فرنسا وتركيا.. ملف مرشح للتصعيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن فرنسا تخلت عن سياسة ضبط النفس، تجاه التدخل التركي في ليبيا، بل إنها وصفت هذا التدخّل بـ «اللعبة الخطرة»، كما أعلنت باريس.

ولعل قرار انسحابها رسميّاً من عملية لحلف الناتو في البحر المتوسط، أوضح تعبير عن هذا التخلي عن ضبط النفس. وقد سبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن قال إن النظام التركي يتحمل مسؤولية «تاريخية وإجرامية في الأزمة الليبية»، فضلاً عن وصفه الدور الذي تلعبه تركيا في ليبيا «منافٍ للقوانين الدولية، ولمصالح الأوروبيين ودول المنطقة».

وكان المشاركون في مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا، اتفقوا في يناير الماضي على وقف إطلاق النار، وإطلاق مفاوضات عبر اللجنة «5+5»، لكن الوضع في ليبيا شهد تصعيداً خلال الأشهر الأخيرة، مع تكثيف أنقرة إرسال المرتزقة والأسلحة، لتكثيف القتال ضد الجيش الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر.

مباركة أطلسية

حلف شمال الأطلسي «الناتو»، الذي تتبوأ أنقرة العضوية فيه، بارك بشكل غير مباشر، الخطوة الفرنسية، من خلال قوله «إن قرار المشاركة بعملية (حارس البحر) سيادي»، و«إن الانسحاب الفرنسي من العملية التدريبية المشتركة في البحر المتوسط، لا يمكن التدخل فيه».

فرنسا كانت لاعباً رئيساً في الأزمة الليبية على مدار الأعوام الماضية، بعد إسقاط نظام العقيد معمر القذافي، بتدخل دولي قادته فرنسا. هذا الدور الفرنسي، مرتبط بمصالح استراتيجية تتعلق بالأمن القومي، والمصالح الاقتصادية، والنفوذ الفرنسي في أفريقيا.

وقد بدأ الصوت الفرنسي يرتفع ضد التدخل التركي في يناير الماضي، حين اتهم ماكرون، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بخرق التعهدات التي قطعها على نفسه خلال مؤتمر برلين، من خلال إرسال المرتزقة السوريين إلى ليبيا، للقتال إلى جانب حكومة طرابلس، وإرسال أنقرة سفناً تسليحية إلى الميليشيات هناك.

 

ليس ثنائياً

فرنسا الآن لا تكتفي بجعل الخلاف ثنائياً مع تركيا، وهي تعمل لخلق اصطفاف أوروبي لمواجهة اللعبة التركية «الخطرة» في ليبيا، بما تمثّله من تهديد للمصالح الاستراتيجية الأوروبية ككل، وليس فرنسا فقط، أقلّه وضع غاز ليبيا في أيدي أنقرة.

ليس هذا فحسب، بل إن هناك قلقاً فرنسياً وأوروبياً، من أن تصبح تركيا المتحكم في «مسار الهجرة» عبر البحر الأبيض المتوسط، ما يعني ابتزازاً تركياً إضافياً لأوروبا، مثلما فعلت أنقرة حين استخدمت حدودها مع اليونان، لابتزاز أوروبا في ملف المهاجرين السوريين.

وهناك أيضاً قلق فرنسي وأوروبي، من محاولة تركيا التمدد في أفريقيا، ضمن مساعيها لاستعادة نفوذ الإمبراطورية العثمانية، عبر دعم عناصر ميليشياوية هناك، في حين تعتبر فرنسا أفريقيا ساحة نفوذ رئيسة لها. وانطلاقاً من هذه المخاوف، جاء إعلان فرنسا عن إطلاق تحالف دولي للقضاء على الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، من خلال دعم الجيوش النظامية، وتنمية الساحل الأفريقي.

وفي ظل هذه المعطيات المتصاعدة، يبدو مسار الخلاف الفرنسي التركي، مرشّحاً لمزيد من التصعيد، والتوسّع أوروبياً، إذ إن بقية الدول الأوروبية لا تنقصها أسباب الانزعاج من سياسات تركيا، وبخاصة في ليبيا والمتوسط.

Email