النظام الرئاسي التركي يهمش المعارضة ويقصي «العدالة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

دشن فوز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الانتخابات الرئاسية، المرحلة الثالثة في المسار الدستوري التركي. فحتى عام 1938، كان مصطفى كمال أتاتورك، الزعيم الأوحد لتركيا، وهو الرئيس الذي يلقي بظلاله على كل المناصب الأخرى، بما في ذلك رئاسة الوزراء. بعد وفاة أتاتورك، أقرت الحكومة التعددية السياسية الحزبية، وهو القانون الذي سمح بتأسيس أحزاب والمنافسة في الانتخابات، بدلاً من تفرد حزب الشعب الجمهوري (حزب أتاتورك) بالسلطة.

وهكذا وصل إلى الحكم «الحزب الديمقراطي»، وسيطر على مفاصل الحكم السياسي لمدة عشر سنوات من 1950 وحتى 1960، حيث انتهى بانقلاب عسكري. بقي النظام السياسي في تركيا على حاله، رغم أربعة انقلابات شهدتها البلاد، حتى وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002.

ربيع تركي

لم تكن فكرة «النظام الرئاسي» جزءاً من الخطاب السياسي لحزب العدالة والتنمية حتى عام 2011، لكن بعد موجة الربيع العربي في المنطقة، دخل هذا المصطلح بقوة في الخطاب السياسي للحزب، كنوع من «الربيع التركي»، على حد وصف مراقبين.

لكن هذه الفكرة تحولت إلى نواة الخطاب السياسي لأردوغان، وباتت محوراً لكافة الخطط المستقبلية، حتى المشاريع الضخمة للبنية التحتية، تم ربطها بشكل أو بآخر بالنظام الرئاسي.

واستغرق الأمر 3 دورات انتخابية، حتى حقق أردوغان خطته بالسيطرة على مفاصل الدولة: يونيو 2015، نوفمبر 2015، يونيو 2018. من غير المتوقع، وفق المعطيات الحالية، أن يظهر طارئ يحول دون استكمال التحول إلى النظام الرئاسي. فالمعارضة التركية تلقت ضربة قوية في الانتخابات، رغم أن حظوظها كانت متقاربة في الفوز، لو أن الانتخابات الرئاسية لم تحسم من الجولة الأولى.

وما يزيد من قتامة المستقبل التركي بالنسبة للمعارضة، أن النظام الرئاسي التهم كل صلاحيات «رئيس الوزراء»، الذي لم يعد موجوداً في النظام الجديد، كما فقد البرلمان الكثير من صلاحياته في إقرار التشريعات والقوانين.

لكن هناك معضلة ستواجه حزب العدالة والتنمية.

فخلال السنوات الثلاث الماضية، منذ استقالة أحمد داوود أوغلو، فقد الحزب هيئة «المؤسسة الجماعية»، وبات شيئاً فشيئاً تابعاً لأردوغان، وليس العكس.

هذا الوضع انعكس حتى على التحول للنظام الرئاسي، الذي يعني أيضاً إضعاف حزب العدالة والتنمية نفسه، وتقوية رجل واحد منتمٍ للحزب. وهذا الوضع المقلوب، لن يتحول إلى تنافر بين «الحزب البرلماني» و«الرئيس الحزبي»، لكن قد تنعكس على تآكل القاعدة الانتخابية لهذا التيار السياسي.

وبالفعل، فإن أصوات حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية السابقة، انخفضت بنسبة 7 في المئة، مقارنة بانتخابات يونيو 2015، وقد يستمر هذا التراجع ضمن سيناريو غير مستبعد تتداوله الأوساط التركية، أي أن تفصل نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، بعد خمس سنوات، بين أردوغان وحزب العدالة، بأن ينجح الرئيس التركي في تجديد ولايته خمس سنوات أخرى، فيما يفقد حزب العدالة تصدره الأصوات الانتخابية لأول مرة منذ عام 2002.

Email