جذورها نيجيرية وعملياتها الإرهابية عابرة للحدود

«بوكوحرام».. خطر جاثم على القارة السمراء

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ القرن الـ13 وحتى دخول المستعمر أواخر القرن 19 وخروجه في 1960، كانت نيجيريا الواقعة في غرب القارة السمراء كأكبر دولة افريقية كثافة سكانية تعيش في هدوء وتعايش ديني بين سكانها الذين يمثل المسلمون فيها نسبة 50.3 في المئة ويمثل المسيحيون 48.2 في المئة.

فيما تتبع البقية ديانات أخرى، ومع مطلع الثمانينات من القرن الماضي طرقت الفتنة الدينية أبواب نيجيريا عقب ظهور حركة «القرآنيين» بزعامة محمد مرو الذي ادعى النبوة غير أنّ الدولة أضعفت حركته التي اتخذت من مدينة كنو مركزاً لها في العام 1981.

وكانت حركة مرو الشرارة الأولى للفتن الدينية في هذه الدولة لاسيما في ولاياتها الشمالية ذات الأغلبية المسلمة.

وفي ظل تلك الموجة من الفتن برز اسم محمد يوسف اثر خلافات ضربت جماعة التجديد الإسلامي التي تستند فكريا إلى حركة الإخوان المصرية، ليستقل محمد يوسف واتباعه بولايتي برنو ويوبي بعد ان استغل الروح الحماسية للشباب في الشمال اواخر الثمانينيات ليلتحق بجماعة ازالة البدعة وإقامة السنة فرع ولايتي برنو ويوبي وبقي معهم لمدة سبع سنوات، حيث تأثر في تلك الفترة بأفكار احد المتشددين من التشاد يدعى محمد علي.

ولعل ذلك، بحسب مراقبين، مثّل خطاً فاصلاً في مسيرة محمد يوسف التي أبرزتها أحداث 11 من سبتمبر، وانخداع الكثير من الشباب المتحمسين بأفكار زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي اصبح قدوة لهم بمن فيهم محمد يوسف، من خلال أشرطة المناورات التي يقوم بها عناصر القاعدة التي كانت توزع على مدى أوسع بين اتباعه للاستفادة.

وفي ظل حالة الشحن تلك كون محمد يوسف جماعته واطلق عليها اسماً ظهر فيه التوفيق بين انتمائه الأول إلى جماعة الإخوان المعروفة بالخروج عن الحكومات ومعارضتها، وانتمائه لجماعة ازالة البدعة التي لا تحبذ الخروج على الحكومات.

أما عن تسمية «بوكوحرام»، فيقول الأستاذ في قسم الدراسات الإسلامية والشريعة في جامعة بايرو – كنو النيجيرية احمد المرتضى إن «بوكو حرام» كلمة مركبة تركيباً إسنادياً من اللغتين الهوسا والعربية.. فبوكو في لغة الهوسا تعني الدراسة النظامية على النمط الغربي.

وحرام بمعناها العربي المعروف، ويعني ذلك أن الدراسة المبنية على الثقافات الغربية حرام، باعتبار ان الدراسة بالنمط الغربي ادت إلى نشر الرذيلة ومسخ الثقافات القديمة.

وبحسب محمد يوسف زعيم الجماعة فإن دافعه لذلك ليس محاربة العلم وإنما علوم مدارس المنصرين ومناهج تدريسهم المقررة في المدارس والمعاهد وحتى العمل في الدوائر الحكومية، غير ان زعامة الحركة تضيق ذرعاً بتلك التسمية، بل ان احد قيادات الحركة وهو «شيكاو» يعتبرها تسمية محرمة.

واستغل محمد يوسف مؤسس «بوكوحرام»، بحسب احمد المرتضى، الذي تناول قضية تنامي الحركات الإرهابية في افريقيا في ورقة قدمها خلال المؤتمر الدولي حول الإرهاب والتطرف الطائفي في افريقيا الذي عقد بالعاصمة السودانية الخرطوم أخيراً، استغل زعيم حركة بوكو حرام بنداً بالدستور النيجيري ينص على حرية التدين وتبني الآراء والمذاهب واستفاد من ذلك بالقيام بجولات واسعة من اجل تأسيس حركته، التي بناها على انقاض خيبات تعرض لها بعد فشل حركة ازالة البدعة وإقامة السنة في تحقيق طموحه.

لا سيما وانه كان يرى في أسلوب جماعة ازالة البدعة ليونة وتساهلاً واسترخاء، وهو الأمر الذي جعله يتحرك بين ولايات شمال نيجيريا 19 من برنو إلى صكتو لاستقطاب الشباب في بداية القرن الجاري 2000 - 2002.

وتسعى الحركة التي يطلق عليها أيضا اسم «طالبان نيجيريا» إلى منع التعليم الغربي والثقافة الغربية عموما التي ترى أنها «إفساد للمعتقدات الإسلامية»، وإلى تطبيق الشريعة الإسلامية بمجمل الأراضي النيجيرية بما فيها ولايات الجنوب ذات الأغلبية المسيحية.

وتتكون الحركة أساسا من الطلبة الذين غادروا مقاعد الدراسة بسبب رفضهم المناهج التربوية الغربية إضافة إلى بعض الناشطين من خارج البلاد على غرار بعض المنتسبين التشاديين.

ورغم تقارب النموذج النيجيري مع النموذج الأفغاني لم يعثر على أي دليل قد يؤكد وجود صلة بين بوكوحرام وحركة طالبان الأفغانية.

مصادر تمويل

اعتمدت حركة بوكوحرام في تمويلها في بداية نشأتها على تبرعات وصدقات المقتنعين بمنهج محمد يوسف في الدعوة، وضحوا بكل ما يملكون لمساندتها، ولم يرض زعيم الحركة ما يشاع بأنه يجمع الأموال من اتباعه لقضاء اغراضه الشخصية، غير ان الحركة وسعت في مصادر تمويلها عقب دخولها في العمل الإرهابي، حيث إنها عكفت على جمع الغنائم، ونتيجة لذلك استباحوا لانقسهم اخذ الغنائم حيثما سيطروا على المدن والقرى.

ويضرب استاذ الدراسات الإسلامية والشريعة في جامعة كنو احمد المرتضى مثالا لذلك ويشير إلى انه وعندما سقطت مدينة موبي تحت سيطرة الجماعة واتخاذها عاصمة لهم بعد ان اطلقوا عليها دار السلام استباحوا سوق المدينة واخذوا البضائع والسلع التي تقدر بمليارات.

كما انه وخلال الفترة ما بين 2009 و2013 كثرت حوادث السطو على البنوك في بعض القرى والمدن بولاية برنو وجميعها نسبت إلى عناصر الجماعة التي تأخذ تلك الأموال.

ويشير المرتضى إلى ان عناصر الجماعة يقومون أيضا بمقابلة التجار وكبار الموظفين في بيوتهم ويفرض مبلغ محدد عليهم يدفعونه شهريا، بحسب ما اخبره به بعض الضحايا.

ويتم ذلك بالإكراه والتهديد بالقتل اذا ما اباح الضحية بهذا التعاقد، بجانب فرض الفدية المالية مقابل اطلاق سراح بعض المختطفين من الغربيين والمواطنين النيجيريين، بجانب اخذ الفدية عمن يعتبرونهم اسرى خلال الاشتباكات مع القوات الحكومية، وكذلك فرض الضرائب في مناطق سيطرة الجماعة، بالإضافة إلى التبرعات التي يقوم بها بعض اعضاء الحركة الأثرياء بدفع مبالغ كبيرة لمساندتها.

ويقول احمد المرتضى ان التمويل بصفته العامة يشمل توفير الأدوات والمعدات والخدمات، وأفاد ان بعض المنتمين إلى الحركة سابقا اكدوا له خلال مقابلاته معهم على وجود ترابط قوي بين جماعة بوكو حرام وبين بعض المتشددين في التشاد وحدود الجزائر الذين توثقت العلاقة فيما بينهم والجماعة على يد مؤسس بوكوحرام محمد يوسف، وواصل في ذلك خلفه ابو بكر شيكاو، وأرسلت الحركة بعضا من عناصرها لتعلم أساليب الحرب وصناعة الأسلحة.

التجنيد للجماعة

لجماعة بوكوحرام طرائق عدة لاستقطاب الشباب وتجنيدهم في صفوفها، وأبرز تلك الطرق، بحسب المرتضى، التجنيد بمحض الإرادة حيث انخرط طلاب محمد يوسف ومريدوه في صفه للدفاع عن الجماعة في 2009، ضد الحملات التي شنتها الحكومة ضدها، ولكن أغلب هؤلاء قتلوا أو ألقي القبض عليهم وتشردوا، فلجأت الجماعة إلى التجنيد عن طريق الإكراه .

حيث ان الكثير من مقاتلي الجماعة لم ينضموا إليها اقتناعا بمبادئها، وإنما اضطروا إلى حمل السلاح في صفوفها بحكم الإكراه.

حيث هُددوا بالقتل أو قتل والديهم وأولادهم، وكذلك فإن عدداً من المقاتلين وجدوا انفسهم بلا حول لهم ولا قوة بعد أن أصبحت مناطقهم تحت هيمنة الحركة وفرضت عليهم بحسب زعيم جماعة الشريعة الإسلامية، كما أن غالبية هؤلاء لم يتبق لهم لا أهل ولا أقارب وانهم انضووا في صفوف الجماعة ابقاء على انفسهم.

وبالإضافة إلى تلك الطرق فإن هناك الكثير من عناصر الجماعة انضموا إليها للتكسب من أجل ما يدفع لكل من أحسن صنعا في نظر القيادات.

فكان ذلك حافزا للكثير من الشباب للقتال لصالح بوكوحرام بسبب عنصري الجهل والفقر المستحكمين في تلك المناطق النائية من نيجيريا، والعديد من هؤلاء الذين فضلوا العمالة للجماعة كانوا في السابق من معتادي السرقات والسطو على البنوك فتحققت لهم بغيتهم بالعمل ضمن صفوف الجماعة حيث يضمن لهم الانخراط ما ينشدونه من مال.

رحلة جديدة

وبعد مقتل محمد يوسف خلال اشتباكات مع القوات الحكومة التي هاجمت في مايدوغوري شمال شرق نيجيريا معقل الجماعة بالمروحيات والأسلحة الثقيلة وتدمير مركزه في اواخر يوليو من 2009، خلفه في زعامة الجماعة ابوبكر شيكاو الذي كان ينوب عنه في كثير من المهام الحركية، هذه الأحداث شكلت تحولاً جذرياً في مسيرة جماعة بوكوحرام.

وعقب ان تسلم شيكاو زمام الأمور في الجماعة كان همه تجميع انصار الجماعة الذين تشتتوا بفعل الهجمات الحكومية وعمل على ترتيب صفوف الحركة، بل ان الحركة طغت عليها روح الانتقام لزعيمها واتجهت اكثر للعنف والإرهاب والأساليب المتطرفة، وما فتئ شيكاو يذكر تلك الأحداث بلهجة مليئة بالأسى والألم وحب الانتقام.

وسعى لامتلاك الأسلحة الثقيلة وخرق السجون لاستخراج عناصر الحركة المحبوسين، كما انه اصدر أوامره بالقضاء على ثلاث فئات من الشعب النيجيري، وأبرزها الحرس المدني بمن فيهم الشرطة وكل من يحمل بندقية من قوات الأمن.

وعمل شيكاو على توسيع دائرة عمليات الحركة لتتجاوز ولايات الشمال النيجيري إلى الجنوب فقد نفذت هجمات على مدن لاغوس وكوغي، كما انها شملت عمليات في الدول المجاورة: التشاد والكاميرون والنيجر وانتشرت عناصر الجماعة في تلك الدول ونفذوا عمليات تفجير بها تحت امرة شيكاو.

فوضى ليبيا

وفتحت قنوات التواصل بين تنظيم داعش في ليبيا وبوكوحرام وتنامي علاقات التعاون بينهما خطوة يمكن أن تكون مقدمة لعمل جهادي أكبر ونشاط إرهابي كبير خلال المرحلة المقبلة خاصة في منطقتي شمال وغرب إفريقيا، ما قد يفرض كذلك ضغوطا أكبر على الدول الغربية خاصة تلك التي لديها مصالح في المنطقة.

التحالف بين هذين التنظيمين اللذين يعدان من أكثر التنظيمات الإرهابية دموية في منطقة شمال إفريقيا ودول الصحراء والساحل، عمّق مخاوف دول المنطقة من إمكانية تشكيلهم لحزام إرهابي يربط بين منطقتي شمال إفريقيا وغربها للضرب بشكل أقوى، كما أثار هواجس الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا من خطورة التهديدات التي سيشكلها هذا الاتحاد على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة والتي غالبًا ما تُمثل الهدف المفضل لأي جماعة متطرّفة.

معالجات

يرى أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة كنو النيجيرية أحمد المرتضى ضرورة نشر الدين وتدريسه على المنهاج الصحيح بما يحقق للمجتمع المسلم الحصانة من الغلو والتطرف، وإعادة النظر في أساليب طرح الدروس العلمية بالإضافة إلى الانفتاح والتحاور، بجانب مضاعفة دور الحكومات من خلال توفير الأمن والرقابة الأسرية والاجتماعية على توجهات الأبناء.

وأن يتم التبليغ من قبل المجتمع ضد أي تصرف مشبوه للجهات المعنية بجانب محاربة البطالة، بينما يرى آخرون بضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمنع خطر الجماعة المتمدد نحو دول غرب ووسط إفريقيا.

مبايعة الجماعة لـ«داعش» وسعت دائرة التجنيد في صفوفها

في مارس من العام 2015 أعلنت جماعة بوكوحرام رسمياً مبايعة زعيم تنظيم داعش.

ولم يكن ارتباط بوكوحرام بهذا التنظيم الأول بالتنظيمات الإرهابية إذ ارتبطت الجماعة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، كما عمل زعيم الجماعة أبوبكر شيكاو بتوسيع دائرة بوكوحرام في التجنيد وانتهج تجنيد الشباب صغار السن وأطفال الشوارع واختطاف اخرين وإرغامهم على القتال في صف الجماعة حيث تراوحت اعمار مقاتلي الجماعة بين 18 و25 عاماً.

ومن ضمن الإرهاب الأشد الذي انتهجت الجماعة ممارسته في عهد شيكاو، تكفير الأمة، وهم العامة بعد أن وجدت منهم اعتراضا وعدم اقتناع بأفكاره فشن على الجميع الحرب، قتلاً وفتكاً، وأصبح يعامل الجميع معاملة الكفار بحسب زعمه بقتلهم ونهب ثرواتهم، ومن الممارسات التي لجأت إليها الجماعة كواحدة من أدوات الإرهاب تتمثل في اختطاف الفتيات وتزويجهن كرها، بجانب اللجوء للعمليات الانتحارية.

وبحسب مراقبين، فإن شيكاو يسعى من وراء اندماجه في تنظيم داعش إلى الحصول على مزايا عديدة لعل من أبرزها كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات والأموال وفرص التدريب. ولا شك أن قبول بيعة بوكوحرام يعني اعترافاً قوياً بها في دوائر الحركات الإرهابية العالمية وهو ما يسمح لها بزيادة قاعدة التأييد في صفوف الجماعات المتشددة الناشطة في أفريقيا.

50

نشرت جماعة بوكوحرام قبل ثلاثة أيام مقطعاً مصوراً يظهر بعض تلميذات تشيبوك المختطفات لدى الجماعة منذ أكثر من عامين. وظهرت نحو 50 فتاة بالحجاب، خلف أحد المسلحين وهو يطالب بالإفراج عن مسلحين محتجزين لدى السلطات النيجيرية مقابل الإفراج عن الفتيات.

ويعد هذا الفيديو الثالث الذي تبثه بوكو حرام للفتيات منذ اختطافهن. وكانت الجماعة قد اختطفت 276 فتاة من مدرستهن في مدينة تشيبوك، شمالي نيجيريا.

ومع أنه من غير المعروف متى تم تصوير الشريط فإن موعد بثه ليس صدفة. فالجماعة التي أعلنت مبايعتها لتنظيم داعش في 2015 تمر بأزمة قيادية خطيرة وزعيمها أبوبكر شيكاو يستخدم الفتيات لإرساء سلطته على خصمه أبي مصعب البرناوي الذي أعلن تنظيم داعش تكليفه واليا على غرب افريقيا مطلع أغسطس. أبوجا - وكالات

16

أعلن الجيش النيجيري أمس أنه صد هجوماً لجماعة بوكوحرام المتشددة في شمال شرق نيجيريا ما أسفر عن مقتل 16 متمرداً.

ووجه الجنود النيجيريون المتمركزون في بلدة كانغاروا «ضربة قاسمة للمسلحين أسفرت عن مقتل 16 منهم»، بحسب ما أكد العقيد ساني عثمان في بيان، موضحاً أن الاشتباكات دارت الأحد الماضي. وأضاف: «لسوء الحظ، قتل جندي وأصيب 11» آخرون بجروح.

وخلال العملية تم اكتشاف مخبأ للأسلحة والذخيرة يعود إلى المتمردين.

ومنذ 2009، أسفر تمرد بوكو حرام عن 20 ألف قتيل وأكثر من 2.6 مليون مهجر.

وتشجع الحكومة النيجيرية المهجرين على العودة إلى منازلهم، لكن الوضع الأمني لايزال غير مستقر.

 

 

لمشاهدة الجراف بالحجم الطبيعي .. اضغط هنا

Email