«الديمغرافيات القاتلة» تصيب اقتصادات أوروبا وشرق آسيا

نمو أميركا مرهون بمستويات الهجرة المرتفعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عام 1995، كانت هناك دولة واحدة، وهي إيطاليا، لديها نسبة أعلى من المسنين الذين تزيد أعمارهم على الـ 65 عاماً مقارنة بمن تقل أعمارهم عن الـ 15 عاماً، اليوم هناك 30 دولة كإيطاليا لديها نسبة أعلى من المسنين، وبحلول 2020 سيصل العدد الى 35 دولة، ويقدر علماء الديمغرافيا أن يتوقف النمو السكاني العالمي في هذا القرن. وفيما كانت لعنة التكاثر السكاني تثير القلق خلال معظم تاريخنا الحديث، فإن القلق في بلدان عدة، قد يصبح سريعاً مشكلة وجود عدد قليل جداً من الناس، بينهم عدد كبير من الكهول.

وفيما تنقل مطالب الناخبين المسنين النظام السياسي، أقله بشكل مؤقت، باتجاه اليمين في البلدان ذات الدخل المرتفع، يبقى الأهم هو أن التقادم السكاني يهدد بنمو اقتصادي ضعيف، مع تراجع العمالة والاستهلاك.

مستقبل قاتم

وتعاني تسع دول من أصل 56 من عدد سكان يزيد على 20 مليون نسمة، مقارنة بانخفاض سكاني في الأصل. وتتصدر أوكرانيا قائمة البلدان الكبرى التي تشيخ وفقاً لتوقعات الأمم المتحدة، مع تراجع عدد سكانها بنسبة 22% بحلول 2050، كذلك بولندا (-14% بحلول 2050)، وروسيا (-10.4%)، وإيطاليا (-5.5%) وإسبانيا (-2.8%). ومن المتوقع وصول عدد سكان الاتحاد الأوروبي إلى ذروته بحلول 2050 قبل أن يتراجع تدريجياً، مما يشير إلى مستقبل قاتم لهذا الاتحاد حتى لو استمر موحداً. ألمانيا بدورها من المتوقع أن ينخفض عدد سكانها بنسبة 7.7% بحلول 2050، على الرغم من أن هذه التوقعات لم يجر تعديلها لاحتساب الزيادة الأخيرة في الهجرة.

المشكلة الرئيسية هي معدل الخصوبة المتدني جداً للقوى الكبرى في الاتحاد الأوروبي، والذي وفقاً لبيانات الأمم المتحدة كان 1.4% بين عامي 2010 إلى 2015، فيما يتطلب إحلال السكان في أي دولة معدل خصوبة نسبته 2.1%. وعلى المدى الطويل، قد يكون الخيار الوحيد أمام أوروبا السماح بمزيد من الهجرة، برغم استحالة الأمر بسبب المقاومة السياسية المتزايدة.

تراجع المؤشرات

فلو كان الأمر مجرد مرض أوروبي، لما كان يشكل تحدياً للمستقبل. لكن القصة الكبرى في الاتجاهات الديمغرافية تقع في آسيا، رافعة النمو الاقتصادي العالمي على مدى الجيل الماضي.

وفقاً للأمم المتحدة ستكون نسبة سكان اليابان فوق الثمانين عاماً أكثر من نسبة من هم دون الـ 15 بحلول 2030. لكن الضربة الأقسى للاقتصاد العالمي ستتأتى من الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم والأكثر دينامية. وحتى جيل مضى، هددت الزيادة السكانية مستقبل الصين. اليوم تقديرات معدل الخصوبة في الصين تتراوح ما بين 1.2 إلى 1.6. وبحلول 2050، فإن عدد سكان الصين سينكمش بنسبة 2.5%، بخسارة 28 مليون نسمة. وسيكون طابعها الديمغرافي شبيهاً باليابان العجوزة اليوم، لكن من دون الوفرة التي يتمتع بها جارها الآسيوي.

ومن البلدان الآسيوية الأخرى التي تعاني من مشكلات شبيهة هناك تايلاند، كما تواجه كوريا الجنوبية ركوداً على مدى الـ 35 عاماً المقبلة، وأن تصبح من الدول الأكثر إيغالاً في السن مع معدل خصوبة يبلغ (1.3).

سنغافورة الأصغر حجماً هي حالة شاذة، فمعدل الخصوبة في القعر 1.2، لكن البلاد تتوقع زيادة سكانية 20% بحلول 2050 بسبب سياساتها الخاصة بالهجرة.

ومن الجلي أن معدل ولادات أقل مع تزايد في نسبة المسنين بدأ يؤثر في إبطاء النمو الاقتصادي في الكثير من البلدان ذات الدخل المرتفع، ويمكن أن نتوقع الشيء نفسه في البلدان الصاعدة مثل الصين وكوريا الجنوبية. ويقدر علماء الاقتصاد زيادة عدد المسنين في الصين بنسبة 60% بحلول 2020، مع انخفاض ممن هم في سن العمل بنسبة 35%. هذا التراجع الديمغرافي، ناجم عن سياسة الطفل الواحد كما ارتفاع التكاليف والمنازل الأصغر حجماً التي صاحبت التحضر، كما يشير نيكولاس ابرشتادت من «معهد المشروع الأميركي».

أسباب مختلفة

وتنبئ تلك التحولات الديمغرافية بتراجع اقتصادي، وذلك لأسباب عدة. أولاً، نقص العمالة الشابة يميل إلى رفع الأجور، مما يؤدي إلى انتقال الوظائف إلى أماكن أخرى. وقد حصل هذا في شمال أوروبا واليابان. كما أن نقص العمالة الشابة يخفض معدل الابتكار حسبما يشير عالم الاقتصاد غاري بيكر.

السبب الثاني يتعلق بارتفاع نسبة المتقاعدين إلى النشيطين اقتصادياً. ومن المتوقع أن يكون هناك 1.7 ألماني بسن العمل لكل شخص فوق الـ 65 بحلول 2050 مقابل 4.7 في التسعينيات، وفي اليابان 1.4 بالمقارنة مع 5.8 عام 1990. وستواجه الصين وكوريا وبلدان شرق آسيا تحديات مماثلة، فيما العديد منها دون أنظمة تقاعد متطورة.

أخيراً، هناك قضية أسواق الاستهلاك. فالموغلون في السن يميلون إلى الشراء أقل من الشباب، لاسيما العائلات. ومن الأسباب في أن بلداناً مثل اليابان وألمانيا لا يمكنهما إعادة عجلة نموهما الاقتصادي هو تباطؤ استهلاك السلع لديهما.

ماذا عن الولايات المتحدة؟ لقد تجنبت إلى حد كبير تلك القضايا الديمغرافية الضاغطة، وربطت الأمم المتحدة الولايات المتحدة بكندا متوقعة أسرع معدل نمو سكاني نسبته 21% بحلول 2050، لكن هذا التوقع قد يكون غير دقيق.

تهديدات ديمغرافية

ينبع أحد التهديدات من جيل الألفية الذي حتى مع التحسن الاقتصادي، لم يباشر بعد بإنشاء أسر وعدد أطفاله لا يقترب حتى من المعدلات التاريخية. اليوم، معدل الخصوبة في أميركا تراجع إلى 1.9 بالمقارنة مع 2 قبل الكساد العظيم، فيما النمو السكاني الآن أقل من أي وقت مضى منذ الكساد. وهذا يضع أميركا ما دون مستوى إحلال السكان للجيل المقبل. ويعتمد معدل النمو السكاني المتوقع المرتفع للولايات المتحدة بالكامل، كما سنغافورة، على حفاظها على معدلات الهجرة المرتفعة.

لكن حتى قبل انتخاب دونالد ترامب، فإن الهجرة الإجمالية إلى الولايات المتحدة كانت آخذة في التباطؤ، فيما معدلات الخصوبة لبعض المهاجرين، لا سيما من أصول لاتينية، كانت تنخفض بسرعة بسبب النقص في السكن الملائم والدعم الاقتصادي.

لكن في العقود المقبلة، فإن البلدان التي بإمكانها الحفاظ على معدل نمو سكاني مقبول إلى حد ما، وما يكفي من جيل الشباب، من المرجح أن تكون في وضع أفضل. إلى حد كبير، فات الأوان لهذا الأمر في معظم أوروبا وشرق آسيا. وبالنسبة لبلدان مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا مع سياسات الهجرة الأكثر ليبرالية والأراضي الشاسعة، قد تكون الاحتمالات أفضل بكثير، لكن الولايات المتحدة بحاجة أيضاً إلى توجه شبابها المولودين في الداخل نحو الزواج والإنجاب.

تنمية

تمثل الفرصة الديمغرافية الفترة حين تكون نسبة الأطفال تحت سن الـ15 تقل عن 30%، ونسبة السكان فوق سن 65 عاماً تبقى ما دون 15%. ومثل تلك الفرصة تسمح بمعدل إعالة إيجابي مما يحرر المزيد من الموارد، ويوفر المزيد من الاستثمار في التنمية.

ثورة صامتة منذ جيل في العالمين العربي والإسلامي، تتمثل بالتراجع الكبير بمعدلات الولادات، هناك تحول في العقليات وتقادم بالسن، ويجب النظر إلى الشرق الأوسط كمنطقة رمادية بدخل منخفض. وإذا كانت أسباب تراجع الولادات انتشار الحداثة، يمكن النظر إلى الإرهاب كنوع من رد فعل.

نيكولاس ابرشتادت رئيس معهد المشروع الأميركي

إن تطوير التعليم المدرسي هز الجيل التقليدي والتسلسل الهرمي للجنسين الذي ساد في المجتعات الأبوية. تجاوزت الأجيال الأكبر سناً، والنساء لحقن بركب الرجال فيما يتعلق بالمعرفة. لكن تطلعات الأجيال الأصغر التي تعلمت بالمدارس محبطة بسبب المعوقات التي تعترضها بسن الرشد.

فيليب فارغوس مدير مركز سياسات الهجرة

تحول اجتماعي

يقول نيكولاس ابرتشادت إن ستة من أكبر عشرة انخفاضات في الخصوبة بالقيمة المطلقة لفترة العشرين عاماً التي تلت الحرب العالمية، حدثت في بلدان ذات أغلبية مسلمة. الأكثر من ذلك، فإن أربع من تلك الدول الست هي دول عربية، فيما خمس منها هي في الشرق الأوسط. ولا توجد منطقة أخرى في العالم قريبة من هذه السرعة في التحول، مؤكداً أن الشرق الأوسط يمر بتغيير اجتماعي بالكاد تم توثيقه بعد.

عدم كفاية الخصوبة يرجع بالمقام الأول لأسباب أخلاقية، وجذور تلك الأسباب ترجع لتطور الروح الفردية. لقد حدث تغير بالنظام المحلي، جعل الأقل جاذبية لنا أن تكون لدينا عائلات كبيرة. الشخصية المجردة لمجتمع العائلات لم يعد موضوع المشاعر نفسها. فالشخصيات الفردية هي التي تشكلها، خاصة أطفالنا.

إميل دوركهايم عالم اجتماعي

Email