بومبيو.. الوزير المتفرّغ للصين

بومبيو خلال زيارة إلى التشيك في أغسطس الماضي/ أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

دبي - حسين جمو

لم يهدأ وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، منذ تفشي فيروس «كورونا» عالمياً مطلع مارس الماضي، وهو يقوم بجولة تلو أخرى، مكرّسة بشكل تام لاحتواء النفوذ الصيني في العالم، ليضع أسساً استراتيجية في الدبلوماسية جاءت متأخرة نسبياً، منذ أن حددت وثيقة الأمن القومي الصين وروسيا خصمين استراتيجيين نهاية عام 2017.

يخلو جدول أعمال الوزير الأمريكي، والمحامي الشهير المتخرج في هارفارد، من أي اهتمام آخر غير الصين. فحين زار الدنمارك وآيسلندا خلال الشهور الماضية، تركزت محادثاته حول منع الصين من ترسيخ نفوذها التجاري في القطب الشمالي، كذلك جولاته بدول البحر المتوسط، تتركز على تقليص خيارات الصين إلى الحد الأدنى في الوجود في أهم ممر تجاري في «العالم القديم». استراتيجية يتم وضع أسسها، لتصبح الصين محور التخطيط الاستراتيجي للولايات المتحدة.

لكن الحلفاء التقليديين لواشنطن لا يتقدمون بالسرعة نفسها تجاه التحدي الصيني، وهذا ما يعرِّض الكيانات التقليدية، مثل حلف شمال الأطلسي، والعلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، للتفكك، في ظل تراجع صناعة القرارات الجماعية لمصلحة القرارات الوطنية بين كل دولة وأخرى.

إلى جانب تجاوزه انتظار القرارات الجماعية للتكتلات التقليدية، اعتمد بومبيو على دبلوماسية سريعة الحركة، مرنة، لا تحتاج إلى ترتيبات ومؤتمرات سنوية، لاتخاذ قرارات فيها، وذلك لتعويض ما فقدته أمريكا خلال فترة عدم اكتفائها بالمراقبة، دون حراك، في نهاية عهد الرئيس السابق باراك أوباما، وحتى نهاية العام الأول من عهد ترامب، يضاف إلى ذلك ضغوط التقدم الذي تحرزه الصين في تقديم نموذجها التنموي البديل، وهو نموذج لا مكان فيه للقيم الليبرالية الغربية، عدا حرية تصدير السلع.

ومنذ وصول دونالد ترامب إلى السلطة، سعى نظيره الصيني، شي جينبينغ، إلى أن يروِّج عن نفسه صورة الزعيم المسؤول، مشجعاً في مؤتمر دافوس على التبادل التجاري الحر، تحت وقع تصفيق ممثلي أوساط الأعمال المتعبين من الحمائية التي يريدها ترامب.

مطلع الشهر الحالي، كان الوزير الأمريكي صارماً: «لن نسمح لهم بعد الآن بفرض رؤيتهم للمستقبل على الغرب». ويحقق وزير الدبلوماسية الأمريكية نجاحات مهمة لإدارة ترامب، ضمن سياسة مواجهة الصين، عبر التحرر من انتظار القرارات الجماعية للحلفاء الغربيين. فبعد ضغوط ومساعٍ أمريكية، منعت السويد، أمس الثلاثاء، المجموعتين الصينيتين «هواوي» و«زد تي إي» من المشاركة في شبكتها المقبلة للجيل الخامس من الاتصالات، معللةً ذلك بالأمن الوطني، لتحذو بذلك حذو بريطانيا، التي كانت أول دولة أوروبية تقدم على هذه الخطوة.

وأقدمت اليابان وأستراليا، حليفتا واشنطن الكبيرتان، على الخطوة نفسها. أما المواقف الأوروبية فتبقى متفاوتة، فيما توصيات المفوضية الأوروبية أعطت الضوء الأخضر بشروط غير ملزمة.

تكتل آسيا

في السياق، يزور بومبيو سريلانكا وجزر المالديف الشهر الجاري، ضمن جهود واشنطن للتصدي لنفوذ الصين المتنامي بالمنطقة.

وفي السنوات الأخيرة، قدمت الصين تمويلاً متزايداً، ومعدات بناء لمشروعات بنية أساسية، على جانب كبير من الأهمية في سريلانكا وجزر المالديف، وهو ما أثار قلق الهند، القوة الإقليمية التقليدية.

وفي الأسبوع الماضي، قال مصدر في الحكومة الهندية إن من المقرر أن يزور بومبيو نيودلهي الشهر الجاري، وكذلك وزير الدفاع مارك إسبر، لإجراء محادثات مع وزير الخارجية سوبرامانيام جايشانكر، ووزير الدفاع راجنات سينغ.

ودشنت الولايات المتحدة تكتلاً جديداً لهذا الغرض، أطلقت عليه اسم «الرباعية»، ويضم الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند، وعقد اجتماعاً لأول مرة في عام 2019 في نيويورك. وتهدف هذه المنصة الدولية غير الفاعلة حتى الآن، إلى مركز لرسم سياسات مشتركة ضد التمدد، واشتباك المصالح الصينية مع مصالح هذه الدول.

وتبدو الهند أكثر تحفظاً حتى الآن في الانخراط ضمن هذه المجموعة غير المتناسقة في مقارباتها تجاه الصين. فبينما تتشاطر أمريكا وأستراليا وجهتي نظر متقاربتين، بخصوص ضرورة التهديد لما تسميانه «التهديد الصيني»، فإن اليابان تتبنى موقفاً أقل هجوماً منهما، فيما تتبنى الهند مقاربة معتدلة، تحافظ على صورتها دولة غير منساقة وراء سياسات خارجية.

أمس، أجرت الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، مناورات بحرية ثلاثية في بحر الصين الجنوبي. وهذه هي خامس عمليات مشتركة هذا العام في منطقة عمليات الأسطول. وجرت المناورات، في وقت كثفت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الدعوات إلى حرية الملاحة في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وسط مخاوف متزايدة من نفوذ الصين المتنامي في المنطقة.

وتصبح أستراليا حليفاً ذا مكانة تزداد أهميتها، طالما بقيت الصين محور الاستراتيجية الأمريكية. ويواجه البلدان تحديات مشتركة أكثر من أي وقت مضى.

وحذر رئيس منظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية من أن التجسس في أستراليا تجاوز المستويات التي كان عليها إبان الحرب الباردة، مشيراً إلى أن قوى أجنبية تقوم بمراقبة مواطنين أو التضييق عليهم. وكان الرئيس السابق لمنظمة الاستخبارات الأمنية الأسترالية، دانكان لويس، حذر السنة الماضية من أن الصين تحاول «السيطرة» على النظام السياسي الأسترالي عبر التجسس.

في يوليو الماضي، أجرى بومبيو تقييماً سريعاً وحاسماً للسنوات التي تلت الانفتاح الأمريكي على الصين، نهاية سبعينيات القرن الماضي. وقال المدير السابق للاستخبارات الأمريكية المركزية (سي آي إيه)، في محاضرة ألقاها بمكتبة نيكسون في كاليفورنيا، إن نيكسون قال ذات مرة، إنه يخشى أن يكون قد خلق وحشاً، بفتح العالم أمام الصين. وأردف الوزير الأمريكي: «وها قد وصلنا إلى هذه المرحلة».

Email