لماذا تشتري أمريكا محرّكات صواريخ الفضاء الروسية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

الولايات المتحدة الأمريكية دولة فضائية مهمّة ورائدة، لكن اللافت أنها تعتمد منذ أكثر من عشرين سنة على محرّكات صواريخ الفضاء التي تصنعها روسيا، الأمر يثير تساؤلات عن السبب الكامن خلف ذلك، فهل تعجز أمريكا عن صناعة محرّكات صواريخ لمركباتها الفضائية، أم أن أسباباً أخرى تقف خلف هذا التوجّه، في حين تشوب العلاقات بين الدولتين فترات من التوتّر أطول من فترات الهدوء.

ولا يقف الأمر عند المحرّكات، إذ إن الولايات المتحدة أطلقت في 30 مايو الماضي أول رحلة مأهولة إلى الفضاء تنطلق من الأراضي الأمريكية منذ حوالي تسع سنوات. فقد أطلقت شركة «سبيس إكس» الأمريكية الخاصة اثنين من رواد الفضاء الأمريكيين في رحلة إلى محطة الفضاء الدولي، حيث حمل الصاروخ فالكون 9 من مركز كيندي للفضاء رائدي الفضاء الأمريكيين بوب بنكين (49 عاماً)، ودوغ هيرلي (53 عاماً)، إلى المحطة الفضائية الدولية.

ودائماً ما تسبب اعتماد أمريكا على نظام «سويوز» الروسي بجرح للكبرياء الوطني للأمريكيين خلال السنوات التسع الماضية التي كانت خلالها مركبات «سويوز» الفضائية الروسية هي السبيل الوحيد لوصول رواد الفضاء الأمريكيين إلى المحطة الدولية. ولعل هذا كان الدافع وراء وصف نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، المهمة الأمريكية بأنها «مثيرة على نحو استثنائي»، في حين يردد مسؤولون آخرون أن اعتماد أمريكا على المحركات الروسية لا ينتقص من القدرات التقنية للولايات المتحدة.

أفضل وأرخص

الولايات المتحدة أنهت صيامها عن الاعتماد على روسيا في إرسال روادها إلى الفضاء، فهل تستغني عن المحركات الروسية لصواريخها الفضائية؟ مدير وكالة «روس كوسموس» الروسية، دميتري روغوزين يجيب بالقول إن المحركات الروسية هي الأفضل من حيث الجودة والسعر. ويضيف إن الأمريكيين ينتجون محركات صواريخ أقل جودة وفي الوقت نفسه أغلى بكثير من المحركات الروسية. أي أن الأمر يتعلق في أحد جوانبه وإلى حد كبير بالناحية الاقتصادية.

ولذلك يصف روغوزين بيع روسيا محركات صواريخ الفضاء للولايات المتحدة بـ «الصفقة الرابحة للطرفين»، ويشير إلى أن المحركات الروسية وخصوصاً RD-18، أثبتت جدارتها على مر عقود من الزمن، والولايات المتحدة اعتمدت عليها في الكثير من رحلاتها الفضائية.

وكان المدير العام لشركة «إينيرغوماش» الروسية، إيغور أربوزوف، أشار منذ مدة إلى «أن روسيا مستمرة بتسليم الأمريكيين محركات صواريخ الفضاء RD-180 وRD-181، وفقاً لعقود موقّعة، كما نقلت عنه فضائية «روسيا اليوم».

أربوزوف يقول إن الصواريخ الفضائية الأمريكية من نوع «أطلس-3» و«أطلس-5» والتي تعتمد على المحركات الروسية، استخدمت للقيام بـ 85 مهمة فضائية منذ العام 1999، وأن الولايات المتحدة تسلمت أكثر 116 محركاً من روسيا حتى اليوم.

بحث البديل

ويثور نقاش في الولايات المتحدة حول تخلي الولايات المتحدة عن استخدام محركات RD-180 الروسية. واستلمت شركة «يونايتد لانتش الاينس» مؤخّراً أول محرّك من نوع BE-4 من شركة «بلو أوريغين» الذي صنع ليحل محل المحرك RD-180 الروسي، لصواريخ أطلس. لكن مجلة «ناشيونال انترست» الأمريكية أشارت إلى أنه على الرغم من أن القانون يمنع القوات الجوية الأمريكية من استخدام محركات RD-180 الروسية، إلا أنه وفقاً لتوقعات الخبراء، لن يحدث هذا قبل 2024.

ويؤكد فلاديمير يفسييف، الخبير العسكري في معهد رابطة الدول المستقلة، قدرة الولايات المتحدة على صنع محركات صواريخ مماثلة للمحرك الروسي، إلا أنه أشار إلى مسألة أمان هذه المحركات. وقال لصحيفة «فيتشيرنايا موسكفا» الروسية، إن الولايات المتحدة لهذا السبب قلّصت برنامج الرحلات الفضائية المأهولة، إذ إن «إطلاق صاروخ بمحرك غير موثوق به قد يؤدي إلى مقتل الطاقم». ويرى أنه على الرغم من تصريحات الجانب الأمريكي، لا يمكن الحديث عن استقلال قطاع الصواريخ الأمريكي بصورة كاملة عن روسيا.

صواريخ جديدة

ويعمل الخبراء الروس على تطوير نماذج جديدة من صواريخ «أنغارا» الفضائية ومحركات مخصصة لتلك النماذج. المدير العام لشركة «إينيرغوماش» للصناعات الفضائية، إيغور أربوزوف يقول بهذا الصدد:

«لقد وضعت شركتنا خطة لتطوير نماذج جديدة من محركات RD-191M التي ستخصص للنماذج الواعدة الجديدة من الصواريخ التي ستنقل مركبات مأهولة إلى الفضاء، هذه المحركات يجب أن تكون جاهزة حتى عام 2023»، حيث من المقرر أن ينطلق أول صاروخ من نوع أنغارا مزوداً بالمحركات الجديدة إلى الفضاء، ليحمل على متنه مركبة روسية من نوع أوريول في رحلة مأهولة.

محرك هيدروجيني

وقررت مؤسسة «روس كوسموس» تسريع عملية تصنيع المحرك الهيدروجيني لصاروخ النقل الفائق الثقل «Angara-A5V». وأشار بيان المؤسسة إلى أنه «وفقاً لقرارات الاجتماع الذي عقد في مدينة فورونيغ، تم تكليف مكتب تصاميم الأتمتة الكيميائية، بالإسراع في عملية صنع محرك الجيل الجديد التي تعمل بالهيدروجين والميثان، لتستخدم في صواريخ Angara-A5V الثقيلة، على أن تنجز المهمة قبل 2025».

وتجدر الإشارة، إلى أن محركات RD-0150 سوف تستخدم في المرحلة الثالثة لصواريخ Angara-A5V الفائقة الثقل. لأنه بفضل المحرك الهيدروجيني سيتمكن الصاروخ الثقيل من نقل حمولة وزنها 37 طناً إلى المدار الأرضي المنخفض، بدلاً من 20 طناً كما لدى الصاروخ الثقيل Angara-A5.

Email