الانتهازية السياسية جمعته انتخابياً بمتعامل مع «المافيا»

سالفيني رجل إيطاليا الذي يرفع «الشعار الترامبي»

ت + ت - الحجم الطبيعي

التباسات عدة تحيط بسيرة نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية الإيطالي، ماثيو سالفيني، وصعوده السياسي. يراه البعض الرجل الشعبوي القومي الشوفيني المتطرف بطموحات أبعد من إيطاليا، فيما ينظر إليه آخرون على أنه شخصية تتقن اقتناص الفرص غير مثيرة للجدل ضمن التيار السائد، وفقاً لمقاييس اليمين الإيطالي.

وبغض النظر عن تركيبته السياسية، فإن نجم سالفيني، الملقب بالكابتن، كان يصعد سريعاً في الأونة الأخيرة، حيث تمكن في غضون أشهر قليلة من مضاعفة التأييد لحزبه «الرابطة» من نسبة 17% إلى 34%، متصيّداً الأصوات من «حركة الخمس نجوم» الشعبوية التي يشكل حزبه ائتلافاً حكومياً معها، وينظر إلى سالفيني حالياً كالرئيس الفعلي للحكومة بحكم الأمر الواقع، ويقول البرلماني الأوروبي دانيال إيتو: «ما يقوله زعيم حركة خمس نجوم، لويجي دي مايو قد يكون مهماً، لكن ما يقوله ماتيو سالفيني يصنع عناوين الصحف».

منذ توليه منصب وزير الداخلية، كان يشدد على الظهور بمظهر السياسي العازم على محاربة الجريمة المنظمة، باعتبارها من أولوياته، وفي مشهد أخير في محاولات عدة لتحقيق هذا الغرض، اختار تصوير نفسه أخيراً على متن جرافة يهدم منزلاً فخماً في روما بنته مافيا كازامونيكا التي اعتقل 33 من أفرادها في يوليو، مغرداً على توتير: «الكابتن يشغّل الجرافة»!، وكان قد تعهد بمطاردة المجرمين «حارة حارة وشارعاً شارعاً وفيلا فيلا ومتجراً متجراً».

وسبق أن قفز داخل بركة سباحة تمت مصادرتها لأحد زعماء المافيا في توسكانة مظهراً عزمه مكافحة المافيا، وأعلن في وقت لاحق حرباً على شبكات العصابات الإجرامية التي قال إنها تستغل العمال المزارعين الأجانب مستفيدة من الهجرة غير الخاضعة للرقابة.

لكن بقدر ما كان يحاول جاهداً فصل نفسه عن المافيا، رافعاً دعوى تشهير ضد أحد الكتاب البارزين المناهضين للمافيا روبرتو سافيانو، ومهدداً بإلغاء الحماية التي تؤمنها الشرطة له: «لا أسمح لأحد أن يقول أنني أساعد المافيا»، كانت الشائعات تثار حول الدعم الذي قد يكون تلقاه هذا السياسي الصاعد من المافيا الإيطالية في الانتخابات.

اقتناص الفرص

وفيما التقرير المعد من جانب صحيفة «غارديان» البريطانية لا يشير إلى روابط مباشرة لسالفيني مع المنظمة الإجرامية، إلا أنه يفيد بأن فوزه بالانتخابات في منطقة كالابريا في الجنوب الإيطالي، جاء نتيجة لتأييد رجل بماض مضطرب وتاريخ سياسي مظلم، هو جيوسيبي سكوبيليتي، التي تزعم القوى الأمنية بأن لديه روابط وثيقة مع مافيا المخدرات «ندرانجيتا»، وقد اعتقل هذا الأخير بعد أسابيع من انتخابات مارس بتهمة تزوير وثائق عندما كان عمدة وحكم عليه بالسجن خمس سنوات.

ويعتقد بعض المعلقين الأوروبيين أن سالفيني المعروف بجرأته ولسانه السليط من نوع السياسيين الذين يقتنصون الفرص المعروضة أمامهم مع إنكار للمبادئ، ويفيد تقرير «الغارديان» أنه بعد شهر من إعلان سكوبيليتي تأييده له، استفاد سالفيني، وهو من سكان ميلانو، من ميزة في القانون الانتخابي الجديد لإيطاليا، وقرر أن يترشح في كالابريا، على الرغم من جذوره الشمالية والسجل الطويل لحزبه، رابطة الشمال، كحزب إقليمي انفصالي.

خطوته تلك اتصفت بالجرأة، ففي عام 2013، لم يحصد حزبه إلا أربعة أصوات فقط في روزارنو، المعقل الرئيسي لمافيا اندرانجيتا. غير أنه هذه المرة وافق بعد الترشح في كالابريا، على عقد تحالف مع حزب سكوبيليتي، فحصد 50 ألف صوت. وتفيد صحيفة «لا ريبيبليكا»، أنه في 17 مارس حضر تجمعاً في روزارنو للاحتفال بالفوز، حضره أعضاء بارزون في عصابة ندرانجيتا وغيرها.

وإلى ذلك، تنقل «الغارديان» عن الصحافي جيوفاني تيزيان قوله إن الأولوية بالنسبة له كانت الحصول على أكبر قدر من الأصوات، لم يكن مهماً أن كان حليفه منتخباً سابقاً بتأييد من عصابات المافيا كما كشفت التحقيقات، المهم أنه كان يمتاز بشعبية ويعتمد على ألوف المؤيدين.

انتقال سياسي

الإلتباس المحيط بسالفيني يعود إيضاً إلى تاريخه السياسي. كان على اليسار في التسعينات قبل انتقاله لاحقاً إلى أقصى اليمين، حيث يقول المعلقون إنه وجد مثاله في حزب مارين لوبن اليميني المتطرف الفرنسي، الجبهة الوطنية.

وكان تأثير ذلك انتقاله حزبه «رابطة الشمال» الإقليمي من الهجوم على الجنوب الإيطالي، والتركيز بدلاً من ذلك على قضايا الدفاع عن إيطاليا ضد عدو خارجي، سواء أكان الاتحاد الأوروبي أو المهاجرين أو الشركات متعددة الجنسيات أو المصالح المالية، ونتيجة لذلك، ألغى عام 2017 كلمة «الشمال» من اسم الحزب ليصبح «الرابطة» فقط.

الرجل بوجهه المستدير ولحيته الفضية المتلألئة ونظراته الصبيانية يرتدي في معصمه سواراً مطاطاً أحمر اللون لفريق كرة القدم المحبوب في ميلانو، صنع شعبيته بالتركيز على مخاوف الإيطاليين، الاقتصاد وسياسة تعامل أوروبا مع تدفق اللاجئين التي حمّلت إيطاليا وزر الأزمة، طارحاً رسالة قومية جامعة متجذرة بصك شعاره يردد أصداء ترامب «الإيطاليون أولاً».

ومنذ مجيئه إلى السلطة، كان يقود حملة شرسة ضد قوارب إنقاذ المهاجرين في المتوسط مانعاً وصولهم إلى إيطاليا، مطلقاً التصريحات العنصرية ومشعلاً الكراهية ضد الأجانب، وواعداً بإعادة اللاجئين الذين وصلوا إلى شوطئ إيطاليا، وداعماً إجراءات أمنية تم تشبيهها بسياست ألمانيا النازية، وهو ما أثار حفيظة كثيرين لإشعاله نار الغضب لمستويات خطيرة لا سيما بعد وقوع جرائم عنصرية.

لكن هذا الشعبوي الذي يتمتع بمهارات تواصل عالية كان يحقق المزيد من الشعبية مع كل تصريح في استطلاعات الرأي، يعتقد المحللون أنه سيملأ الفراغ الذي يتركه رئيس وزراء إيطاليا الأسبق سيلفيو برلسكوني، الذي كان ينافسه في اطلاق التصريحات العنصرية أخيراً، فيما تتجه إيطالياً أكثر نحو اليمين المتطرف المناهض لليورو والهجرة، بتأثير خطير على سياسة الإتحاد الأوروبي مستقبلاً.

Email