تحليل

دخول غير مسبوق على خط المفاوضات لنسف الصفقة مع إيران

ت + ت - الحجم الطبيعي

الخطوة غير المسبوقة في تاريخ الدبلوماسية الأميركية وعلاقة الكونغرس بها، تعكس مدى النفور، بل الاستباحة من جانب الجمهوريين للرئيس الأميركي باراك أوباما وصلاحياته في الشؤون الخارجية، والطعن بصدقيته في هذا المجال. وبالتحديد في التفاوض النووي مع إيران.

وفي ذات الوقت هي تشكل إشارة جديدة على اقتراب لحظة الاختراق في هذه المفاوضات. وتبدو بالصورة غير الاعتيادية، التي جاءت فيها وكأن في الأمر استماتة لقطع الطريق على مثل هذا التطور«السيئ». محاولة لا تبدو أصابع اللوبي الإسرائيلي بعيدة عنها في ضوء خطاب نتانياهو في الكونغرس الأسبوع الماضي، حول هذا الموضوع.

الكتاب المفتوح الذي رفعه أول من أمس، نحو نصف مجلس الشيوخ، 47 كلهم من الجمهوريين، إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، أثار ضجة واسعة في واشنطن من ناحية المضمون والتوقيت والبروتوكول، فهو يحذر المرشد من التوقيع على أي اتفاق مع الرئيس أوباما من دون موافقة الكونغرس، لأن بإمكان الرئيس القادم أن يشطبه «بجرة قلم»، باعتباره مجرد «اتفاق تنفيذي» وليس قانونياً، كما بإمكان الكونغرس لاحقاً «تعديل شروطه في أي وقت».

يزعم الموقعون أنهم أرادوا إطلاع المرشد على الآلية الدستورية، التي تحكم صناعة القرار الأميركي، وبالتالي حتى يكون على علم وبيان بالأمر لئلا يقع في الخطأ! خروج فاضح على المألوف والمعمول به.

استغراب

ثم إن حيثياته أثارت الاستغراب في صفوف المراقبين، لما انطوت عليه من استخفاف، فضلاً عن ما عكسته من استضعاف للرئيس المنوط به وبإدارته تسيير الشؤون الخارجية، التي يحفظ الدستور للكونغرس دور الرقابة في حقلها، ربما للتأثير في رسمها، لكن ليس في صياغتها.

فالكتاب في حقيقته ليس أقل من تقديم«المشورة» لطرف أجنبي يتفاوض مع واشنطن حول قضية مهمة بمستوى النووي، وبما يدعوه إلى النأي عن المضي في المفاوضات لكونها محكومة بالفشل في نهاية المطاف. في غايته، تحريض على نسفها وتهويل لحمل إيران على مغادرة الطاولة.

محاولة لاقت ردود فعل مختلفة، غلب عليها عدم الارتياح، على الرغم من الشكوك الواسعة بالنوايا الإيرانية، من جهة لكونها سابقة غير مرغوبة، ومن جهة ثانية لما فيها من «تقويض» وإضعاف ليس فقط لموقف الرئيس التفاوضي، بل أيضاً لمقام الرئاسة ذاته، فحتى الجمهوريون اختلفوا حول هذا الموضوع.

قياداتهم في مجلس الشيوخ رفضت التوقيع على الكتاب، خاصة السناتور بوب كوركر رئيس لجنة الشؤون الخارجية، الذي يحتل الموقع الأول المعني بالسياسة الخارجية في مجلس الشيوخ، ولم يكن من غير مغزى أن يتم تكليف السناتور الشاب توم كوتن، والجديد على المهنة، حيث لم يمض على وجوده في المجلس سوى شهرين؛ بتبني حملة التواقيع والترويج للكتاب. ا

لقيادات الوازنة بقيت خارج الصورة، صيغة تركت الانطباع بأن المحاولة ليست جدية بحد ذاتها بقدر ما هي محاولة اللحظة الأخيرة لإرباك عملية ولادة الصفقة التي لو أبصرت النور يمكن أن تحمل الكونغرس على تمرير قانون كان سبق وجرى التلويح به، ويقضي بإجبار الرئيس على طرحه على الكونغرس لنيل موافقته، لكن حتى مثل هذا القانون يصعب تمريره لحاجته إلى ثلثي مجلس الشيوخ للتغلب على الفيتو الرئاسي الذي ينتظره.

ضجة

الضجة التي أثارها الكتاب تبدو أكبر من قدرته على التأثير على مجرى المفاوضات، فالاعتقاد أن العملية تزحف نحو خواتمها قبيل نهاية الشهر الجاري. وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتجه إلى لوزان الأحد المقبل، لعقد جولة أخرى من التفاوض مع نظيره الإيراني. وربما صار البيت الأبيض الآن أكثر إصراراً وعجلة على إبرام الصفقة، حسب التوقعات السائدة.

Email