الوريثة الطبيعية لإرث حزب المؤتمر الهندي

بريانكا غاندي تخطف الأضواء

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينظر إليها البعض على أنها الزعيمة المحتملة والوريثة الطبيعية لإرث حزب المؤتمر الهندي، حيث غالباً ما تستحضر طلتها وأسلوبها العفوي والكاريزما التي تتمتع بها جدتها أنديرا غاندي، رئيسة وزراء الهند السابقة، غير أن الحفيدة الأصغر سناً في عائلة نهرو-غاندي، بريانكا غاندي فدرا، بقيت بعيدة عن الأضواء، حتى إعلان شقيقها رئيس حزب المؤتمر، راهول غاندي، أخيراً، أنها ستكون في الخط الأمامي بمواجهة رئيس الوزراء نارندرا مودي، في أكبر ولاية هندية، أتر برديش، والتي تعد بوابة السلطة في نيو دلهي.

يصف بعض أعضاء الحزب، بريانكا، وهي حفيدة ثلاثة رؤساء وزراء سابقين، بما في ذلك رجل الاستقلال جواهر آل نهرو، بمصطلح الـ«براهماسترا»، أو «السلاح النهائي»، لا سيما في الولاية، حيث يحاول الحزب العودة بعد تهميشه من جانب ما بدا قوة مودي الانتخابية الجارفة.

كانت تسير حتى هذه اللحظة بعيداً عن تولي أي دور رسمي، تاركة الأضواء لشقيقها. وبقي عملها السياسي منذ اغتيال والدها راجيف غاندي عام 1991، محدوداً في دائرتي والدتها سونيا وشقيقها راهول، في راي باريلي وأميثي. فهل كانت تلك رغبتها؟

وصفت نفسها في إحدى المرات بـ«المنعزلة»، وقالت في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» خلال الانتخابات العامة عام 1999: «السياسة ليست جاذباً قوياً لي، بل الناس. ويمكنني القيام بأشياء لهم من دون حضوري في السياسة».

كما قالت في عام 2009، نقلاً عن صحيفة "فايننشال تايمز"، إنها طالما اعتقدت خلال سنوات المراهقة بأن السياسة هي كل ما تريد أن تفعله في حياتها على الإطلاق... فقد تربت كفتاة صغيرة في منزل حيث كانت الجدة امرأة قوية للغاية وجسّدت الكثير لعدد كبير من الناس، فكان لذلك تأثير عليها، لكنها غيرت رأيها بعد ذلك، إذ قالت: «أعتقد أن هويتي كانت مشوشة حتى نقطة معينة، وعندما اكتشفت من هي بريانكا في الواقع، هي كذا وكذا، عندها أدركت أن السياسة ليست لي».

قبل عشرة أعوام سافرت إلى سجن في جنوب الهند للاجتماع بالمرأة التي أدينت بالتآمر على قتل أبيها، كانت تلك طريقتها للتصالح مع العنف والفقدان اللذين مرت بهما، وطلبت من الصحف احترام خصوصية ذلك.

لكن أسباباً عديدة كانت تدفعها إلى الأضواء باستمرار، وتجعل الاعتكاف في المنزل خياراً غير ممكن، لا سيما الضعف الذي ألم بحزب المؤتمر الهندي وتراجعه إلى أدنى مستوى تاريخياً عام 2014 على يد حزب مودي، بهاراتيا جاناتا.

وفي أتر برديش تحديداً، حيث فاز جدها وجدتها وأبوها بالانتخابات، وصعدوا إلى رئاسة الوزراء، كان الحزب يلهث للحفاظ على مقعدين أخيراً، وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست»، ومن المتوقع أن يواجه أيضاً تحالفاً سياسياً جديداً لاثنين من السياسيين النافذين.

يقول المحلل بوبي نكفي إن كثيرين ينظرون إليها على أنها الوريث الطبيعي للإرث السياسي للعائلة، وقد سعى بعض قادة المؤتمر للمطالبة بتوليها دوراً نشطاً، لا سيما في أتر برديش حيث ليس للحزب قائد جماهيري، وحيث تحظى بريانكا بدعم كبير ويرتبط بها أعضاء الحزب أكثر من شقيقها راهول، ويشير نكفي إلى أن شعار الاجتماعات الحزبية «استقدموا بريانكا أنقذوا المؤتمر» كان مألوفاً حتى أواخر 2017 عندما تسلم راهول الزعامة رسمياً، لكن والدتها رئيسة وزراء الهند السابقة، سونيا غاندي، هي التي رفضت ذلك.

خطوة خطيرة

خطوة إعلان توليها الحملة الانتخابية في ولاية أتر برديش أخيراً، وُصفت بعالية الخطورة والجرأة في الوقت نفسه، إذ ستضعها في مواجهة مباشرة مع كل من رئيس الوزراء نارندرا مودي ورئيس وزراء الولاية، والراهب المتشدد اليوغي أديتياناث.

وفي تغريدة أخيراً، قال المعلق السياسي شيخار غوبتا: «اختارت المنطقة الأكثر صعوبة على حزب المؤتمر. هذا النوع من الخروج من أجل تحدي المخاطر هو غير معهود في عائلة غاندي».

لكن دخولها المعركة الانتخابية كان، بنظر كثيرين، أمراً لا مفر منه، مسألة وقت ليس إلا، ومن المتوقع أن تبث تلك الخطوة الطاقة في كوادر حزب المؤتمر فيما البلاد تستعد للانتخابات المقبلة في مايو.

تنقل صحيفة «فايننشال تايمز» عن المحلل ميلان فايشناف في مؤسسة كارنغي، قوله: «كانت شخصية غامضة، لكن حضورها الآن وحده يحدث تياراً كهربائياً بين الناس، فحزب المؤتمر هو حزب سلالة عائلية، وأعضاء العائلة هم معبودون، وها هي تلك المعبودة تظهر أمام الملأ للمرة الأولى».

وعلى عكس والدتها سونيا التي تعرضت لهجوم من حزب مودي بسبب أصولها الإيطالية، تنتمي إلى سلالة نهرو-غاندي، وتتمتع بما يكفي من المصداقية لكبح أي شكوك بشأن هويتها.

والأهم أنها تدخل السياسة بعد الفوز الكبير لحزب المؤتمر في ثلاث ولايات كانت لحزب بهاراتيا جاناتا، وبعد أن ثبت راهول غاندي نفسه على سرج الزعامة بعد محاولات إلغائه من قبل وسائل الإعلام والاستخفاف به من قبل حزب بهاراتيا جاناتا وإخضاعه لمقارنات لا تنتهي مع شقيقته، وفقاً لـ«واشنطن بوست».

لمحة تاريخية

حفيدة جواهر آل نهرو، على الرغم من تحليها بإمكانيات زعامة جماهيرية، كانت مخلصة بشدة لراهول عندما تعرض للتوبيخ المتكرر بسبب افتقاره للفطنة السياسية، يقول المطلعون. ولدت في نيودلهي عام 1972، وقضت طفولتها المبكرة مع أهلها وجدتها حيث «تشربت السياسة على مائدة العشاء»، كما تقول.

درست علم النفس في جامعة دلهي، وحصلت على ماجستير في الدراسات البوذية. وبحلول أواخر التسعينات، كانت العائلة تنجذب إلى السياسة بعد إذعان سونيا للضغوط من سياسيي حزب المؤتمر للترشح للبرلمان وقيادة المنظمة المتعثرة.

ظهور بريانكا تحت ظل والدتها أثار التكهنات المتزايدة بشأن دورها السياسي، لكن الشابة تراجعت إلى دورة تأمل لمدة 10 أيام، وفقاً لصحيفة «فايننشال تايمز»، وتوصلت إلى قناعة أنها لا تريد السعي وراء دور سياسي. تزوجت رجل الأعمال روبرت فادرا في عام 1997 في احتفال هندوسي تقليدي، وأنجبت منه طفلين. وأمضت عقدين تربي طفليها في نيودلهي.

وقد تحولت إلى البوذية، وهي من ممارسي التأمل «فيباسانا». يقال إنها قارئة شرهة للأدب الهندي، وقد كتبت الخطابات السياسية الأولى لأمها في دائرتها الانتخابية، أميثي، وساعدت في الإشراف على حملة شقيقها راهول.

الآن سوف تشرف على الحملة الانتخابية في الفناء الداخلي لرئيس وزراء الهند نارندرا مودي. تفيد صحيفة «واشنطن بوست» أن سياسيي المعارضة تجنبوا حتى هذه اللحظة أي نوع من معارك بين الشخصيات مع مودي بعد نجاح أسلوب حملته، كما لو أن الديمقراطية البرلمانية في الهند تعيش النظام الرئاسي الأمريكي.

لكن دخول حفيدة غاندي الآن سيجري تأطيره بمصطلحات «بريانكا» مقابل «مودي». عدا شخصيتها القوية، تتمتع بريانكا بعفوية تجعلها مصدر فرح لأي مصور، وهذا الأمر يحسدها عليه أعتى السياسيين، وفقاً لـ«واشنطن بوست».

أتباع حزب بهاراتيا جاناتا توجهوا إلى»تويتر«، للتقليل من شأن دخولها السياسية، فغرد أحدهم:»كل شيء تمت تجربته، ويلعب الآن المؤتمر ورقته الأخيرة«، وكتب آخر:»تولي بريانكا المسؤولية في أتر برديش سيصب في صالح حزب «بهاراتيا جاناتا» في سياق ثلاثي، حيث إنها يمكن أن تنتزع أصواتاً من تحالف الحزبين «ساماجوادي» و«باهوجان سماج»، لكن ليس من الناخبين الأساسيين لحزب «بهاراتيا جاناتا».

يرى المحللون أن اتهامات الفساد الموجهة ضد زوجها روبرت فادرا بشأن صفقات أراضي، ستشكل سلاح حزب "بهاراتيا جاناتا" ضد بريانكا، على الرغم من أن ذلك لم يترجم إلى تحركات ملموسة طوال فترة حكم مودي.

ويتعرض حزب المؤتمر أيضاً للهجوم بسبب اعتماده على سلالة واحدة، لكن صحيفة «واشنطن بوست» تقلل من شأن ذلك، لأنها لا ترى ثقافة مغايرة داخل حزب "بهاراتيا جاناتا" المليء بالقادة الذين ورثوا السياسة عن آبائهم. وترى الخطورة في بقاء حزب المؤتمر بمقاعد محدودة في أتر برديش بعد الانتخابات، فعندئذ تفيد "لن يكون ممكناً استخدام مصطلح «السلاح النهائي» مجدداً".

Email