اقتصادات الأجهزة تشجع الناس على التخلص منها بوتيرة مستمرة

النفايات الإلكترونية.. تقادم سريع يهدد بتدمير الأرض

ت + ت - الحجم الطبيعي

أدخلت الأجهزة الإلكترونية تعديلات نوعية على سلوكياتنا، من الهواتف الذكية إلى الكمبيوترات والطابعات، نشتري تلك المنتجات المتغيرة باستمرار، ونتخلى عن القديم منها أو نرميه في سلة المهملات.

لكن هل تساءلنا يوماً أين تذهب مليارات الأجهزة بين أيدينا، من كبيرنا لصغيرنا، أو تخيلنا حجم الكارثة المحدقة بالعالم مستقبلاً في حال استمرار وتيرة تحديث الأجهزة على هذا المنوال.

وكمعدل، يمتلك الفرد في مجتمعاتنا ما بين 3 و4 أجهزة إلكترونية، وبينما يتراوح عمر الكمبيوتر ما بين 3 و5 سنوات، فإن عمر الهاتف المحمول لا يتعدى السنتين، أما التلفزيونات التي كانت تعمر 7 إلى 12 عاماً في المنازل، فيجري إحلالها اليوم في غضون سنوات قليلة.

ويتوقع تقرير برنامح الأمم المتحدة للبيئة، أن يتخلص العالم في عام 2017 من حوالي 50 مليون طن من النفايات الإلكترونية، تحوي أساساً أجهزة كمبيوتر وهواتف ذكية، بزيادة 20% عن عام 2015.

الملفت في كل هذا، أنه في الوقت الذي نقوم فيه بإصلاح سياراتنا عندما تتعرض للعطب، فإن قلة منا تختار إصلاح الأجهزة المحمولة عند ظهور أولى علامات التداعي عليها، بل يفضل كثيرون، عند أدنى شعور بالانزعاج، شراء جهاز جديد أحدث. وهذا المبدأ الذي يطلق عليه «التقادم السريع»، ويعني قيام الشركة بتصميم منتجاتها لتكون بحياة قصيرة على أن تنتهي مع ظهور نسخة جديدة من المنتج، يؤدي لتراكم هائل للنفايات الإلكترونية، ويشكل إيذاناً بكارثة بيئية عالمية.

ضغوط مخفية

يرى الخبير سيد فاراز أحمد في مقال نشره في موقع «ذا تلانتيك» أن «الشركات المصنعة كانت تقدم للناس تضاؤلاً متزايداً في الفرص لإبقاء الأجهزة الإلكترونية القديمة تعمل بشكل فعّال»، بل يعتقد أن اقتصادات تلك الأجهزة تشجع الناس على التخلص منها، وأن الأمر وصل لنقطة حيث شراء المستهلك لطابعة جديدة أرخص من شراء خراطيش حبر لطابعته القديمة، وأن الشركات، كضغط مخفي على المستهلكين لشراء أجهزة جديدة، لجأت لتحديثات البرامج، كما أنهت الدعم للنماذج الأقدم أو أنظمة التشغيل التي تعمل عليها. وبطبيعة الحال، كان لتراجع كلفة إنتاج الأجهزة الجديدة، مع دخول لاعبين جدد في البرازيل والصين والهند، أن ساهم أيضاً في هذا التوجه، بالإضافة لصعوبة إصلاح الأجهزة المحمولة، أو الكلفة العالية المترتبة على ذلك.

وفيما أفضت تلك التحولات إلى دفع المستهلكين للتخلص من أجهزتهم القديمة، فإن التخلص منها على أرض الواقع أخذ مسارات عدة. يعتقد بعض الخبراء أن ما يصل إلى 75% من الإلكترونيات القديمة لا تزال مركونة في أدراج المنازل، بسبب عدم معرفة المستهلكين كيفية التخلص منها، أو لعدم وجود خيارات إعادة تدوير مقنعة، وربما لخوف المستهلكين على خصوصياتهم، لكن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى كمية نفايات إلكترونية تتراوح ما بين 20 إلى 50 مليون طن في عام 2017، مع نسبة إعادة تدوير 12.5% فقط، فيما المعدات الباقية يجري نقلها إلى البلدان النامية، حيث يقوم قطاع غير نظامي بفرزها بوسائل بدائية مثل الحرق لاستخراج المعادن، مما يعرض البيئة وحياة المجتمعات هناك لمخاطر هائلة.

ويقول البعض إن تلك الأساليب المعتمدة البدائية تسهم أيضاً في ضياع مواد ثمينة مثل الذهب والنحاس والبلاتينيوم وغيرها، مما يضيف تكلفة اقتصادية للكلفة البيئية والصحية، فيرد عليهم آخرون أن هذه التكلفة تقع أصلاً على الاستخراج الكثيف لتلك المواد من مقدرات الأرض لصنع تلك المنتجات.

قضية إنسانية شاملة

وعموماً، وعلى الرغم من وجود أنظمة إعادة تدوير للنفايات الإلكترونية في البلدان المتطورة، إلا أن نسب التدوير هناك لا تزال متدنية وفقاً للأمم المتحدة. في الولايات المتحدة، بلغت نسبة 29% عام 2012 وفقاً لوكالة حماية البيئة الأميركية، فيما تم إرسال 40% من تلك الأجهزة المدرجة تحت إعادة التدوير لأماكن تجميع خرداوات خارج البلاد، حسبما تفيد منظمة «بان بازل اكشون نتوورك»، لا سيما لأنها ملوثة وتتطلب كثافة عمالة.

وفي الاتحاد الأوروبي المصدق على اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، أفيد بأن ما يصل إلى ربع مليون طن من النفايات الإلكترونية يجري شحنها للبلدان النامية كل عام بتصريحات كاذبة أنها مواد مستعملة، فيما تشير الإحصاءات إلى سرقة 75% من الاجهزة المعدة لإعادة التدوير وشحنها إلى الخارج، ولا سيما إفريقيا. وتعادل سرقة المكونات والمواد الثمنية من النفايات الإلكترونية ما بين 800 مليون و1.7 مليار يورو وفقاً لتقرير للاتحاد الأوروبي عام 2012، معظمها من المعادن كالذهب والرصاص والنيكل والفضة والقصدير إلى جانب البلاستيك المعاد استخدامه غالي الثمن. فلا عجب أن تكون هناك محاولات لاستغلال الوضع، وأن يكون 90% من النفايات الإلكترونية يجري التخلص منها بطرق غير شرعية، وفقاً للأمم المتحدة.

لكن معالجة النفايات الإلكترونية تتطلب عملية طويلة مضنية وملوثة للغاية، إذ تحتوي على مواد خطرة مثل الزئبق والرصاص والفضة ومثبطات اللهب. وهذا يجعل إعادة تدوير النفايات في بعض الأحيان عملية غير ممكنة. وكانت قد صدرت تحذيرات عام 2015 من عودة النفايات الإلكترونية المعاد تدويرها لدورة الإنتاج، ووجدت دراسة آثار اثنين من مثبطات اللهب التي تؤثر على الهرمونات في 43% من الألعاب التي شملتها الدراسة.

وكانت هناك ابتكارات لمعالجة مشكلة التلويث المترتبة على معالجة تلك النفايات، فأوجدت مثلاً شركة أبل روبوت «ليام» لتفكيك «أيفوناتها»، لكن هذا لا يكفي برأي الخبراء. فغالباً ما يقع عبء المخاطر الصحية على المجتمعات الفقيرة حيث تحولت النفايات الإلكترونية المنقولة بطريقة غير مشروعة إلى مصدر دخل لصناعة محلية ناشئة.

مسؤولية مشتركة

وفي غضون ذلك، وفيما تفيد التحليلات بأن 99% من النفايات الإلكترونية يمكن إعادة تدويرها، فإن العالم لا يزال يشهد فشلاً ذريعاً في العالم في إدارتها بشكل جيد.

وفيما هناك سعي وراء ابتكارات لاستعادة كل المكونات من دون إحداث ضرر، وتتحدث مجلة «ويبو»، في هذا السياق، عن 60 مركباً كيماوياً يمكن إيجاده في المعدات المعقدة، يقترح موقع «إي سي تيوركس» في مقال تحت عنوان «المأزق الأخلاقي للنفايات الإلكترونية» أنه في سبيل نهاية الجانب السلبي من تلك النفايات، فإنه من المطلوب بذل جهد دولي أوسع، يفرض إعادة التدوير باعتبارها المرحلة الأخيرة. وهذا سيتطلب تصاميم تسمح بتحديث المكونات في أجهزة تعمر طويلاً، مما سيتطلب كسب السوق الاستهلاكي.

تتساءل كارولين كاستر في مقالة بالأسوشييتد برس، فتقول: بمقدور الشركات المصنعة كسب الكثير من المال من بيع قطع الغيار والخدمات، لكنها تبقى في منافسة محتدمة، ويتعين عليها تطوير منتجات جديدة على الدوام، مما يؤدي إلى مبدأ التقادم المزمع، لكن يمكن للشركات اعتماد مقاربة مختلفة تماماً، قائمة على تصميم وبناء منتجات يمكن تجديدها وإصلاحها لإعادة استخدامها أو بيعها، مع بناء الولاء لدى الزبائن ورفع الوعي بالعلامة التجارية.

وفيما تقع المسؤولية على المصممين لإيجاد سلع تتميز بالتعمير وإعادة الاستخدام، فإن للمستهلكين دوراً في الحفاظ على أجهزتهم، ومقاومة أو تأخير الحصول على أجهزة جديدة حتى حاجتهم لها بالفعل. ويمكنهم إصلاح الأجهزة التي بين أيديهم عندما يكون ذلك ممكناً، وإعادة بيع القديمة. فإعادة الاستخدام تحافظ على الموارد الطبيعية في باطن الأرض، وتزيد دورة حياة المنتج. بل للجميع دور في تخفيض النفايات الإلكترونية، عبر أنظمة استرداد والتوعية بالمشكلة، ومعالجة النفايات بشكل سليم. وفي غضون ذلك، يقترح الخبراء فرز المواد بشكل أخلاقي، وتقديم مساعدة ملحة للدول النامية. ويبقى للتطوير التكنولوجي أهمية كبيرة في ضمان منتجات صديقة للبيئة.

وفيما يبشرنا العالم الفيزيائي، ميشيو كاكو، بانتهاء قانون مور في غضون عقد، وتوقف أداء الرقاقة الإلكترونية عن التضاعف كل 18 شهراً مع وصولنا لمعالجة 5 نانو متر، يبقى الأمل بانتهاء المنافسة العالمية لتعظيم الأرباح، والتداول السريع للمنتجات الملوثة، وما يترتب عليه من هدر واستنفاد للموارد وتلويث لكوكب الأرض، أمراً بعيد المنال.

Email