمان، وتحديد موعد الاستفتاء وأن رئيس البرلمان عقيلة صالح أشار إلى ضرورة الانتهاء من الخطوات الأساسية بما فيها مشروع قانون الاستفتاء وقانون الانتخابات.

ويعتبر منصور الحصادي، عضو المجلس الأعلى للدولة الليبي، أن الأولوية تشمل المضي نحو إعداد قانون الاستفتاء على الدستور بالتشاور، ومن ثم الذهاب للانتخابات، مبرزا أن «أي إعاقة للاستفتاء هي مجرد محاولة للبقاء في السلطة».

استفتاء شعبي

في ديسمبر الماضي، دعت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في ليبيا، من تونس، سلطات بلادها والبعثة الأممية بليبيا، إلى اتخاذ التدابير اللازمة لإجراء استفتاء شعبي على الدستور الجديد، وطالبت في بيان بـ«اتخاذ ما يلزم لعرض مشروع الدستور على الشعب، وإزالة كل المعوقات التي تقف في طريق إنهاء المراحل الانتقالية، وذلك عن طريق عملية ديمقراطية يشارك فيها الليبيون بالداخل والخارج».

وقال عضو الهيئة ومنسق لجنة التوعية والتثقيف إبراهيم البابا، إن «الدعوة موجهة للسلطة المؤقتة والبعثة الأممية، لأنه لا حل لليبيا إلا عبر الاستفتاء على مشروع الدستور التوافقي الذي يجمع بين كل الأطراف، والمقرر داخل ليبيا، ومكتوب بأياد ليبية، وحصل على نسبة عالية من الأصوات داخل الهيئة».

وفي فبراير الماضي، قال صلاح الدين الجمالي، مبعوث الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى ليبيا، إن ليبيا قد تضطر إلى سن دستور آخر يتلاءم مع الأوضاع الجديدة ومتطلبات المرحلة، ما جعل الهيئة التأسيسية للدستور ترد عليه بقوة، مؤكدة في بيان، أن مشروع الدستور الحالي المعروض على الاستفتاء هو نتاج عمل قامت به الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور.

عصيان مدني

من جانبه، هدّد التكتل الاتحادي الوطني الفيدرالي ممثل إقليم برقة (شرق ليبيا)، بالدعوة إلى العصيان المدني في حال إقرار تمرير مسودة الدستور المقدمة للبرلمان، بهدف إصدار قانون الاستفتاء بحقها، لأنها تمثل مظلمة تاريخية لأهل برقة، وفق بيان له، وقال «نرحّب بأي قانون للاستفتاء على الدستور، يتضمن الاستفتاء في كل إقليم على حدة (...)، سنقاطع أي استفتاء لا يتضمن هذا المطلب العادل، باعتبار بأن المثالثة أصبحت أمراً مسلماً به، وواقعاً تاريخياً وجغرافياً واجتماعياً».

ويطالب التكتل الفيدرالي السلطات الليبية، بالعودة إلى النظام السياسي الذي كان سائداً في عهد الملكية في خمسينيات القرن الماضي، عندما كانت البلاد مقسمة إلى ثلاثة أقاليم (برقة ممثلة للشرق وطرابلس ممثلة للغرب وغزان ممثلة للجنوب).

ويرى الكاتب والمحلل السياسي جبريل العبيدي أن اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور تشكّلت على أساس التمثيل المتساوي بين (الأقاليم) التاريخية الثلاثة طرابلس وبرقة وفزان مكونة من 20 ممثلاً عن كل (إقليم) وإذا رفضها إقليم عبر ممثليه أو أغلبهم، فهذا يجعل التوافق غير ممكن، ولذا كان الخطأ منذ بداية التأسيس، حيث رفض أغلب ممثلي إقليم برقة في اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور المسودة.

حبر إخواني

وأضاف العبيدي أن مسودة الدستور، كتبت بحبر إخواني واضح المعالم، فقد تنكرت لعروبة ليبيا ولأمتها رغم أن 96 في المائة من سكان ليبيا عرب، ومررت تسميات كمجلس الشورى بدلاً عن مجلس الشيوخ، وتلاعبت في آلية اختيار الأعضاء بين الانتخاب والتمثيل، واعتمدت المغالبة السكانية بين الأقاليم في حين أن اللجنة أو الهيئة في قرار تشكيلها اعتمدت نظام الأقاليم الثلاثة، كما أن مسودة الدستور الجدلية كرست لمركزية السلطة بما في ذلك الخدمية.

وهذا من أكبر فصول معاناة المواطن الليبي في دولة يبلغ طول ساحلها على البحر الأبيض المتوسط 2000 كلم ومساحتها أكبر من خمس دول أوروبية مجتمعة، واعتماد النظام المركزي سيرهق المواطن ويهدّده بالنقص في الخدمات وتعثرها، في حين دستور عام 1951 كان اتحادياً تقاسمت فيه الأقاليم التاريخية (طرابلس وبرقة وفزان) الثروات بالتساوي.

ويرى المحلل السياسي عبد المنعم الشوماني أن الدساتير عادة ما تكون مختزلة وبعيدة عن العبارات الإنشائية، غير أن بعض المواد في مسودة الدستور الليبي الجديد وردت مبهمة، فيما أبرز أستاذ العَلاقات الدولية والسياسات المُقارنة، إبراهيم هيبة، إنَّ أبرز جوانب الخلل في مسودة الدستور التي وصفها بـ«المعيبة» هو إخلالها بمبدأ حق المواطنة.

الأقليات الليبية تطالب بالتوافق بشأن الدستور

ترفض الأقليات العرقية والثقافية الليبية مسودة الدستور الليبي الجديد. وقال عضو المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا هشام حمادي إن الأمازيغ لم يشاركوا في صياغة الدستور وقاطعوا أعمال الهيئة منذ بدايتها، معتبراً أن مشروع الدستور لم يصدر بطريقة قانونية،لأنه من المفترض ـ حسب رأيه- أن يكتب بالتوافق مع المكونات الثقافية والتي من بينها التبو والطوارق بحسب ما جاء في الإعلان الدستوري.

ولم يشارك مكون الأمازيغ في انتخابات الهيئة، بسبب رفض المؤتمر الوطني تعديل نظام التصويت على اتخاذ القرارات المتعلقة بحقوقهم الثقافية، وإبقاء نظام التصويت بأغلبية ثلثي الأعضاء زائد واحد، وهو ما عدّه الأمازيغ إجحافاً بحقهم لاعتبارهم أقلية داخل الهيئة.

وأصدر محتجون أمازيغ بياناً شددوا فيه على استمرار حراكهم الاحتجاجي من أجل تعديل الدستور الجديد ليتوافق مع الهوية الليبية وتاريخ ليبيا باعتبار أن الحق الأمازيغي يندرج تحث ما يسمى بحقوق الشعوب الأصيلة وبحقوق المواطنة وحقوق الإنسان.

ووفق وثيقة صادرة عنهم فإن «الأمازيغ يطالبون بأن يكون الدستور معبراً عن الهوية الليبية بجميع مكوناتها العربية والأمازيغية تحقيقاً للعدالة وأن تكون اللغة الأمازيغية رسمية في الدستور الليبي ووضع آلية وجدول زمني لتحقيق ذلك وألا يتم فرضها على المناطق غير الأمازيغية ويتم التنصيص على وجوب حمايتها والإنفاق على إنشاء مراكز بحثية خاصة بها لتطويرها لتواكب العصر، وتدريسها في المناطق الأمازيغية وخارجها لمن يرغب في ذلك وأن تكون في الوثائق الرسمية للدولة (كجوازات السفر والبطاقات الشخصية ورخص القيادة) وأن يتم الإشارة لجميع المكونات في (العلم والنشيد والعملة وطوابع البريد وشعارات الدولة الليبية.) وأن تخصص ساعات للإرسال الإذاعي والتلفزيوني العمومي باللغة الأمازيغية أو تخصيص قنوات لها؟ وغيرها من حقوق الإنسان والمواطنة».

مبدأ التوافق

ورفض ممثلا التبو المقاطعان لجلسات الهيئة التأسيسية السنوسي حامد وهلي وخالد أبو بكر وهلي إقرار مشروع الدستور، معتبرين ذلك مخالفاً لمبدأ التوافق مع التبو، وأن الهيئة يستحوذ عليها المكون العربي الذي هيمن على تنظيم أعمالها وقراراتها، بلا أي اعتبار لقرار القوميات الأخرى، وفق بيانهم.

وقال العضوان المقاطعان في بيان، إن ما وضعه الإعلان الدستوري المؤقت من مبدأ اتخاذ قرارات الهيئة التأسيسية وفقاً لمعادلة توافقية صريحة تجمع ما بين الأغلبية والأقليات القومية بحيث لا تهيمن الأغلبية على الأقليات وعبر إصدار الهيئة قراراتها بالثلثين زائد واحد مع وجوب التوافق مع التبو والطوارق والأمازيغ لأن هذه المعادلة هي الشرعية الوحيدة بكل المقاييس لتأسيس دولة ليبيا الجديدة، مؤكدين في ذات الوقت استحواذ المكون العربي على الهيئة التأسيسية وهيمنته على تنظيم أعمالها وآلية إصدار قراراتها من دون أي اعتبار لقرار القوميات الأخرى.

وأكد البيان على «الرفض التام لما يسمى بمسودة مشروع الدستور الذي أصدرته الهيئة التأسيسية في 2017 لمخالفتها نص التوافق مع التبو، باعتبار أن ليبيا بلد متعدد القوميات»، مبيناً بأن التوافق هو الشرعية لبناء ليبيا الديمقراطية.

الطوارق

وأكد ممثلو الطوارق بالهيئة التأسيسية لصياغة الدستور رفضهم للتعديلات التي اجرتها لجنة التوافقات بالهيئة، على مسودة الدستور التي جاءت تحت عنوان «مقترح مسوَّدة توافقية لمشروع الدستور».

وطالبوا في بيان بـ«اتباع الآليات التي أقرها الإعلان الدستوري، لإشراك الجميع والابتعاد عن فرض منطق المغالبة، لأن إنجاز دستور توافقي يجد فيه كل ليبي نفسه خطوة أساسية، تساهم بشكل فعال في انتشال البلاد من حالة الفوضى التي تعمها، وتساهم في تكاتف الجهود من أجل البناء على المشترك، وتبعد شبح الفوضى والتقسيم وتقطع الطريق أمام القوى التي تتربص بوحدة وأمن واستقرار ليبيا».

Email