الصين تعزز حضورها الدولي بالانخراط في مزيد من النزاعات

ت + ت - الحجم الطبيعي

تعزز الصين حضورها الدولي أكثر من أي وقت مضى بانخراطها في نزاعات حول العالم من الوديان النائية في جبال هيملايا مروراً بجزر استوائية صغيرة إلى عواصم غربية تشهد توتراً، مقابل تراجع أمريكي على الساحة الدولية.

ويشكل فرض الصين هذا الأسبوع قانون الأمن القومي المثير للجدل في هونغ كونغ على الرغم من تحذيرات دول غربية عدة، مثالاً إضافياً على تزايد النفوذ الصيني كقوة دولية عظمى.

ويعتبر مراقبون أن المواجهات التي تنخرط فيها بكين تندرج في إطار التوجّه القومي للرئيس الصيني شي جينبينغ لإعادة بلاده التي كان قد تراجع نفوذها إلى مكانتها الطبيعية كقوة مهيمنة والتخلي عن استراتيجيات الدبلوماسية الهادئة التي كانت معتمدة سابقاً.

ويأتي ذلك في توقيت يشهد تباعداً بين الولايات المتحدة وحلفائها بسبب سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولا سيّما مبدأ «أمريكا أولاً» الذي يعتمده، وخلافاً مع الصين التي ينخرط معها في حرب تجارية.

ويقول ستيف تسانغ مدير «معهد الصين» في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن «هناك شعور سائد بأن الوقت قد حان لكي تشغل الصين مكانتها الحقيقية». ويوضح تسانغ أن هذا الأمر يعني تلبية نداء شي لـ«استلال السيف».

نزاعات حول أراضٍ

وتنخرط الصين حالياً في ثلاثة نزاعات حول الحدود وحق السيادة على أراضٍ، كان أعنفها مع الهند، حيث قُتل 20 جندياً هندياً في اشتباك مع قوات صينية في جزء متنازع عليه في منطقة هيملايا الشهر الماضي.

وحمّل كل طرف مسؤولية التصعيد للطرف الآخر، علماً أن الاشتباك بين القوتين النوويتين الجارتين هو الأعنف منذ 45 عاماً، وقد أثار توتراً كبيراً في العلاقات بينهما.

وفي السنوات الأخيرة زادت الصين مطالبتها بالسيادة على غالبية بحر الصين الجنوبي ببناء جزر اصطناعية وإقامة قواعد عسكرية.

وهذا الأسبوع أجرت الصين مناورات عسكرية بحرية قرب جزر باراسيل، الأرخبيل الواقع في بحر الصين الجنوبي والذي تطالب فيتنام وتايوان بالسيادة عليه، ما أجج مزيداً من التوتر.

والخميس أعربت وزارة الدفاع الأمريكيّة عن قلقها إزاء هذه المناورات معتبرة أنها «ستؤدي إلى مزيد من زعزعة الاستقرار» في المنطقة، فيما تقدّمت فيتنام باحتجاج رسمي.

والشهر الماضي أعلنت اليابان أن قاذفات صينية حلّقت فوق جزر مأهولة في بحر الصين الشرقي يتنازع البلدان السيادة عليها، بعد إطلاق طوكيو حملة لتغيير اسمها.

توترات دبلوماسية

وتشهد علاقات الصين مع عدد من الدول الغربية توتراً على خلفية اعتماد بكين تكتيكات دبلوماسية أكثر تشدداً.

وكانت جائحة كوفيد 19 قد وضعت الصين بادئ الأمر في موقف حرج إذ خاضت لأشهر حملة للتصدي لتحميلها مسؤولية تفشي الفيروس الذي ظهر لأول مرة في مدينة ووهان الصينية العام الماضي.

لكن بعدما فشلت دول غربية عدة في السيطرة على تفشي الوباء على أراضيها، انتقلت الصين من موقف الدفاع إلى الهجوم، وكانت استراليا إحدى «ضحاياها».

وكانت أستراليا قد أثارت غضب الصين بإطلاقها دعوة لإجراء تحقيق حول مصدر تفشي الوباء، في مطالبة اعتبرتها بكين محاولة مدعومة أمريكياً لتشوية سمعتها.

وفرضت الصين عقوبات تجارية على سلع أسترالية وأطلقت سلسلة تصريحات نارية، ما دفع كانبيرا لاتّهامها بممارسة ضغوط اقتصادية.

والشهر الماضي وجّهت الصين رسمياً تهمة التجسس لكنديَّين أوقفا لأكثر من عام، وذلك في ما يبدو رداً انتقامياً على توقيف المديرة المالية لمجموعة الاتصالات الصينية العملاقة هواوي مينغ وانتشو في فانكوفر.

وقالت الأستاذة المحاضرة حول السياسات الصينية في جامعة فيينا لينغ لي إن فشل الدول الغربية في احتواء تفشي الفيروس صب في مصلحة الصين.

وقالت لوكالة فرانس برس إن الفوضى التي سادت خارج الصين «ضخّت طاقة متجددة في الحزب الشيوعي الصيني»، وعززت ثقته وشجّعته على «التحرك على نحو أكثر استباقية على كل الجبهات».

وانسحبت هذه الثقة على الانتقادات الموجّهة لسجل الصين في مجال حقوق الإنسان.

واستدعى فرض بكين قانون الأمن القومي في هونغ كونغ ردود فعل من المجتمع الدولي، واعتبرت غالبية الحكومات الغربية أن هذا القانون يقضم الحريات الاستثنائية التي تتمتّع بها المدينة.

وقال مسؤول رفيع هذا الأسبوع إن رد الصين على العالم كان بكل اقتضاب «الأمر ليس من شأنكم».

Email