سترات فرنسا تفتح باب الاحتمالات الأوروبية

ت + ت - الحجم الطبيعي

استفاق العالم في السابع عشر من نوفمبر على حركة احتجاجية واسعة، حوّلت باريس إلى ميدان مواجهة يمتلئ بالتحصينات والحواجز المُشتعلة ومشاهد شرطة مكافحة الشغب وإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع، وذلك كرد فعل على ارتفاع أسعار الوقود، ما فتح التكهنات حول وضع فرنسا في العام الجديد، وبالأصل حول مستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ومدى قدرته على تجاوز الأزمة.

التطورات اللاحقة لم تؤكد فقط أن فرنسا مقبلة على احتمالات مفتوحة، بل وجاءت عدوى «السترات الصفراء» التي انتشرت في أنحاء القارة الأوروبية لتطلق شتى التكهنات حول أوروبا نفسها؛ إذ يؤكد العديد من المحللين أن القارة التي العجوز لن تعود كما كانت، وأنها على أبواب تغيرات لا يمكن التكهن بوجهتها ومدى اتساعها، وأن «السترات الصفراء» فتحت أمامها باب الاحتمالات على مصراعيه.

من الواضح أن الشارع الاحتجاجي في فرنسا في حراكه الصاخب يؤكد أن عامة الفرنسيين لديهم ما يقولونه بشأن القضايا العامة والمعيشية، ومن المؤكد أنهم ليسوا الأوروبيين الوحيدين في ذلك، في وقت تعاني فيه بلدان القارة من حركة الخروج البريطاني، وتجهد في الحفاظ على الوحدة الأوروبية.

ليس من المتوقع أن يغيب نشاط حركة «السترات الصفراء» بمجرد دخول العام الجديد؛ فيما يصعب بالمقابل توقع أن ينجح الرئيس الفرنسي في إخماد نار الغضب. وحتى لو نجح بذلك في بلاده، فإنه سيواجه الكثير من «السترات الصفراء» في أنحاء القارة، التي يتطلع إلى أن يلعب هو وبلاده دوراً قيادياً في توجيهها. لا سيما في البلدان الهشة منها.

أُطلق اسم «السترات الصفراء» على المحتجين؛ بسبب ارتدائهم سترات عاكسة للضوء، بلون أصفر، كرمز لطلباتهم، فالقانون يُجبر سائقي المراكب، على حيازة هذه السترات، كي يرتدوها في حال تعطلها على جوانب الطرق، حتى يراهم السائقون الآخرون.

بدأت مظاهرات «السترات الصفراء» بعد أن اندمج الارتفاع العالمي لأسعار النفط بزيادة الضرائب المحلية على أسعار السولار، ما دفع سعر المستهلك إلى الارتفاع لمستويات غير مسبوقة.

تُقدم المدن الفرنسية الكبيرة خدمات نقل على مستوى عالٍ، لكن المسافرين اليوميين في المناطق الأخرى يضطرون إلى القيادة مسافات طويلة من أجل الوصول إلى أماكن عملهم.

وتدّعي الحكومة أن معدلات الضريبة المرتفعة المصحوبة برفع أسعار السولار بـ6.5 يورو سنت لليتر الواحد، تأتي ضمن خطّة حكومية لمواءمة أسعاره مع البنزين، من أجل تقليل استهلاكه والحد من التلوث الناجم عنه.

وحول هذه الخطّة أوضح ماكرون «إن أولئك المتذمرين من ارتفاع أسعاره يطالبون أيضاً باتخاذ خطوات ضد تلوث الهواء؛ لأن أطفالهم يمرضون منه».

وقد استفادت حركة «السترات الصفراء»، التي نشأت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من الغضب المتصاعد من شرائح المواطنين الواسعة تجاه ماكرون وأسلوبه في قيادة البلاد، الذي يرونه منحازاً للنخبة الباريسية.

يعتمد أمد هذه الاحتجاجات جزئياً بصمودها أمام محاولات تحويلها إلى حركة أكثر تنظيماً، فـ«السترات الصفراء» ما زالت غير هيكلية ودون قيادة، وهاتان ميزتان قد تمنحان القوة لكن مع نقاط ضعف أيضاً.

وقد يغذي التنافس الداخلي أو الأهداف المتضاربة لأعضاء الحركة إلى انقسامها، الأمر الذي سيحصل أيضاً في حال فقدت قاعدة التأييد الشعبي بسبب الأجزاء التي تدفعها إلى الراديكالية، إذ أن طبيعة مظاهرات «السترات الصفراء»، غير المتبلورة، تضع أمامها عوائق لإجراء مفاوضات مع الحكومة.

ويتلخص التحدي أمام ماكرون بالدفاع المستمر عن المبادئ البيئية، التي قال إنها سبب هذه الضرائب، بالإضافة إلى الحفاظ على صورته كقائد حازم لا يخضع للمظاهرات التي تملأ الشوارع، كما فعل الكثير من أسلافه، في حين يتغلب على السياق الذي يُنظر إليه فيه بأنه لا يستجيب إلى مطالب الناس العاديين.

Email