طهران وواشنطن.. بين الثورة والدولة

الدفاعات الجوية السعودية صدت كافة صواريخ الحوثي الإيرانية ـــ أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

القرار الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتعيين المندوب الأسبق في الأمم المتحدة جون بولتون مستشاراً للأمن القومي لم يكن مفاجئاً بقدر ما هو منسجم مع طبيعة الفريق الذي يعمل الرئيس الأميركي للاعتماد عليه في تنفيذ سياسته، التي بات واضحاً أنها تحفر خندق قطيعة مع سياسة إدارة باراك أوباما، التي اتخذت منهج التراخي في العديد من الملفات الدولية المهمة، وأهمها ملف سياسات إيران، وليس برنامجها النووي فحسب، لذلك سبق لبولتون أن قال في إحدى تغريداته إنه «منذ أكثر من 35 عاماً وإيران تقوم بدور محافظ البنك المركزي العالمي للإرهاب بشقيه الشيعي والسني».

كما سبق له أن دعا إلى تغيير النظام الإيراني، وليس تغيير سياسته فحسب، إذ إن مشكلة هذا النظام مع المنطقة والعالم لا تقتصر على البرنامج النووي وتداعياته الخطرة، إنما هي مشكلة ترتبط ببنيوية نظام الملالي الذي وصل إلى السلطة سنة 1979 على جناح ثورة إيديولوجية، وما زال حتى اللحظة لا يريد أن ينتقل من منطق الثورة إلى منطق الدولة، ومن أهم أسس مرتكزاته وفق هذا المنطق عدم حصر سياسته في إطار حدود دولته، بل العمل وفق منهج تصدير الثورة، وهو الأمر الذي تجري ترجمته على شكل تدخلات تخريبية مدمرة في شؤون الدول الأخرى القريبة والبعيدة.

العلاقات الدولية

ووفق هذا المنهج، رأينا كيف ينشئ النظام الإيراني مخالب له في أكثر منطقة، من لبنان إلى اليمن مروراً بالعراق وسوريا، بل حتى وصلت مخالبه إلى دول إفريقية، مخفياً كل ذلك تحت ستار العلاقات الدولية والمسار الدبلوماسي والدعم المؤسساتي.

كما رأينا كيف استفاد النظام الإيراني من الاجتياح الأميركي للعراق وإسقاط نظامه، حيث ركز على ملء الفراغ من خلال إنشاء ميليشيات طائفية أقوى من الدولة العراقية تتلقى دعمها وتدريبها وأوامرها من الحرس الثوري الإيراني، تماماً مثلما أصبح لبنان رهينة بيد حزب الله الذي أنشأ دولة داخل الدولة، وألقى القبض على قرارها وقرار الحرب والسلم فيها.

ويبدو أن شهر العسل الذي غرق فيه النظام الإيراني بسبب الاتفاق النووي الذي جرى توقيعه في مرحلة رعناء في ظل أوباما، قد شارفت على الانتهاء أو انتهت، إذ إن إدارة ترامب عقدت العزم على التحلل من هذا الاتفاق الذي لم يكبح طموحات إيران وتدخلاتها، بل منحها الفرصة والتمويل لتصعيد عدوانيتها وتقوية مخالبها في غير مكان ومنطقة.

توجس

تعليقات رموز النظام الإيراني تعكس توجسها مما هو قادم وهي تقرأ المشهد الجديد جيداً. فتغييرات ترامب، سواء الإطاحة بوزير الخارجية السابق تيلرسون وتعيين بومبيو، أو تعيين جون بولتون في منصبه الجديد، تؤكد أن ترامب انتهى تماماً من تشكيل إدارة حازمة، وأنه بات جاهزاً تماماً للجم إيران التي تعوق، بل تهدد المصالح الأميركية، وتشكّل هاجساً مريراً للعالم أجمع.

لم يلتزم ترامب بكل شعاراته السياسية التي طرحها خلال الحملة الانتخابية، لكن الشيء الوحيد الذي لم يتغير موقفه إزاءه، قبل الانتخابات وخلالها وبعد تنصيبه، هي طريقة التعاطي مع إيران. ترامب يريد إلغاء الاتفاق النووي الإيراني أو تعديله ليتضمن البرنامج الصاروخي الباليستي لطهران، وليتضمن كذلك وقف تدخلاتها التخريبية في دول المنطقة والعالم.

خطوة متقدمة

ويعتقد مراقبون أن إقالة مكماستر وتعيين جون بولتون خطوة متقدمة في اتجاه ضرب إيران وإزالة خطرها، . لكن أكثر من مسؤول عربي أكد في غير مرة أن كل ما يهم دول المنطقة هو أن تكف إيران عن تدخلاتها، وأن توقف دعمها للميليشيات في أكثر من مكان، وأن تتعامل وفق قاعدة حسن الجوار، بمعنى أن تختار بين أن تكون إما ثورة أو دولة.

Email