هرولة نحو الأعداء وتخلٍ عن الأصدقاء والحلفاء

أوباما ينقلب على تقاليد السياسة الأميركية

كيري وظريف وعلما إيران والولايات المتحدة في الخلف- أ.ب

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعيداً عن وجهة النظر الشعبوية القائلة بأن الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل حيال الاتفاق النووي الإيراني وملفات أخرى ليست أكثر من تضليلٍ سياسي وألاعيب مكشوفة، فإن الهزة الحالية بين الحليفين الاستراتيجيين تبدو غير مسبوقة لأنها تشي بما قد يعتبر ممهدات انقلابٍ أميركي تجاه المسلّمات، على اعتبار أنه قلما حدث خلاف علني على هذا المستوى ..

وهذا القدر من الألفاظ بين تل أبيب وواشنطن. يحلو للبعض تذكر حادثة تجميد إدارة جورج بوش الأب قروض تمويل هجرة اليهود إلى إسرائيل إبان ولاية رئيس الوزراء إسحق شامير رداً على رفض الأخير تجميد بناء المستوطنات تسهيلاً لمؤتمر مدريد للسلام، للنسج على الخلاف بين بنيامين نتانياهو وباراك أوباما.

صحيح أن نتانياهو شخص غير محبوب كثيراً في واشنطن، خاصةً لدى أوساط الحزب الديمقراطي، إلا أن القضية من دون شك ليست شخصية; فالحديث هنا ليس عن علاقة بين رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون وزعيم قرية في منغوليا المجاورة.

رسالة وبلل

ثمة من يقول إن إسرائيل لم تعد بهذه الأهمية بالنسبة إلى واشنطن. وآخرون يعتبرون أن الإدارة الأميركية الحالية تريد إيصال رسالة إلى العديدين أن بإمكان البيت الأبيض استبدال حلفائه من دون أن يرف لسيده جفن.

ولكن آراء موازية تتهم أوباما بتبني أجندة يسارية لا تؤمن بقيم الولايات المتحدة، وبأنه يفضل إسناد دور شرطي المنطقة إلى إيران ليس لأسباب سياسية فحسب بل عقائدية كذلك، خاصةً أن أوباما قالها صراحةً في تصريحاته العلنية غير مرة ولم يخف رغبته في أن تصبح طهران قوة مساوية لحلفاء تقليديين في المنطقة. ليس الهدف بطبيعة الحال رثاء وضع إسرائيل الإقليمي والدولي أو علاقاتها مع البيت الأبيض..

لكن حينما يصل بلل سياسات الإدارة الأميركية الحالية إلى ذقن نتانياهو، فإن ذلك يعني أن وراء أكمة أوباما ما وراءها. ففي وقتٍ كان منشغلاً بالرد على خطاب نتانياهو في الكونغرس، زار سفيره في بغداد ستيوارت جونز مرقد الإمام علي في النجف في أول خطوة من نوعها لمسؤول أميركي تحمل دلالات سياسية وإيديولوجية عدة.

وكان لافتاً حرص جونز على تأكيد «التشابه» بين بلاده والعراق في «تقاليد التنوع العرقي والديني» (ولربما قصد إيران في نفس السياق)، رغم أن العراق لم يكن في يومٍ من الأيام مثالاً يحتذى في هذا المجال لا ما قبل 2003 ولا بعد، ومعه إيران بكل تأكيد.

انقلاب وباطنية

أغلب الظن أن الرئيس الأميركي ماضٍ في سياسته القائمة على دفن تقاليد السياسة الأميركية والانقلاب عليها والتقرب من إيران وفتح قنوات اتصال مع كوبا وكوريا الشمالية، وقبلهما ميانمار. يؤمن أوباما جداً بالفكرة القائلة إن التعاون، وحتى التحالف، مع الدول الراعية للإرهاب المنظم أفضل بكثير من الدول التي تنبثق من مجتمعاتها ظواهر إرهابية غير منضبطة وغير مدعومة رسمياً، أي لا تأثير لسلطاتها على توجيه تلك الظواهر.

وعليه، يبقى أمام الرئيس الأميركي 20 شهراً لاستكمال انقلابه الهادئ المتلخص في الهرولة نحو الأعداء والبرود تجاه الأصدقاء والحلفاء بحيث يتسلم خلفه (وسيكون جمهورياً في الأغلب) تركة ثقيلة لا يستطيع الفكاك منها ستكبله وتشغله في العامين الأوليين من حكمه، اللهم إلا إذا وقع حدث جلل يمس المصالح الأميركية أو أخطأ الإيرانيون بسذاجة في مكانٍ ما..

وهو أمر مستبعد، بالنظر إلى الباطنية السياسية المحبوكة التي تطبع مواقفهم، والتي على ما يظهر نَهَلَ منها أوباما الشيء الكثير أو نشأ عليها بسبب خلفيته.

موقف

اعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما في تصريحات مؤخراً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو «أخطأ في الماضي بشأن الملف النووي الإيراني». وأكد الرئيس الأميركي في الوقت نفسه أنه ليس على خلاف شخصي معه.

Email