العلاقات الأمريكية الروسية في مفترق طرق.. هل يمكن تفادي التصعيد؟

غواصة روسية في البحر الأسود / أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الشهر الماضي عقد المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز أبحاث للسياسة الخارجية، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي لقاءات ضمت مجموعة منتقاة من الخبراء الروس والأمريكيين لبحث بعض الموضوعات ذات الأهمية للعلاقات الأمريكية الروسية.

والخميس نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية تقريراً يلخص ما دار في تلك اللقاءات، أوضح أن العلاقات الأمريكية الروسية في أسوأ حالاتها منذ الحرب الباردة، وأنها ستظل في حالة حراك طوال السنوات المقبلة، وتحمل في طياتها خطراً دائماً بحدوث تصعيد.

فواشنطن وموسكو مختلفتان بشأن قائمة متنامية من التحديات، ومع ذلك فإنّ هناك فرصاً لتواصل انتقائي. وللحيلولة دون أي انجراف نحو وقوع مواجهة، يتعين عليهما جعل علاقاتهما أكثر شفافية وإمكانية للتنبؤ بها- بغض النظر- عن نتيجة الانتخابات الرئاسية.

ويرى الخبراء الأمريكيون والروس أن منطقة شرق البحر المتوسط تظل هي بؤرة التوتر المرجح أن تؤدي لحادث عسكري بين الولايات المتحدة وروسيا. وحتى لا يصل الأمر إلى وقوع مواجهة، يتعين على الدولتين أن تحددا وتناقشا بوضوح مصالحهما في المنطقة، وأن يتحولا باتجاه الدبلوماسية الإقليمية. ويعتبر مؤتمر برلين الأخير الخاص بليبيا سابقة جيدة.

وذكر التقرير أن مصالح روسيا في المنطقة متعددة. فموسكو تعتبر المنطقة الواقعة في جنوبها «نقطة ضعف» ومصدراً محتملاً لعدم الأمان الناجم عن تهديدات من جانب دول أو عناصر ليست بدول. وهي تعتمد على التنقل من وإلى البحر الأسود إلى شرق المتوسط للوصول إلى المحيط الهندي عبر قناة السويس. وهذا التخوّف من التهديد الدفاعي يمتد عبر منطقة شرق المتوسط، التي تعتبرها روسيا امتداداً لحدودها الخاصة بالبحر الأسود.

وعلى الرغم من أن روسيا غائبة عن المنطقة منذ سنوات كثيرة، كان تدخلها عام 2015 لصالح بشار الأسد، الحليف الأخير الباقي لروسيا في المنطقة، عودة إلى سابقة تاريخية وليس شيئاً جديداً من جانبها. وفي سوريا، تحوّل اهتمام موسكو الآن من تأمين البقاء السياسي لبشار الأسد إلى تسهيل ظروف سياسية مستقرة قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية. فالسلام الدائم في سوريا سوف يحقق مكاسب اقتصادية لروسيا، ولكن الأهم من ذلك هو أنه سوف يعزز الوضع الأمني لموسكو، ويؤكد قدرتها على أن تكون بديلاً للولايات المتحدة.

وفي ليبيا، ضمنت مقعداً مهماً على المائدة الدبلوماسية، كما ضمن أن يكون لها رأي بالنسبة للمستقبل السياسي، والاقتصادي، والأمني لليبيا.

وروسيا بتجديدها علاقاتها الاقتصادية والعسكرية في أنحاء المنطقة مثل العلاقات مع مصر وقبرص، تؤثر في خيارات وتحديات سياسات الاتحاد الأوروبي النابعة من شرق المتوسط، مثل تدفقات المهاجرين. ومن الملاحظ أن زيارة أخيرة لموسكو قام بها مسؤول أمني ألماني كبير ركزت على موضوع الهجرة وليس أوكرانيا.

وبالنسبة للولايات المتحدة، يعتبر شرق المتوسط الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، ومركزاً مهماً بصورة متزايدة للطاقة في المنطقة، ونقطة عبور حيوية للتجارة. ومن أجل الاستمرار في الوفاء بالتزاماتها بالنسبة للناتو، تسعى واشنطن للحفاظ على استعداد وفاعلية وضع «الناتو» فيما يتعلق بالردع والدفاع في شرق المتوسط والبحر الأسود. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تسعى لخفض التزاماتها العسكرية في الشرق الأوسط، فإنها تركز على ممارسة ضغط اقتصادي وسياسي كبير ضد إيران، وتسريع الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل. وتريد الولايات المتحدة الاحتفاظ بالنفوذ في المنطقة والقدرة على الوصول إليها، ولكنها لا تعرف بشكل مؤكد كيف تتعامل مع تواجد روسي متزايد فيها وعلاقات ثنائية صعبة بصورة متزايدة مع تركيا.

فسياسة الولايات المتحدة في سوريا تركز على الاحتفاظ بموضع قدم فعلي، لكنه دائم التقلّص من أجل الحد من القوة الإقليمية لإيران، والمساعدة في الدفاع عن إسرائيل، ومواجهة خطر عودة ظهور الإرهاب.

في ليبيا، تريد الولايات المتحدة وقفاً لإطلاق النار ومساراً للمصالحة السياسية. وفي حقيقة الأمر، فإن الولايات المتحدة وروسيا متفقتان في الاهتمام بالحيلولة دون أن يصبح أي طرف مهيمناً في المنطقة، وبتوفير الظروف للنشاط الاقتصادي، وبدعم جهود محاربة الإرهاب لحماية الولايات المتحدة وروسيا.

وخلص التقرير إلى أن الولايات المتحدة وروسيا طرفان مهمان في شرق البحر المتوسط ويتعين عليهما ترتيب إجراء حوار منتظم بشأن الديناميكيات الإقليمية -ليس بالضرورة من أجل حلها-، ولكن لمواصلة تفهم الطابع المتغيّر لهذه الديناميكيات ولتوضيح سياسة ومواقف كل منهما.

Email