سياسات أردوغان تنصّب تركيا «دولة بلا أصدقاء»

سفن يونانية وفرنسية تجري مناورة عسكرية مشتركة في البحر الأبيض المتوسط | رويترز

ت + ت - الحجم الطبيعي

وقع اتفاق «مصر واليونان» كما الصاعقة على تركيا، وعلى المنطقة برداً وسلاماً، فبعد الخط الأحمر الذي رسمه الجيش المصري في ليبيا والمتمثّل في سرت والجفرة، رسمت القاهرة وأثينا خطاً أحمر آخر في قلب البحر المتوسط هذه المرّة، خطاً يجعل من اتفاق أردوغان - السراج حبراً على ورق بما يحويه من بنود تحافظ للبلدين على حقوقهما، بما يمنع التعديات السافرة لأنقرة في التنقيب عن النفط والغاز في مناطق بعيدة كل البعد عن مياهها الإقليمية.

لقد مثّل الاتفاق المصري اليوناني انتصاراً للقانون الدولي على «قوانين الغاب»، ألجم أنقرة حجراً ووضع حداً لتعدياتها السافرة على حقوق دول المتوسّط، وهو رأي لا تتبناه مصر واليونان فقط بل يحظى بمباركة المجتمع الدولي الذي يراهن على منطقة خالية من التوتّرات يسودها التعاون، فيما الرهان التركي على أمور أخرى تفجير الصراعات والتغوّل على مقدرات الدول الأخرى تحت لافتات الحقوق والسيادة.

تبدو تركيا في ورطة الآن، إذ لم تعد قادرة على المضيّ قدماً في تدخلها في ليبيا ومحاولتها بسط النفوذ على التراب الليبي، لقد أوقف الخط الأحمر المرسوم في سرت والجفرة مشروعها التوسّعي، وشل قدرة مرتزقتها وميليشيات الوفاق على الاقتراب من مناطق النفط التي تراهن عليها أنقرة للخروج من المأزق الاقتصادي الذي تعانيه والمتمظهر في انهيار قياسي وغير مسبوق لعملتها والتي تسبّبت فيه سياسات أردوغان.

تسبّبت التدخّلات في دول الجوار، وإثارة القلاقل والتوتّرات في مجمل المنطقة في جعل تركيا «دولة بلا أصدقاء»، بل تفنّنت في صناعة الأعداء، فمن صراع ممتد مع أرمينيا، إلى تدخّلات عسكرية فجّة في سوريا والعراق، وصولاً إلى عدوان على ليبيا، وعلاقات متوتّرة مع دول الاتحاد الأوروبي، تتضح فصول المأزق التركي الذي يبدو بلا مخرج حتى الآن على الأقل في ظل الإصرار على السير في ذات الطريق المسدود.

وكما الحال في مآزقه الخارجية، يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قلاقل داخلية تسبّب فيها سعيه لتكريس سلطة حزبه وسلطته كذلك كرئيس أوحد لا يُعارض، وانتهاج مبدأ الإقصاء ليس للمعارضين فقط بل لكل من لا يتفق مع رأيه ولو كان من كبار الشخصيات في حزبه، أمرٌ لم يكن من المستغرب أن يؤدي إلى انفضاض الكثيرين من حوله حتى رفقاء دربه لم يجدوا بداً من الفرار وترك حزب الرجل الواحد. وبين ملفات الخارج وتحدّيات الداخل، يبدو أردوغان في مأزق حقيقي بعد أن برع في صنع الأزمات ولا يبدو من أفق سياسي له في أي استحقاق قادم كما يرى الكثيرون.

    [

Email