تقارير البيان

العنصرية والتهميش يحوّلان بالتيمور إلى ساحة حرب

احتجاجات ليلية في بالتيمور - أ. ف. ب

ت + ت - الحجم الطبيعي

 من جديد، ينفجر غضب الأميركيين السود ضد الممارسة العنصرية لرجال الشرطة. سيناريو تكرر بصورة شبه دورية خلال الأشهر الأخيرة في غير مدينة وولاية. لكن هذه المرة في مدينة بالتيمور التي تبعد حوالي 60 كلم فقط عن واشنطن، كانت المواجهة أخطر بعنفها كما بمدلولاتها. وبذلك، فهي ليست ردة فعل رافض محصور بحادثة معينة، بقدر ما هي تعبير صارخ عن تأزم أوسع، يشمل الخطاب والعلاقات والأوضاع في أميركا.

انطباع وحادثة

انفلات أعمال الشغب التي استدعت فرض حظر التجول وتدخل قوات الحرس الوطني، اندلعت بعد مراسم دفن شاب من الأميركيين السود، الذي توفي بسبب تعامل الشرطة معه بقساوة بالغة، تبعها إهمال في معالجته. ومثل المرات التي تلاحقت في الأشهر الماضية، لم يكن الضحية مسلحاً ولا هو اقترف الذنب الذي يبرر توقيفه بالصورة القاسية التي تعرّض لها.

بذلك، كان من الطبيعي أن تثير وفاته رد فعل ناقم لدى قومه. لكن هذه المرة تجاوز الرد النقمة إلى الانتقام بين جهتين تعمقت الكراهية بينهما مؤخراً: السود المهمشين، خاصة في المدن، ورجال الشرطة. فالشعور لدى الأميركيين السود بأنهم باتوا مستهدفين عنصرياً بسبب لون بشرتهم. عزّز مثل هذا الانطباع، أن الشباب الخمسة السود الذين قضوا في الآونة الأخيرة، سقطوا على يد رجال شرطة من البيض.

وفي كل مرة كانت الحادثة أقرب إلى النسخة طبق الأصل: مواجهة بقوة فائضة مع شاب أعزل، أدت إلى قتله. كل حادثة كانت ردة الفعل.. مظاهرات لعدة أيام لم تخل من العنف. لكن أول من أمس، كانت شبه ساحة حرب: حرائق ونهب وتكسير وتدمير سيارات وسقوط جرحى وأحد رجال الأمن كانت حالته خطرة، وإلى حدّ أن شرطة المدينة وجدت نفسها في موقع المغلوب المحتاج إلى نجدة.

خطاب متطرف

وقوع أعمال شغب ليس بجديد على المدن الأميركية. ولا المواجهات التي تفوح منها رائحة العنصرية بين الأمن والسود. لكن لم يسبق أن حصلت بهذا التواتر الذي جعلها تبدو وكأنها تحوّلت إلى نمط.

وإذا كان ذلك قد ساهم في تعنيف ردة الفعل، إلاّ أن الانفلات الخطير لا يعود فقط في مثل هذه الحالات، إلى العلّة العنصرية التي تبقى ممسوكة بالقانون، رغم تفلّتها من حين إلى آخر، بل أيضاً إلى المناخات والأحول العامة المحرّضة على التمادي في كسر النظام العام، سواء من باب اليأس أو من باب الاحتجاج العنيف على أوضاع مجحفة بنظر المحتجين.

ففي أميركا اليوم خطاب متطرف وأحوال مأزومة. الأول يتحدث المحافظون بلغته التي يختلط فيها التحريض بالكراهية أحياناً تجاه الرئيس باراك أوباما. وهو متواصل منذ ست سنوات. تارة بالغمز، أنه من أصول أفريقية.

وتارة بالتصريح، بزعم أنه لم يولد في أميركا أو «لأنه لا يحب أميركا»، كما قال مرة عمدة مدينة نيويورك السابق رودي جولياني. تلميحات وتسميات تستبطن التنفير منه أو بث الكراهية تجاهه، فقط لأنه أسود. هذا الخطاب لعب دوره في الحقن والشحن ضد الرئيس، واستطراداً ضد السود.

الوضع المالي

إلى جانب ذلك، تمر أميركا في وضع مأزوم، تفاقم منذ الأزمة المالية الأخيرة. البطالة ما زالت حتى الآن وبعد ست سنوات من التعافي البطيء في حدود 5.5 في المئة. يضاف إلى ذلك استمرار الركود في الأجور، وبالتالي في المداخيل. أدى ذلك وغيره إلى استفحال التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين الطبقة الوسطى التي تقوم عليها أميركا..

والآخذة في التآكل، وبين الأقلية العليا التي تمثل 1 في المئة من عدد الأميركيين التي تملك 99 في المئة من الثروة. معادلة صار موضوعها متداولاً من موقع التحذير من عواقب الخلل الذي تمثله. 90 في المئة من الأميركيين هبطت مداخيلهم بين 2010 و2013، حسب ما يقول ستيف راتنر أحد كبار العاملين في «وول ستريت».

ويضيف أن أميركا تقف في «قمة الدول الأكثر تفاوتاً» بين مواطنيها في الثروة، كما أن تصنيفها من بين الدول الصناعية في الإنفاق على البرامج الاجتماعية، يقع في مرتبة «أقل من العادي». هذه النواقص تغذي الإحباط والعزلة..

وبالتالي، النزوع إلى العنف لدى الشرائح المهمشة في ضواحي المدن. وبالذات الأميركيين السود من بينهم، باعتبارهم الأكثر تجاهلاً. وربما من هنا يتغذى العنف في صفوفهم، الذي شهدت مدينة بالتيمور نسخة منه. وقد لا تكون المدينة الوحيدة.

60

قال ناطق باسم إدارة شرطة نيويورك، إن أكثر من 60 شخصاً ألقي القبض عليهم أثناء مشاركتهم في تظاهرات للاحتجاج على وفاة فريدي غراي (25 عاماً)، الشاب الأسود، أثناء وجوده قيد احتجاز الشرطة في مدينة بالتيمور بولاية مريلاند.

وألقت الشرطة القبض على المحتجين مع خروجهم في مجموعات منفصلة إلى شوارع مانهاتن، ما أدى إلى تعطيل المرور في بعض المناطق.

Email