تركيا.. فشل رهانات وانهيار مشروع

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كل ملف وعقب كل تدخّل في شؤون غيرها، تتلقى تركيا الصفعات الواحدة تلو الأخرى بفشل رهاناتها القائمة تأجيج جذوة الصراعات باستغلال كل توتّر من أجل بسط نفوذ أو تحقيق أطماع قديمة جديدة.

الأمر الذي تفطّن له العالم وأعدّ له عدته في إفشال هذه الرهانات سواء عبر التحذير القوي من مغبة تهديد الأمن والاستقرار الإقليميين بل والتهديد الصريح بفرض عقوبات لن تقوى على تحملها حتماً السياسة والاقتصاد التركيان.

لم ترعوِ تركيا برأي مراقبين من فشل رهاناتها في ليبيا، وانهيار مشروعها المرتكز على إرسال المتطرفين والإرهابيين للقتال إلى جوار ميليشيات طرابلس، بما تسهم في استمرار الصراع وتحقيق مآرب ليس بينها ومصلحة الشعب الليبي من روابط، بقدر ارتباطها الوثيق بمصالح ذاتية ضيّقة تهدف لبسط نفوذها على ليبيا ونهب مقدراتها وثرواتها النفطية لإنقاذ اقتصاد يتداعى يوماً بعد آخر.

ويتمظهر هذا التداعي في انهيار العملة الوطنية، فشل الرهان والمشروع التوسّعي في ليبيا بفعل تماسك الداخل الليبي وإصراره على المضي قدماً في طريق التوافق وتغليب طاولة المفاوضات على ساحات المعارك، بعد أن مهّد له المجتمع الدولي الطريق عبر مقرّرات مؤتمر برلين، ومن خلفها إعلان القاهرة، والذي رسم خطاً أحمر في سرت والجفرة لم تقوَ تركيا على الاقتراب منه.

ويشير المراقبون إلى أنّ المجتمع الدولي حاصر المشروع التركي واضح المعالم والأهداف في شرق المتوسط، ووقف سداً منيعاً في وجه المطامع في نهب ثروات الآخرين من الغاز في مياه البحر، مدللين على ذلك بالموقف الأوروبي القوي والمتماسك في الوقوف إلى جوار اليونان وقبرص، والتلويح بسيف العقوبات في وجه أنقرة، فيما الغضب الأمريكي بادٍ على الاستفزازات التركية والسفن التي تمخر عباب البحر للتنقيب عن نفط وغاز في مناطق خارج مياهها الإقليمية.

يقول واقع الحال برأي الكثيرين، إنه ليس هناك من جدوى للممارسات التركية وليس من حل سوى تبني سياسات مغايرة أساسها التعاون والتفاوض، وليس العنتريات ومحاولات فرض الأمر الواقع التي أثبتت فشلها الذريع.

ويرى المراقبون، أنّه ومع اشتعال الصراع واندلاع المعارك في إقليم ناغورني قره باغ أقحمت تركيا نفسها بإرسال متطرفين إلى هناك، الأمر الذي لقي استنكاراً وشجباً عالمياً، في ظل الرهان على وقف إطلاق النار وتثبيت الهدنة.

ويمضي المراقبون إلى القول، إنّ الخيارات تضيق يوماً بعد آخر أمام تركيا، إذ ليس أمامها من خيار سوى التراجع عن مشروعاتها التوسعية وأطماعها في ثروات الآخرين ومحاولة بسط النفوذ في أكثر من مكان، وتبني استراتيجية مغايرة تقوم على احترام سيادة الدول، والكف عن التدخّل في شؤونها بما يعيد إلى المنطقة الاستقرار المنشود، عندها فقط يمكن للعالم أن يثق في تركيا ويمنحها الفرصة لمحو الصورة القاتمة التي رسمتها لنفسها في الأذهان كمهدّد للاستقرار وراعٍ للتوتّرات.

Email