مدن المستقبل تحمل مفتاح الصحة في القرن 21

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك تصور عام مفاده أنه إذا التقطت عدوى الكوليرا، فإن حظك عاثر، أما إذا أصبت بمرض السكري، فإن ذلك ذنبك. وهناك خطأ وخطورة في وجهة النظر تلك، يقول توم فريدن، المدير السابق لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية في الولايات المتحدة، والمشرف على المبادرة الصحية العالمية «ريزولف»، للوقاية من النوبات القلبية والسكتات الدماغية والمساعدة على الإعداد للأوبئة والاستجابة لها.

ويقول فريدن إن الأمراض غير السارية، بما في ذلك أمراض القلب والسرطان والسكري، والإصابات الناجمة عن حوادث المرور وغيرها، تقتل 44 مليون شخص سنوياً في جميع أنحاء العالم، ومع ذلك، يصعب الحصول على التمويل اللازم لمعالجتها، وهي تقتل في الواقع عدداً أكبر من الناس مما تفعل الأمراض المعدية مثل الإيدز والسل أو الملاريا، مسببة ثلثي الوفيات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، فيما يخصص لمعالجتها أقل من 1% من مجموع المساعدات الإنمائية المقدمة للصحة.

الشراكات بين المدن

ويؤكد فريدن أهمية الشراكات بين المدن الصحية لخفض الأمراض المزمنة والإصابات، في سياسات يقول إنها أثبتت قدرتها على تحسين الأوضاع الصحية والاقتصادية على حد سواء.

وفي مقابل الحجج التي تساق بأنه على الأفراد تحمل مسؤولية صحتهم، ولا يتوقعون من الحكومات الحماية، يعرب فريدن عن اعتقاده بأن الأفراد والحكومات يتقاسمون المسؤولية.

ويعطي مثالاً على ذلك بالقول إنه في الوقت الذي ينبغي أن ينظر المرء في الاتجاهين قبل عبور الشارع، فإنه ينبغي أيضاً أن يكون قادراً على التنبؤ بشكل معقول عما سيحدث له عند عبور الشارع، وألا يتعرض للدهس من قبل سائق في حالة سكر أو سائق مشتت الذهن.

كما أنه في الوقت الذي يدرك المرء تماماً أن مياه الشرب أفضل لصحته من تناول الصودا، فإنه من المرجح أن يشرب الصودا بدرجة أقل، عند مقارنة تكلفة المياه المعبأة مع الصودا في السوبر ماركت.

ويؤكد فريدن أن التحدي يكمن في جعل الاختيار الصحي هو الخيار السهل، وفيما هذا النوع من التغيير يمكن أن يكون بطيئاً ومحفوفاً بالمخاطر من الناحية السياسية، فإن الشراكة بين البلديات تهدف إلى التحفيز على العمل، بالاتفاق على تطبيق تدخلات سياسية أظهرت نجاعتها، مثل حظر إعلانات التدخين، تشييد شوارع للمشاة، أو الحد من وفيات حوادث الطرقات عبر تخفيض حدود السرعة.

وتكمن أهمية الشراكات وفقاً لفريدن في أن للبلديات إمكانية الوصول إلى رؤساء بلديات آخرين في الشبكة للتعلم من نجاحاتهم، والوقوف معاً لصد المصالح الخاصة التي ستبرز ضدهم حتماً

. فرؤساء البلديات برأيه يتمتعون بوضع فريد لقيادة الطريق لمحاربة الأمراض غير السارية والإصابات، إذ إنه للمرة الأولى في التاريخ، يعيش معظم الناس في مدن، فيما تطورت المدن الحديثة لتصبح مراكز للابتكار.

ويشير الكاتب إلى تجارب صحية مضت بها مدن، مثل بوغوتا في كولومبيا التي تحولت إلى مدينة صديقة للمشاة وراكبي الدراجات الهوائية، ومدينة أديس أبابا في أثيوبيا التي كانت تحمي المشاة من خلال الحد من حدود السرعة، وتحسين تصميم الطرقات، ومعاقبة الذين يخالفون قوانين السير، ومدينة نيويورك التي كانت سباقة ليس فقط في مكافحة التبغ ولكن أيضاً السمنة والبدانة عن طريق إجبار مطاعم معينة على توفير معلومات بشأن السعرات الحرارية، والوقاية من النوبات القلبية من خلال القضاء على الدهون المهدرجة في جميع المطاعم.

وبسبب السياسات التي عززت مقاومة الأشخاص للأمراض غير السارية، يقول فريدن، إن العمر المتوقع لسكان نيويورك ارتفع بمقدار ثلاث سنوات.

التقدم بطيء

ويؤكد فريدن أنه مع الالتزام العالمي بالتغيير على الصعيد المحلي، يمكن إنقاذ مليارات الدولارات من الإنفاق على الرعاية الصحية، وحماية ملايين الأشخاص من التعرض للنوبات القلبية والسكتات الدماغية، وغيرها من الأمراض غير السارية، مشيراً إلى التقدم البطيء المحرز على الرغم من وجود استراتيجيات مؤكدة يمكن أن تستخدمها البلدان للحد من تلك الوفيات التي تعد الأبرز في العالم من بين المسببات لمفارقة الحياة، بما في ذلك بين البالغين سن العمل.

إذ تقتل أمراض القلب والأوعية الدموية 18 مليون شخص كل عام. أما ارتفاع ضغط الدم وحده، فهو السبب الرئيسي للوفيات في العالم حيث يقتل 10 ملايين شخص سنوياً، أكثر من جميع الأمراض المعدية مجتمعة، فيما أقل من 1% من مجموع 35 مليار دولار تنفق سنوياً على مساعدات الصحة في العالم يجري تخصيصها للوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية.

ويحدد فريدن استثمارات استراتيجية في ثلاثة مجالات رئيسية يمكن أن تحقق تقدماً سريعاً وتساعد على منع وفاة 100 مليون شخص من أمراض القلب والسكتات الدماغية، وهي: أولاً الحد من أمراض ضغط الدم وزيادة العلاجات لهذا المرض، ويقول إن العالم حالياً عند نسبة سيطرة على ضغط الدم تبلغ 14%.

على الرغم من كون هذا المرض يمثل السبب الرئيسي الأول للوفيات بحوالي 10 ملايين وفاة في العام، فيما الأدوية رخيصة لكن لا يجري استخدامها، والحد من الملح بهدف تخفيض استهلاكه بنسبة 30% في العالم، والقضاء على الدهون المتحولة اصطناعياً التي تقتل 540 ألف شخص في العام ولا ضرورة لوجودها في غذائنا الصحي، ويقدر الوفورات في الرعاية الصحية من دارة فعالة لضغط الدم وحده بمبالغ تصل إلى 100 مليار دولار سنوياً.

وفي سياق متصل، يؤكد فريدن أنه بين الخطوات الكثيرة التي يمكن أن تتخذها الحكومات لمنع الناس من الإصابة بالأمراض، فإن لا شيء يمكنه أن ينقذ الأرواح بقدر خفض التدخين، الذي يسبب 1 من كل 10 حالات وفاة في العالم، بمعدل يتجاوز أكثر من 7 ملايين شخص سنوياً، معظمهم يعيشون في دول فقيرة أو متوسطة الدخل حيث معدلات التدخين تتراجع بوتيرة أبطأ من البلدان الأكثر ثراء.

ويقول إنه على الرغم من أن رفع الضرائب هو الطريقة الأكثر فعالية لخفض التدخين، فقط 10% من العالم لديه المستويات الموصى بها من الضرائب على التبغ، ودولة واحدة فقط من أصل 3 بلدان لديها أنظمة مراقبة شاملة لقياس نطاق المشكلة والتقدم المحرز.

تفشي الأمراض المعدية

على صعيد المدن أيضاً، يؤكد فريدن أن تفشي الأمراض المعدية، لم يعد من قبيل الاحتمال بل هو أمر مؤكد في المستقبل، وأن كل دولة بحاجة لاكتساب القدرة على منع تهديدات الأمراض والكشف عنها والاستجابة لها.

وتحقيقاً لهذه الغاية، يقول إن أكثر من 50 دولة أنهت تقييمات التقييم الخارجي المشترك، وهي أداة تم إنشاؤها واعتمادها من قبل منظمة الصحة العالمية بعد انتشار وباء إيبولا، حيث عبر إطار صارم عرضة للمساءلة يحدد هذا التقييم الثغرات المهددة للحياة في الصحة العامة في عشرات من الدول، والتي يمكن معالجتها من خلال الإجراءات الحكومية.

أما في مجال الوقاية من الأوبئة، فهناك وفقاً لفريدن أربعة أسس من نظم المراقبة، والمختبرات، وعملاء الأوبئة المتدربين، وفرق الاستجابة السريعة. يؤكد فريدن أهمية قطاع الصحة العامة، الذي كان له الفضل الأكبر على تحسين صحة البشر خلال السنوات الـ100، وهذا برأيه يصح أيضاً على المستقبل.

ومن جهتها، ترى مارغريت تشان، المدير العام السابق لمنظمة الصحة العالمية، أن المدن تصبح أكثر صحة من خلال إدخال إجراءات تسهل تناول الأطعمة الصحية والعيش وفقاً لحياة أكثر نشاطاً، وأن المدن تصبح أكثر أماناً باتخاذ تدابير للحد من حوادث المرور أو تلوث الهواء.

ويساعد على ذلك مجموعة من «المدن الذكية» التي برأيها تظهر للعالم كيف الإنترنت والهواتف النقالة والتكنولوجيا التي يمكن ارتداؤها يمكن استخدامها لتحسين وصول مواطنيها إلى الرعاية الصحية في المدن، مثل برشلونة بإسبانيا.

مدن في أنحاء العالم شرعت في استراتيجيات وبرامج مدن ذكية بالتشديد على النقل الذكي والتنقل الذكي والطاقة الذكية... وهناك فرصة هامة الآن في التركيز على الطريقة التي تمكن الصحة والرعاية المواطنين والزوار من أن يكونوا أكثر صحة وسعادة.

المدن الصحية

المدينة الصحية مصطلح يستخدم في الصحة العامة وتصميم المدن. شكله الحديث يستمد من مبادرة منظمة الصحة العالمية عام 1986، ويشدد على الأبعاد المتعددة للصحة. يشرك الحكومات المحلية في التنمية الصحية عبر عملية من الالتزام السياسي والتغيرات المؤسساتية وبناء القدرات والتخطيط القائم على الشراكة والمشاريع المبتكرة.

استدامة المدن

ثلاث فئات للحكم على استدامة المدن، وفقاً للبنك الدولي: 

عناصر الحياة اليومية كالهواء النظيف والمياه والمساحات الخضراء.

انبعاثات غازات الدفيئة.

القدرة على الصمود أمام الكوارث الطبيعية والظواهر الجوية القاسية.

د. مارغريت تشان المديرة العامة السابقة لمنظمة الصحة العالمية

لست راضية عن طريقة تعامل منظمة الصحة العالمية مع «إيبولا»، كما أن مجموعة الـ7، وعدد كبير من البحوث، تؤكد وجود توافق معزز بشكل متبادل بين أهداف «التغطية الصحية الشاملة للجميع» وتلك الخاصة بالأمن الصحي العالمي. وتعتبر النظم الصحية المرنة والشاملة خط الدفاع الأول ضد تهديد الأمراض الناشئة والمنبعثة من جديد.

د. لورانس كارمايكل رئيسة المركز التعاوني لمنظمة الصحة العالمية للبيئة الحضرية الصحية

صحة المدن لا يحددها واقع البيئة أو فعالية إدارة الموارد فحسب، لكن أيضاً الطريقة التي يستخدم الأفراد والجماعات مدينتهم ومبانيها وشوارعها وأحياءها. ويمكن لعوامل اقتصادية وسياسية، كالهجرة وشيخوخة السكان أن تؤثر في الصحة والرفاهية.

شعور بالرفاه

تربط البحوث بين المكان والشعور بالرفاهية، بالتأثير في النشاط البدني، وتوفير الخصوصية، والسلامة والأمن، والقرب من الطبيعة، وإمكانية الوصول، والشعور بالاتصال بالمكان، والاستقلالية والمساواة، كما تبرز السعادة كجانب من الصحة الحضرية عبر تصميم المدن بإضافة الساحات الخضراء مثلاً، كما أن هناك منافع صحية نتيجة لتحسين توليد الطاقة والعمليات الصناعية ومعالجة النفايات لجعلها أكثر كفاءة وأقل تلويثاً.

د. ديفيد لادلو أستاذ جامعي محاضر عن المدن الذكية الأوروبية

المدن ستقرر صحة ورفاهية غالبية السكان في القرن الـ21. فالبيئة التي نعيش ونعمل ونقضي أوقات فراغنا فيها لديها تأثير هائل في صحتنا، حيث مشكلات صحية مثل البدانة وأمراض القلب المزمنة والتوتر وقضايا الصحة العقلية ترتبط ببيئات المدن، مما يتطلب تخطيط استباقي فعال.

 

Email