وصول 30 ألف مهاجر إلى أميركا في عام 2015 عن طريق الحدود الجنوبية

تهريب البشر تجارة أرواح

يسلك مهربو البشر طرقاً برية وبحرية في رحلة إيصال المهاجرين إلى أميركا | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

 لمشاهدة ملف "تهريب البشر" بصيغة الــ pdf اضغط هنا

 

يصلون على شكل صناديق، ويهاتف عنصر الاتصال المدعوة، بدونا كاتيا، ويقول: «لدي ستة صناديق تصلك الثلاثاء المقبل». وتُفهم الرسالة. فالتّكتم مطلوب في تجارة نقل البشر لا شرعياً عبر الحدود الدولية.

وتبدو كلمة صناديق قاسية بالنسبة إلى كاتي التي تفضل التحدث عن العنصر البشري في عمليات التهريب. لذا فإنها تسمي الهنود والإريتريين والبنغال والهايتيين الذين تجمعهم على الحدود حيث تلتقي باناما بكوستا ريكا، بـ «الصيصان».

تحتضن باسو كونساس، المدينة الحدودية المهترئة المواجهة لباناما، 14 مهرباً آخر على الأقل، يطلق عليهم أحياناً اسم الذئاب البرية، ويتنافسون على تجارة المهاجرين. ويتبين وفق حسابات كاتيا، وهي أم لولدين أنها قد هرّبت بين 500 و600 شخص عبر أميركا الوسطى على مدى العامين ونصف السابقين. وهي تعرف الزبائن المتعاملين ليس بالاسم، بل بالوجه الذي يطالعها برسائل نصية على هاتفها يرسلها مهرّب آخر يستعد لتسليمهم: رجال سمر البشرة وبضع نساء في مجمعات رثة خارج مراكز الصيرفة، حيث اقترضوا أموالاً من قريب ما لتغطية نفقات المرحلة المقبلة من السفر. يذكر أن الرحلة من جنوب آسيا قد تكلف حوالي 10 آلاف دولار أميركي أو تصل إلى ثلاثة أضعاف ذلك.

معضلة الحدود

ويبدو أن مسألة الحدود من حول العالم تطرح بقوة مجدداً. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب قد وصل لمنصب الرئاسة على جناح وعود ببناء جدار فاصل. أما بريطانيا فارتدّت عن الاتحاد الأوروبي والأجانب الأغراب الذين أجبرت على إدخالهم. إلا أن الأمور لا تزال تسير كالمعتاد من خلف الواجهة.

ولم تفقد القوى التي تجبر الناس على مغادرة ما يسميه ترامب «الدول البائسة» لتحصيل أجور أعلى، وإرسال المال بدلاً من تلقيه، أياً من قوتها الجامحة. ففي عام 2015، كان واحد من كل 30 شخصاً يعيش في بلد غير مكان الولادة، أو كان في طريقه إليه. ويساوي هذا الرقم قرابة ربع مليار شخص.

إنهم يختارون الرحيل، فالغالبية العظمى من المهاجرين لا يتم الاتجار بهم، وغالبيتهم من غير الهاربين من الحرب. أكثر من تسعة أشخاص من أصل عشرة يقومون بالسلب عبر الحدود الدولية، و93 في المئة منهم وفق المنظمة العالمية للهجرة قتّر على نفسه أو اقترض المال ليهاجر. وتشير المنظمة إلى أن المهربين يجمعون 35 مليار دولار في العام لتسهيل رحلة ملحمية، جريمة وخدمة في آن معاً.

رحلات محفوفة بالمخاطر بحثاً عن واقع أفضل | أرشيفية

 

وقائع التهريب

إنه عمل يسير وفق قواعد. وتقدم كاتيا لمحة نادرة حول كيفية سير الأمور، وتفصل حيثيات عمليات التهريب بدءاً من الرشى المتوقعة لدى نقاط تفتيش الشرطة في نيكاراغوا وصولاً إلى الربح الشهري المتواضع المفاجئ الذي تكسبه من عمل يفترض الدخلاء أنه جزء من تجارة مربحة جداً تسيطر عليها عصابات مجرمة.

«أعتقد أنها مسألة تناضح عالمية بالجوهر» يقول ريتانو، نائب مدير المبادرة العالمية لمناهضة الجريمة المنظمة عبر الدول الذي يعتبر الظاهرة طبيعية أكثر منها عدوانية. ويضيف: «يتحرك الناس عبر حدود شبه نافذة، وينتقلون من أماكن فقيرة إلى أخرى غنية، إلى أن يغزوا النظام، ويجعلوه أقل ثراءً قبل أن ينتقلوا لمكان آخر، وهكذا دواليك إلى أن يصبح الجميع سواسية».

وقد عملت الحجة القائلة إن الولايات المتحدة مستحوذ عليها وأنها تغدو أقل ثروة بسبب المهاجرين على مساعدة ترامب على الوصول للسلطة. لكنها حجة لا تصمد أمام التفحص والتدقيق، إذ تشير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن المهاجرين يساهمون في الضرائب أكثر مما يستفيدون من التقديمات.

إلا أن للعواطف تأثيرها القوي في عالم السياسة، وأجور الطبقة العاملة في الولايات المتحدة عانت ركوداً أو ساءت منذ أصبحت الشركات تتمتع بحرية أكبر في نقل العمليات إلى دول حيث العمالة أقل كلفة، وكمبدأ أساسي للعولمة. ويكمن النصف الآخر من المعادلة في تجاهل العمالة للحدود كذلك.

تجارة ضخمة

الرحلة مشحونة روتينية ومغيرة لمسار الحياة. قبل خمس سنوات فقط لم يسلك سوى بضعة مهاجرين الطريق إلى الولايات المتحدة عن طريق أميركا الجنوبية، لكن الرقم ارتفع عام 2015 إلى ما يقارب 30 ألف شخص وفقاً لحكومة كولومبيا التي اتخذت التدابير لتنظيم الرحلات.

وعلق ويلبيرتو بينيالوزا، أحد المواطنين المحليين على ظاهرة المهاجرين بالقول: «كان هناك العديد منهم، وكانوا يضعون أساور بمختلف الألوان». التهريب تجارة ضخمة هناك، والذئاب البرية تنسق فيما بينها للحفاظ على التحرك السلس لـ «خطوط التهريب»، وقد نجحت قبل عام في شق طريق جديد على مسافة آمنة شمالي خطوط تجار الممنوعات.

لكن الطريقان يمران عبر برزخ دارين تلك الأدغال معدومة الطرقات التي تفصل أميركا الوسطى عن الجنوبية. ويستغرق اجتيازها مدة تصل لأسبوع عبر الممرات الموحلة فوق المنحدرات القاسية والأنهر المتعرجة في سلسلة مخاطر تشمل الأفاعي واللصوص والإعادة من بنما إلى كابورجونا، حيث ينتظر المتأملون التحويلات المالية للمحاولة من جديد. ويقول مهرب سابق من كابورجونا معروف بالحصان: «إن رؤية كل هؤلاء المهاجرين تعني رؤية المال».

وقد بنى منزلاً من أرباح النفقات التي كان يتقاضاها من المهاجرين، والتي تتراوح بين 40 و70 دولاراً لعبور الأدغال. ويضيف: «لدى الجميع هذا الحلم الأميركي. إنه أشبه بصداع لا يزول حتى يحصلوا على ما يبحثون عنه».

 

حكايات المهاجرين.. مآسٍ تفطر القلوب

تقبع كابورجونا كما «الهجرة غير المنتظمة» ذاتها في منطقة الغسق ما بين القوانين المنصوصة والواقع المعاش. يكالو جبركريستوس بدأ رحلته من الخرطوم، عاصمة السودان التي تعجّ بالأجانب الفارين من دول أخرى في القرن الأفريقي، بما في ذلك إريتريا، بلده الأم. يتقاضى فاسدون الرشى من المهاجرين يومياً، لكن يكالو اختار أن يوظف ماله في نوع من الفساد الذي يخدمه، إذ استقل واحدة من السيارات حديثة الطراز، التي تشكل رديفاً لمكاتب وكالات السفر السرية.

وهناك علم أن سعر جواز السفر السوداني يبلغ ثلاثة آلاف دولار، ثم تذكرة السفر إلى عاصمة الإكوادور، كيتو. عموماً إن مبلغ الـ15 ألف دولار الذي أنفقه وصله من أقارب لا يدين لهم بالمال فقط، بل بحياته ربما. وهنا يشرح جبركريستوس الموقف بالقول: «إن كانت لديك عائلة طيبة، تذهب إلى أميركا، وإن لم يكن لديك، تغادر عبر المتوسط»، والأخير يعتبر طريق عبور إلى أوروبا، تمر بليبيا، حيث يتعرض المهاجرون روتينياً للاستعباد والاستغلال لأشهر، قبل أن يحظوا بمكان لهم على مراكب الخطر.

مهاجرون أفارقة يتسلقون جداراً على الحدود الإسبانية | أرشيفية

 

4 محاولات

لكن السفر عبر الأميركتين ليس بالأمر السهل كذلك. وقد روى أحد المهاجرين من الإكوادور قصة محاولاته الفرار أربع مرات فاشلة، حيث وصلت المبالغ التي دفعها 300، 200، 150، و200 دولار أميركي على التوالي.

وكان على وشك تجربة حظه مع ذئب بري آخر. ويقول: «حين تكون الأمور قانونية، يمكنك النظر في التفاصيل، لكن حين تكون غير شرعية، فإنها مخاطرة عليك خوضها».

وتتجه الأمور نحو مزيد من الصعوبات. كمال حسين، مهاجر بنغالي عثر عليه فريق مجلة «تايم» الأميركية في أحد المنتجعات المهجورة يكسر حبة جوز الهند بسكين مهترئ ليقتات. وكان أعيد قبل ثلاثة أسابيع من بنما بعد أن سرق اللصوص ماله وهاتفه.

وبدلاً من السماح لحسين متابعة طريقه شمالاً، كما كان يحصل قبل عام، أقدمت سلطات بنما على احتجازه مدة 14 يوماً، وإعادته إلى كولومبيا. البلاد تعج بالمهاجرين المتجهين شمالاً. ويؤكد خافيير روداس، من مكتب الهجرة في بنما قائلاً: «نستقبل 300 أو 500 مهاجر في اليوم، لدينا مساحة صغيرة لا تكف عن الاكتظاظ».

ارتفاع أسعار

وارتفعت الأسعار بالتزامن مع تزايد المخاوف على جهتي برزخ دارين. وتشير كاتيا إلى أن رحلة العبور من كولومبيا إلى كوستاريكا تبلغ 1900 دولار، ومن كوستاريكا شمالاً إلى المكسيك 2300 دولار إضافية. وتؤكد أن الربح الذي تحققه من كل مهاجر لا يتعدى مبلغ 120 دولاراً من أصل 400 دولار تفرضها كتكلفة الرحلة إلى كوستاريكا. علماً أن وجهة نيكاراغوا تكلف 800 دولار وهندوراس 700 دولار وتستنزف كمبالغ للسائقين، والطعام والمأوى والرشى.

Email