ماي وتاتشر.. تباين في الزعامة وتشابه في السقوط

ت + ت - الحجم الطبيعي

بسبب أوروبا سقطت تيريزا ماي كما سقطت مارغريت تاتشر من زعامة حزب المحافظين، ولكن ماي ليست كتاتشر تاريخياً، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بزعامة تركت بصمة في تاريخ البلاد، وهي ليست كثاتشر على الأقل في الطريقة التي دخلت بها إلى عشرة داونينغ ستريت في يوليو العام 2016، بحسب "بي. بي. سي".

وأيا كانت طموحاتها وبرامجها في رئاسة الوزراء، فإن كلمة واحدة أطاحت بكل ذلك: إنه البريكست.

لقد خيم البريكسيت على الفترة التي تولت فيها ماي منصبها، والتي استمرت نحو 3 سنوات، وبذلت ماي جهدا كبيرا لتحقيق نتيجة الاستفتاء الذي دعا إليه سلفها، ديفيد كاميرون، كما تعرضت خلال هذه الفترة أيضا لانتقادات من كل الأطراف وضربات سياسية من كل الزوايا، تمثلت في استقالات مفاجئة لوزرائها وتمرد برلمانيي حزبها، ولكنها ظلت تتعهد بتفعيل "إرادة" الشعب البريطاني رغم تقلص نفوذها وسيطرتها على البرلمان والحزب.

وربما كان الأمر سيختلف لو أنها فازت في الانتخابات العامة العام 2017 بأغلبية مريحة كما كانت تتوقع، إذ بات عليها أن تعتمد على دعم الحزب الديمقراطي الوحدوي من إيرلندا الشمالية بعد فقدانها الأغلبية التي كانت تتمتع بها في مجلس العموم.

لم تندمل جراح ماي مطلقا جراء تلك الانتخابات، إذ ساد شعور يفيد بأن العديد من النواب يريدونها في موقعها حتى تكمل مهمة البريكست قبل أن يتخلصوا منها لصالح بديل أقدر على كسب أصوات الناخبين، وكان عليها التعهد بالاستقالة قبل الانتخابات المقبلة المقررة في العام 2022 عندما ناضلت للفوز باقتراع بحجب الثقة طرحه نواب حزبها.

ومع اقتراب النهاية، اتهمت ماي العديد من نواب البرلمان بأنهم السبب في الطريق المسدود الذي وصلت له عملية البريكست. ثم عرضت الرحيل من المنصب قائلة لمنتقديها إنها ستتنحى لو دعموا اتفاقها بشأن البريكست.

ووصفها زميل لها في حزب المحافظين بأنها "امرأة صعبة للغاية". وهي الصفة التي اعتبرتها وسام شرف، أما زملاؤها الآخرون من المحافظين فاعتبروها شخصية جافة من الصعب معرفة ما تفكر فيه.

وكانت طريقتها في التركيز في أمر واحد فقط قد رفعتها لقمة حزب يفضل عادة الرجال من خلفيات مميزة.

البداية

ماي ابنة قس "علمها أن تتعامل مع الناس كما هم، وبشكل متكافئ" كما قالت، وقد لقي حتفه في حادث سيارة وعمرها 25 عاما.

ولدت في ايستبورن في ايست ساسكس في الفاتح من أكتوبر 1956 وترعرعت في منطقة ريفية بأوكسفوردشر حيث التحقت بالمدارس الحكومية، وكانت الصغيرة تيريزا مندمجة في حياة القرية.

طموح مبكر

ويتذكر أصدقاؤها من الزمن البعيد تلك الشابة الصغيرة تيريزا الطويلة القامة الأنيقة التي تتحدث عن طموحها في أن تصبح أول رئيسة وزراء في بريطانيا، ومن هواياتها التي مازالت متعلقة بها حضور المسرحيات الموسيقية وتسلق الجبال مع زوجها، فضلا عن الطبخ، إذ تقول إن لديها أكثر من 150 كتاباً في الطبخ.

في العام 1976 أثناء عامها الثالث بجامعة أكسفورد التقت زوجها فيليب الذي يصغرها بعامين والذي كان رئيس اتحاد طلبة الجامعة، وتقول تيريزا وفيليب إن الحب من أول نظرة الذي جمعهما. وقد تزوجا العام 1980.

ويقول أصدقاؤها في تلك الفترة إنها كانت اجتماعية للغاية وتتمتع بحس الدعابة.

وبعد التخرج حاملة شهادة في الجغرافيا بدأت عملها في بنك انجلترا وقد ترقت فيه حتى وصلت لمنصب رئيسة وحدة الشؤون الأوروبية.

في العام 1992 وضعت قدميها للمرة الأولى في مياه السياسة عندما خاضت الانتخابات مملثة لحزب المحافظين في مقعد شمال غرب دورهام، وهو مقعد عمالي في العادة، وقد حصلت على المركز الثاني بفارق كبير، وبعد ذلك بعامين، خاضت انتخابات في دائرة باركينغ شرقي لندن في وقت لم تكن فيه حكومة المحافظين في أحسن حالاتها من حيث الشعبية فحصلت على أقل من ألفي صوت، ولكن حظها كان على وشك التغير.

ففي العام 1997 فازت بمقعد دائرة بيركشر على منافسها ديفيد هاموند الذي صار وزير خزانتها في ما بعد، وقد ظلت تحتفظ بهذا المقعد منذ ذلك الحين، وفي العام 1999 انضمت ماي لحكومة الظل التي شكلها المحافظون بزعامة وليام هيغ كوزيرة تعليم. وفي عام 2009 أصبحت وزيرة العمل والمعاشات في حكومة الظل.

وفي تلك الفترة قادت مبادرة لترشيح المزيد من النساء عن حزب المحافظين.

وزيرة الداخلية

وبعد تحالف حزب الأحرار الديمقراطيين مع المحافظين لتشكيل حكومة العام 2010، وكان أول ائتلاف حكومي منذ 70 عاما، تولت حقيبة الداخلية، وفي الوقت الذي كانت وزارة الداخلية تعد قبلة الموت للعديد من السياسيين في بريطانيا، رفضت ماي أن يحدث لها ذلك، فقد قضت أطول فترة في منصب وزير داخلية في تاريخ بريطانيا الحديث أي نحو 6 سنوات.

ورغم نزعتها الليبرالية في بعض الجوانب مثل موقفها من سلطات التفتيش الممنوحة للشرطة، فإنها اصطدمت مع نائب رئيس الحكومة وزعيم حزب الأحرار الديمقراطيين، نك كليغ، حول خطط زيادة الرقابة على الانترنت لمكافحة الإرهاب.

وقد تراجعت معدلات الجريمة في عهدها كما نجحت في ترحيل أبو قتادة ومنع تسليم قرصان الكمبيوتر البريطاني، غاري ماكينون، للولايات المتحدة.

وخاضت نزاعا مع زميلها مايكل غوف في يونيو العام 2014 حول أفضل طرق مكافحة الإرهاب، وانتهى الأمر باعتذار غوف لرئيس الوزراء ولماي لطرده مستشارا خاصا خدم لفترة طويلة.

وكانت ماي قد أخفقت في تحقيق تعهد حكومتها بخفض معدل الهجرة لـ 100 ألف سنويا، وقد واصلت العمل على تحقيق هذا الهدف بعد توليها رئاسة الحكومة.

وكان قرارها بجعل حياة المهاجرين غير الشرعيين أصعب، عن طريق تقييد حصولهم على العلاج وغيرها من سبل الحياة وتعهدها بتنفيذ "راحل أولا واستمع للاستئناف لاحقا"، أمرا يلاحقها عندما أصبحت رئيسة وزراء.

وكانت فضيحة ويندروش، التي شهدت ترحيل مواطنين من الكومنولث، عاشوا لعقود في بريطانيا، لأنه ليس بحوزتهم الأوراق الصحيحة، قد أطاحت بخليفتها أمبر رود التي عاد لاحقا للحكومة بعد أن ألقى تحقيق في الفضيحة بالمسؤولية على مسؤولين بالوزارة.

رئيسة الوزراء

وفي يوليو العام 2016 أصبحت زعيمة لحزب المحافظين ورئيسة للوزراء دون انتخابات عامة بعد استقالة ديفيد كاميرون.

كانت في الـ 59 من عمرها حينئذ فكانت أكبر رئيس حكومة سنا يدخل داوننغ ستريت منذ جيمس كالاهان العام 1976 وأول رئيس حكومة ليس لديه أبناء منذ تد هيث.

ونادرا ما تحدثت ماي عن حياتها الخاصة رغم أنها كشفت العام 2013 أنها تعاني مرض السكري من النوع الأول، ولابد أن تحصل على جرعة الأنسولين مرتين في اليوم لبقية حياتها، وقالت حينئذ إنها تتعايش مع هذا الأمر مشيرة إلى أنه لا يؤثر على عملها.

وبعد توليها رئاسة الحكومة، قالت إن البلاد بحاجة لانتخابات مبكرة لأنها تحتاج إلى "قيادة قوية" في أعقاب الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي، وكانت استطلاعات الرأي تشير إلى تقدمها بـ 20 نقطة على العمال فرأت أن الفرصة سانحة لتقوية ساعدها في مفاوضات البريكست المقبلة مع بروكسيل.

فوز بطعم الخسارة

كانت واثقة من الفوز فرفضت دعوة جيرمي كوربن زعيم حزب العمال لمناظرة تلفزيونية، وقد جاءت النتيجة بغير ما أرادت.

رغم فوزها حقق العمال انتصارات كبيرة في تلك الانتخابات، التي أعادت الساحة السياسية لعصر الحزبين الكبيرين كما فقدت ماي الأغلبية وبات عليها الاعتماد على دعم الحزب الديمقراطي الوحدوي من ايرلندا الشمالية في مجلس العموم.

كانت ماي مؤيدة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي العام 2016 رغم أنها نادرا ما شوهدت خلال حملة البقاء لدرجة أن الموظفين في داوننيغ ستريت أطلقوا عليها حينئذ "ماي الغواصة" لأنها دأبت على الاختفاء كلما احتاج كاميرون لدعمها علنا لحملة البقاء، وفي الوقت نفسه يراها العديد من النواب المؤيدين للبريكست أنها غير مؤمنة بقضيتهم لذلك بذلت كل جهدها لتبديد شكوكهم.

فقد دأبت ماي على التصريح بأن "البريكست يعني البريكست" وتعهدت بتنفيذ "إرادة" الشعب التي عبر عنها في الاستفتاء.

وقد فعلت المادة 50 من اتفاقية لشبونة في أوائل عام 2018 لتبدأ عامين من التفاوض مع الاتحاد أكدت خلالهما مرارا استعداد بريطانيا للخروج دون اتفاق، قائلة "لا اتفاق خير من اتفاق سيء".

ولكن تعثرت المفاوضات مع بروكسل على خلفية ملف الحدود في ايرلندا الشمالية.

وفي تلك الفترة استقال الوزيران بوريس جونسون وديفيد ديفيس قائلين إن هذا ليس البريكست الذي يريدانه، كما تبخرت أيضا الآمال في التوصل إلى اتفاق تجاري، إذ تتناول المحادثات الآن مهلة انتقالية مدتها 21 شهرا للسماح بمزيد من الوقت للتفاوض.

النهاية

وفي نوفمبر العام 2018 كشفت ماي عن مسودة اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي بشأن البريكست لتفاجئ بسلسلة من الاستقالات من فريقها، وقالت ماي حينئذ إن هذا الاتفاق هو أفضل اتفاق يمكن الحصول عليه، لأنه سيوفر انسحابا منظما من الاتحاد الأوروبي بأقل قدر ممكن من الاضطراب للمواطنين والأعمال التجارية سواء للبريطانيين أو الأوروبيين، ولكن قضية الحدود الايرلندية ظلت حجر عثرة فالاتفاق يحول دون عودة النقاط الحدودية بين ايرلندا الشمالية والجنوبية حتى يتم التوصل إلى اتفاق تجاري في نهاية المرحلة الانتقالية ولكن لا يوجد إطار زمني لهذه العملية.

وقد عارض الحزب الديمقراطي الوحدوي الداعم لماي ما ورد في مسودة الاتفاقية بشأن الحدود في ايرلندا.

وكان على ماي تمرير اتفاقيتها في البرلمان الذي اعترض على الخطة 4 مرات تخللتها محاولة لسحب الثقة منها من نواب حزبها تارة ومن حزب العمال تارة أخرى.

وقد اختلف نواب حزب المحافظين بين من يريد وقف البريكست وإجراء استفتاء ثان ومن يريد بريكست ناعما وأولئك الذين يريدون الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، ولكنهم جميعا اتفقوا على رفض اتفاق تيريزا ماي، وفي هذه الفترة صوت البرلمان برفض الخروج دون اتفاق وهو أمر كانت ماي تصر دائما على بقائه على مائدة التفاوض، وقد اضطرت إلى إجراء تصويت على إرجاء البريكست، وهو أمر كانت تصر على رفضه، وكان عليها الاعتماد على نواب العمال لتمرير هذا المقترح بعد تمرد نواب المحافظين عليها، ثم تعرضت لمزيد من الإذلال عندما وافقت على مشاركة بريطانيا في انتخابات البرلمان الأوروبي، وهو الأمر الذي أشارت سابقا إلى أنه غير مقبول، وأخيرا استسلمت ماي فهي لن تستطيع مواصلة "العمل الذي تحبه" وعليها الرحيل من داونينغ ستريت.

وقالت ماي "لقد بذلت كل جهدي" في بيان استقالتها من منصبها، وهي الاستقالة التي ستكون سارية المفعول من 7 يونيو المقبل.

كلمات دالة:
  • داوننيغ ستريت،
  • أوروبا ،
  • تيريزا ماي،
  • مارغريت ثاتشر
Email