حلّ حروب.. الغذاء والماء

ت + ت - الحجم الطبيعي

ساهم انخفاض إمكانية الوصول للغذاء والماء وفقاً للدراسات في إثارة البلبلة الاجتماعية والاضطرابات السياسية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط خلال أحداث ما سُمي بالربيع العربي. ويبين عدد من الكتابات أنه على الرغم من أن ضعف الوصول إلى الموارد الطبيعية الرئيسية ليس سبباً رئيساً للنزاع لكنه يرفع مستوى التهديد الذي قد يشعل فتيل الصراع داخل الدول أو فيما بينها.

ويكاد الأكاديميون والمحللون الاستراتيجيون وصناع القرار يجمعون على الرابط بين أمن الموارد والصراعات. وعادةً ما ينظر إلى العوامل السياسية الاجتماعية غير المستقرة على أنها السبب الأساسي للصراع. ويمكن بالتالي القول إن المناطق المعرضة التي تجتمع فيها اضطرابات سياسية سابقة، معطوفةً على تضاؤل وفرة الغذاء والماء تصبح عرضةً على وجه الخصوص لاندلاع الصراع.

ولعل الضغوط المتولدة عن التغير المناخي لن تكون متناسقة أو متوقعة ومتبدلة جغرافياً وزمنياً. لكن لحسن الحظ، فإن التطورات الطارئة على تقنيات متحسسات الأقمار الصناعية المتحكمة عن بُعد تقدم لوكالات الاستخبارات قدرات متقدمة لتوقع أحداث الأرصاد الجوية والإعداد لها وتنبيه السياسيين على المديين القريب والبعيد.

يمكن لندرة الموارد الطبيعية أن تفاقم الاضطرابات وحدة الصراعات عبر نمطين، أولهما النزاعات بين الدول التي غالباً ما تكون على المياه والحدود، والثانية محلية تعتمد بجانب كبير منها على توفر المصادر بغض النظر عن التحركات المباشرة للأطراف الخارجية.

وفي حين يمكن حل الأول إما دبلوماسياً أو بالقوة، فإن ندرة الموارد داخل الدول لا بد من حلّها بشكل مستدام عبر التحول التدريجي للتخصص الاقتصادي أو التجارة الدولية. ويعتقد العالم السياسي والبيئي هومر ديكسون أن الصراعات بين الدول لا تندلع في الغالب بسبب شح الموارد الطبيعية خلافاً للنزاعات داخل الدول.

لذا تنزع الوكالات الاستخبارية أكثر إلى توقع ضعف الدولة والحروب الأهلية وزيادة الاستبداد والهجرة بنتيجة نقص الموارد وليس النزاع على مصادر المياه المشتركة بين الدول المتنافسة.

وقد حدثت بين نوفمبر 1964 ومايو 1967 سلسلة من المواجهات على طول الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة مع لبنان وسوريا، في منطقة غنية بالموارد المائية. وتواصلت المناوشات التي عرفت بـ«الحرب على المياه» منذ عام 1948. وشكلت حركات التجسس أداةً حيوية للدول الراغبة بتحصيل مكاسب استراتيجية في السيطرة على الموارد، مما قاد على سبيل المثال إلى حرب الأيام الستة بين العرب وإسرائيل.

ولجأت وكالات الاستخبارات في الإعداد للحرب لمختلف التكتيكات لجمع المعلومات حول التوزع الجغرافي للسكان واستخدام مصادر المياه تلك. وحصلت الاستخبارات الإسرائيلية وفق الكاتبين إيان بلاك وبيني موريس على كم هائل من البيانات عبر صور الأقمار الصناعية. وزودت صور الاستخبارات للاستطلاعات الجوية السياسيين بالمواقع المحددة والأهداف الرئيسية والنقاط المهمة.

التوترات المتعلقة بشح الموارد داخل حدود الدولة يمكنها إيجاد اضطرابات اجتماعية تصل في حدودها القصوى للنزاع. وتقع مسؤولية استقاء المعلومات حول الأمن الغذائي والمائي على الهيئات المعنية بإدارة مثل تلك الموارد بدلاً من وكالات الاستخبارات مباشرةً.

لذلك ينبغي التعويل على الهيئات المتخصصة بمجالات الزراعة والمحيطات والبيئة والأحوال الجوية لجمع المعلومات، كما يمكن الاستعانة بهيئات إدارة المخاطر في حال حدوث أزمات بيئية قصيرة المدى.

كما ساعد نجاح الأقمار الصناعية المناخية لوكالة «ناسا» في إطلاق عجلة تطور أقمار مراقبة أكثر تعقيداً، مما أتاح لوكالات الاستخبارات إدارة التنبؤ بالمشكلات والكشف أحياناً عن أسباب شح الموارد الطبيعية، وسمح للعلماء بتطوير أجهزة إنذار تتوقع بدقة أكبر الأوضاع المناخية القاسية، وبالمقابل تخولنا توقع حالات الاضطراب الناتجة عن عدم توفر الغذاء والماء.

تمنح الأقمار الاصطناعية الجديدة للاستشعار عن بُعد قدرة توقع وتأكيد معدلات التبخر والمياه الجوفية والجريان في منطقة محددة. ناهيك عن أن المعلومات الحديثة تتيح إطلاق المزيد من منتجات الاستخبارات الجغرافية المكانية الواضحة والتفاعلية، مما يسمح بتحديد المضمون والتغيرات عبر تواريخ متعددة، ومن جهة أخرى، فهم وتوقع الأحداث المرتبطة بأمن الموارد بشكل أفضل.

700.000.000

تبنت الأمم المتحدة في ديسمبر 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقر بحق البشر عالمياً بالحصول على الغذاء، وفي يوليو 2010 تبنت القرار رقم 64/292 الذي أقر بحق الإنسان في الحصول على المياه أيضاً. وفي حين يحتل الغذاء والماء أهميةً حيويةً لأمن الأمم، يفتقر 700 مليون شخص إمكانية الوصول الكافي لهذين المصدرين الأساسيين.

ويتوقع على نحو مثير للقلق أن يمعن التغير المناخي المتولد بشرياً في تقويض أمن البشر أكثر عبر تقليص كمية الغذاء والماء المتوفرين في بعض المساحات الجغرافية.

ويحتل توقع المزيد من تصعيد حالات التوتر حيزاً من الأهمية لوكالات الاستخبارات في إطار سعيها لتحضير صناع القرار السياسي لتفادي تلك المخاطر أو التخفيف منها.

كما تواصل الأبحاث الجديدة التـــركيز على التقاطع القائم بين النـــدرة البيـــئية والصــراع، لــكن صناع القرار السياسيين والعاملين في مجال الاستخبارات يسعون لإيجاد الحلول لتلك التحديات مع تفاقمها على امتداد العقود المقبلة في ظل تغير المناخ.

ديناميكيات

في الستينيات طرح علماء مختبر ديناميكيات السوائل الجيوفيزيائية طريقة جديدة لفهم المناخ الكوني للأرض، فشهد علماء المناخ باستخدام حواسيب الجيل الثالث العلاقات القائمة بين الغلاف الجوي والمحيط والمناخ. والنماذج المتوفرة تعتبر بدائية مقارنة بالحاضر.

التخطيط الواعي

يعكس شح الموارد الغذائية والمائية مخاطر أمنية على الدول، وتؤثر الأوضاع المناخية المعاكسة كالقحط والفيضانات على الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي. ويشكل انقلاب بوركينا فاسو عام 1980 خير شاهد.

ويمكن لغياب التخطيط الواعي لحالات الجفاف أو الفيضان أن يخلف نتائج كارثية على استقرار الدولة الداخلي. وقد شكل انقلاب بوركينا فاسو درساً مهماً لعلماء المناخ والأرصاد الجوية والهيئات الحكومية الساعية لتقديم أفضل التصورات الممكنة حول ندرة المياه أو فيض منسوب هطول المطر.

ولحسن الحظ، تمكن التطورات التقنية الهائلة اليوم العلماء من توقع فترات انعدام الأمن الناجم عن الموارد بشكل أفضل. ويؤسس تطور تكنولوجيا الأقمار الصناعية حجر الزاوية في ثورة الجغرافيا المكانية.

 

 

Email