محنة أقلية الروهينغا اختبار أخلاقي لحكم زعيمة المعارضة

السقوط المدوّي لأون سان سو تشي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الوجه الآخر الظالم الذي أظهرته زعيمة المعارضة في ميانمار، أون سان سو تشي، تجاه محنة الروهينغا خيب آمال كثيرين ممن ساندوا نضالها في الغرب من أجل الديمقراطية، إلى حد أن مؤسسات ألغت جوائز التكريم التي قدمتها لها، فيما اتهمها آخرون بخيانة قيمها ومبادئها، داعين إلى سحب جائزة نوبل منها.

كانت قضية الروهينغا الاختبار الأخلاقي لحكمها، فسقطت وتمرغ اسمها في وحول ميانمار، بعد سكوتها عن الفظائع في ولاية راخين ضد الأقلية المسلمة، التي كشف عنها تقرير الأمم المتحدة، مفيداً أنها ترتكب بنية "الإبادة الجماعية".

كانت تبدو بملامحها الدقيقة شخصاً رقيقاً تتصف بحزم كالحديد، فقد أمضت عقداً ونصف في الإقامة الجبرية بسبب نضالها ضد الدكتاتورية العسكرية، وقدمت تضحيات شخصية وعائلية، فتحولت أيقونة للديمقراطية، لكنها الآن، تنكر على آلآخرين الحريات التي زعمتها لنفسها.

تساؤلات كثيرة

أسلوبها في قيادة الأزمة ورفضها التحدث ضد اضطهاد الأقليات طرح تساؤلات كثيرة عما إذا كان الخطاب الذي شاع حولها في غير محله. يقول ديفيد ستاينبرغ في «ذا دبلومات»، إنها أعربت مراراً عن عدم رغبتها في أن تكون أيقونة للديمقراطية، وأنها لم تبتدع تلك الصورة عن نفسها، برغم استخدامها لها بفعالية، وكانت تشدد في المقابل على أنها سياسية بورمية. الآن، وقد دخلت خضم السياسة بتفاصيلها اليومية، ها هو دورها يهدّم كل إرث دولي كانت تحتفظ به، وتبقى مواقفها الصامتة والمهادنة محط تساؤلات بشأن منطلقات مواقفها الإنسانية الجامعة.

وفي تعاملها مع الأزمة، حاولت أون موازنة علاقاتها مع الجيش ومهادنة القوميين البوذيين، وقللت من شأن ما يجري من فظائع. قال بعضهم إنها في شرنقة، لكن ستاينبرغ يرى صورها تزين المتاجر والمنازل في بسط لعبادة الشخصية، فيما تزداد مشاعر التعصب في البلاد.

فمن هي أون سان سو تشي؟ كان والدها مهندس استقلال البلاد، وضابطاً كبيراً في الجيش، وقد اغتيل على يد خصومه السياسيين قبل الاستقلال عام 1947. فتولت والدتها مقعد زوجها في أول حكومة وأصبحت وزيرة للشؤون الاجتماعية.

وقد درست أون سان سو تشي في أكسفورد حيث التقت زوجها الباحث في دراسات التيبت، مايكل اريس، ولديها منه ولدان. عادت إلى بلادها عام 1988، وقادت المعارضة وشكلت حزب العصبة الوطنية من أجل الديمقراطية، وألقت الخطابات بشأن التغيير، قائلة: «كابنة والدي، لم يكن بإمكاني أن أبقى غير مبالية». فوُضعت تحت الإقامة الجبرية، حيث أمضت 21 عاماً تقريباً.

يقال إنها رفضت العنف بتأثير من المهاتما غاندي، داعية قادة الجيش تسليم السلطة إلى حكومة مدنية، بهدف تأسيس مجتمع ديمقراطي حيث بإمكان الجماعات الإثنية التعاون بتناغم.

في عام 1990، بعد فوز حزبها بأغلبية المقاعد البرلمانية أُمرت بمغادرة البلاد والالتحاق بزوجها وولديها، لكنها رفضت لأنه لن يسمح لها بالعودة، ودفعت ثمناً باهظاً على الصعيد الشخصي. ثم جاء الفوز في عام 2015 وعقدت البلاد الآمال على «الأم سو».

تفيد شبكة «سي إن إن» أن زعيمة المعارضة كانت مرتبكة المشاعر تجاه الأقلية المسلمة حتى قبل الأزمة الأخيرة. في 2015 دعاها الدالاي لاما مرتين للتحرك على القضية لكنها قالت له إن الأمور معقدة جداً، ويعتقد أن أي عبارة تطلقها دعماً للروهينغا قد يحشد رد فعل غاضب من القوميين البوذيين والمسؤولين العسكريين.

يقول المحرر جورج موبيوت في صحيفة الغارديان، إنه بالنسبة إلى المعايير التي تم تقديمها كرمز نضالي، بدا المشهد بشعاً. وقد دعتها «واشنطن بوست»: «إلى إعادة قراءة نص خطابها أثناء استلام جائزة نوبل»، وقال أحد وزراء بريطانيا: «كنت أتوقع منها توفير زعامة أخلاقية».

وهي لم تنف الفظائع فحسب، بل أنكرت هوية الأشخاص الذين يتعرضون للهجوم عندما طلبت من السفير الأميركي عدم استخدام عبارة الروهينغا، وأيدت قانون المواطنة لعام 1982. وقد تجنبت الصحافيين زاعمة أن الأزمة تم تشويهها «بجبل جليد هائل من المعلومات المضللة».

تناقض صارخ

يرى البعض سوء فهم لتلك المرأة، وتناقضاً صارخاً مع أون سان سو تشي التي كانت في الإقامة الجبرية تقف على الطاولات وتلقي الخطابات بشأن حقوق الإنسان من وراء بوابة منزلها. يقول الباحث ديفيد ماثيسن: «كانت حيوية ومضحكة ومطلعة وصاحبة مبادئ، وأعتقد أنه من المؤسف أنها لا تفعل ذلك الآن».

تعيش الآن في «دار الملوك» التي بناها المجلس العسكري وسط الطرقات السريعة والفنادق الفخمة. وتصف المحررة بوبي ماكفرسون في «الغارديان» تلك المرأة البالغة 71 عاماً بالحاكمة المنضبطة، وفقاً لعادات تشكلت خلال إقامتها الجبرية، كالاستيقاظ قبل الفجر في منزلها حيث تعيش مع كلبها وحاشية صغيرة من الخادمات، كانت تتناول وجبة الإفطار مع مستشارها السفير السابق كياو تنت سوي، الذي أمضى عقوداً يدافع عن تحركات الطغمة العسكرية، تقول ماكفرسون، وتنقل عن أحد مساعديها، ون هتين، بأنها تأكل القليل جداً: «مثل قطة، ولا تتناول الكربوهيدرات والفواكه والخضار، ولا لحم الخنزير أو الضأن أو البقر، السمك فقط».

يقال إن لديها حب للحرير الفاخر ومشاهدة الأفلام الموسيقية، وتمضي أوقاتها في العمل، تلاحق كل التفاصيل، وتطلب رؤية نسخة عن كل مشروع قانون قبل تقديمه للبرلمان.

تقول ماكفرسون إن من يعرفها يقول إنها توحي بالإخلاص والخوف. وقد وصفت بالجذابة صاحبة الكاريزما، والحادة المستبدة. وتنقل عن أحد الدبلوماسيين قوله إنها: «تشعر داخلياً بالزعامة، ذكية صاحبة بديهة ومضحكة، لكنها تبدو حريصة على أن تكون صانعة القرار الوحيدة»، وهو ما ينفيه تماماً مساعدوها، وقد وصفها موظف كبير في مجال المساعدات إنها تنهر وتتصرف بديكتاتورية في الاجتماعات. ويقال إنها محاطة بثلة صغيرة لا تنقل لها الحقائق الصعبة.

«الليدي»، كما يشار إليها في البلاد كانت قد بنت اتباعاً لها عبر الإثنيات المختلفة خلال جولات باللباس التقليدي المحلي إلى المناطق الحدودية عام 1989، لكن قادة الإثنيات تساءلوا أخيراً بشأن مدى تعاطفها معهم، فحكومتها أسكتت أي تصريحات تدين سوء معاملتهم، تفيد ماكفرسون. قلة من الناس الذين يعرفونها يعتقدون أنها متعصبة، لكن في عام 2015، في تنازل واضح لفصائل عنصرية، منع حزبها المسلمين من الترشح للبرلمان، برغم قولها لمستشارها هتين عام 1988: «إنها ستغير كل شيء، ولن تبالي بأي انتقادات موجهة ضدها».

Email