وزير العدل الرواندي جونستون بوسينغيه لـ «البيان» ( 4 - 4)

1.9 مليون قضية عالجتها محاكم «غاشاشا»

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

امتدح وزير العدل الرواندي جونستون بوسينغيه نظام المحاكم القبلية المسمى «غاشاشا»، والذي تولى النظر في قضايا المتهمين بارتكاب الإبادة الجماعية في بلاده قبل عقدين من الزمن، مشيراً إلى أن «غاشاشا» عالج 1.9 مليون قضية.

فيما انتقد في الوقت ذاته أداء المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، في حين وجه نصيحة إلى السوريين، الذين تشهد بلادهم حالة قريبة من الوضع الرواندي العام 1994، داعياً إياهم إلى الاعتماد على نظامٍ قضائي خاص بهم لإحقاق العدالة وعدم انتظار خطوة المجتمع الدولي. وتالياً نص الحوار:

ـ تركت الإبادة الجماعية المجتمع الرواندي منقسماً على نفسه، وسعيتم إلى إحقاق العدالة عبر نظام المحاكم القبلية غاشاشا، فهل كان ذلك لأنكم لا تثقون بالعدالة الدولية؟

الإبادة الجماعية خلقت مجتمعاً منقسماً على نفسه ويشك مكوناته بعضها ببعض. لم يكن إيجاد نظام غاشاشا مرده لأننا لا نثق بأنظمة العدالة الأخرى. بعد الإبادة، جربنا المحاكم الاختصاصية التقليدية للتعامل مع المجازر ودربنا أناساً لتحويلهم إلى قضاة ومدعين ومحامين محترفين ورفضنا قدوم مدعين دوليين.

 لكن لاحظنا أن العملية تسير ببطىء، حيث لم نتمكن سوى من معالجة خمسة آلاف قضية. أتت غاشاشا كهدف للبحث عن حل يعالج عدة أمور في نفس الوقت مثل الحقيقة والمصالحة والمحاسبة، ويخبرهم كيف وأين أصبحت الامور خاطئة وما هي نقطة التحول.

ـ هل تعتقدون حقاً أن نظام غاشاشا جلب العدالة والمصالحة، خاصة مع كل العيوب التي كانت تشوبه حتى أنكم اضطررتم إلى إنهائه العام 2012؟

دعني أبدأ بالقول إن محاكم غاشاشا لم يتم إقفالها كما قيل بل انتهت أعمالها بكل بساطة بعدما نفذت كل العمل المطلوب منها. بقي بضعة قضايا، لكن الهدف الرئيسي تحقق، ولم يكن هناك أي ضغوطات أو فشل. دعني أسأل أيضاً أي نظام قضائي لا يحتوي على شوائب؟.

لا أعرف نظاماً قضائياً واحداً لا يوجد فيه عيوب. وتلك العيوب في غاشاشا موجودة في أي نظام قضائي آخر. نظام غاشاشا لم يكن فقط لإحقاق العدالة، بل لإعادة بناء مجتمعنا والنظر إلى المرأة والقول لأنفسنا: هذا ما ارتكبناه من أخطاء.

والمجتمع اليوم يعيش بتناغم ويتقدم نحو الأمام. تقريباً كان هناك 200 ألف في السجون وثلاثة أضعاف خارجها ينتظرون الدخول إليها. لكن السجن لم يكن حلاً بالنسبة إلينا. بعض الجرائم المرتكبة عقوبتها الإعدام، والحل كان بالحياة وليس الموت. الخلاصة، أردنا نظاماً يبني مجتمعاً يستطيع شعبنا أن يعتمد عليه.

سوريا والمحكمة الجنائية

ـ أن تقدم اعتذاراً وتقر بذنبك كمتورط فيطلق سراحك بكل بساطة بحسب نظام محاكم غاشاشا، ألا يعتبر ذلك نقيصة؟

لا ليس هذا هو الوضع. الاعتذار والاعتراف يعطي ميزات كبيرة لمن يقدمه. إن اعترف المتهم بصدق ينتفع تلقائياً من إسقاط نصف مدة العقوبة والنصف الآخر يقسم الى قسمين: نصف يقضيه في السجن والنصف الآخر يقضيه في أعمال خدمة مجتمعية.

ـ انطباعي أن الناس قبلوا المصالحة لأن لا خيار آخر لديهم ولأنهم كانوا مضطرين وليسوا راغبين فيها حقاً، فكيف تضمنون في هذه الحالة أنه لن يكون هناك اعمال انتقام في المستقبل؟

لا أعتقد أن هذا الكلام مدعوم بالدراسات المحلية والدولية التي صدرت. على كل حال، في أي مجتمع، من الطبيعي أن تجد أناساً لا يزالون يحتفظون بالأفكار القديمة. أما كيف نضمن عدم تكرار ما حصل، فأعتقد أن الإبادة الجماعية لا تحدث في مكان واحد مرتين.

الإبادة تحصل حينما تكون الدولة ضعيفة أو مارقة. في رواندا، التعايش الطبيعي كان سمة لآلاف الاعوام. والمجازر وقعت لأنه تم رمينا في وضع لثلاثة أو أربعة عقود تحولنا فيه إلى قنابل موقوتة ضد بعضنا البعض.

اعترف الكثير من المذنبين بجرائمهم بل وبادروا إلى إبلاغنا بمكان دفنهم ضحاياهم قبل أن يطلب منهم ذلك. لقد وصل الروانديون الى سؤال: أي نوع من رواندا نريد؟. وعليه، أعتقد أن الضامن ليست الدولة بقدر ما هو الشعب.

ـ غاشاشا تجربة رواندية خالصة، لكن هل تعتقدون أن أنظمة مشابهة يمكن تطبيقها في بلدان أخرى تعاني نفس التجارب، مثل سوريا التي لديها نسخة خاصة فيها من صراع الهوتو والتوتسي وهو بين السنة والعلويين؟

نصيحتي هي أن يحل كل بلد مشاكله بنفسه، ويمكن للآخرين أن يقدموا مساهمة إضافية. في اللحظة التي نستعين فيها بالمساعدة الخارجية، ستتدهور الأمور. لو طلبنا في رواندا معونة العدالة في أوروبا أو الولايات المتحدة، لبقيت الأمور على ما هي عليه حتى اليوم.

وعليه، على السوريين أن يقولوا لأنفسهم: هناك أوقات كنا فيها متحدين ونعيش على أسس صلبة. مرت أوقات كنا شعباً واحداً وتكلمنا كشعب واحد، فما الذي حصل؟.

برأيي، أن على السوريين أن يطوروا نظاماً قضائياً خاصاً بسمات مجتمعهم كما فعل الروانديون في نظام غاشاشا لا انتظار رد فعل المجتمع الدولي، أو الاعتماد عليه لأن خطواته بطيئة وغير كافية. أعتقد أنه من الأفضل تقسيم الأمور. أي، أن يتركوا المجتمع الدولي وأنظمته القضائية تقوم بعملها وأن يعتمدوا في نفس الوقت على نظامهم القضائي الخاص.

ـ هناك سجالات دائمة بينكم وبين المحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا. بدأت أسئلتي بالاستفسار عن عدم الثقة المحتملة، فما هو سبب المشكلة مع أنظمة العدالة الدولية؟

لا أرى نقطة أصبحنا من خلالها أعداء. لكن المشكلة أن تلك الانظمة تكلف كثيراً والسؤال الذي يفرض نفسه هو: كم من العمل يتم إنجازه بهذه الاموال؟.

رواندا ليست وحيدة في انتقاد المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، التي، على كل حال، قامت بعملٍ جيد وغير مسبوق وله مغزى، لكنها تولت 60 قضية فقط صرفت عليها ملياري دولار، فيما عالجنا 1.9 مليون قضية بنصف التكلفة خلال عقد من الزمن. اسمع رد الفعل الدولي من منظمات الامم المتحدة التي يفترض أن تجلب العدالة والمصالحة. كلامها معسول وعلى الأرض الأمور مختلفة.

الموضوع هو أنهم غير قادرين على تولي القضايا العويصة التي عالجناها، وعليهم بالتالي أن يقوموا بعملهم ويتركوننا نقوم بعملنا، على الرغم من أننا في نفس الوقت نتعاون معهم حتى اليوم. ويبقى السؤال: ماذا لو انتظرنا المحكمة الدولية للتعامل مع قضايا ما بعد الإبادة الجماعية في رواندا؟. أعتقد أننا كنا أصبحنا في وضع أسوأ لو فعلنا ذلك.

 

غاشاشا

 

نظام محاكم غاشاشا هو نظام قضائي قبلي أو أهلي له جذور تاريخية يقام في الهواء الطلق ويقر فيه المتهم بذنبه ويطلب الصفح ويواجه ضحيته التي تبوح بمكنونات صدرها وتعفو عنه. أو بكلمة أخرى، هو نظام من الهيئات القانونية الشعبية المستوحاة من هياكل السلطة التقليدية.

أعلن عن تشكيل آلاف المحاكم العام 2001 وتوقفت جلساتها في 2012. ولولا هذا النظام، لاحتاج الروانديون بين 100 إلى 200 عام لمحاكمة كل المتهمين. في القِدم، تولت غاشاشا حل النزاعات بين سكان القرى من قبيل ملكية الأراضي والسرقة والزواج. ويترأس الجلسات مسنون مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة.

 

الأمين العام لمنظمة «إيبوكا»: نعتني بـ300 ألف ناجٍ

ذكر الأمين العام لمنظمة «إيبوكا»، وهي منظمة مظلة غير حكومية تنضوي تحت لوائها 15 منظمة تعنى بالناجين من الإبادة الجماعية في رواندا، نافتال أهيشاكي في حوارٍ مع «البيان» أن «إيبوكا» ترعى 300 ألف ناجٍ من المجازر.

وقال أهيشاكي إن المنظمة «تأسست في ديسمبر 1995 لرعاية مصالح الناجين»، مشيراً إلى أن إحصاءات المنظمة تفيد بمقتل مليون و74 ألفاً خلال 100 يوم من الإبادة الجماعية العام 1994.

ولفت إلى أنه لدى منظمته مشاريع مشتركة مع الحكومة مثل بناء مراكز الإبادة الجماعية على سبيل المثال، مضيفاً أن «إيبوكا قدمت إلى الناجين مساعدات مختلفة مثل اقناعهم بالمشاركة في محاكم غاشاشا والمساهمة في دفن الجثث التي يعثر عليها في المقابر الجماعية والبحث عن أدلة تدين المرتكبين أيضاً».

وأردف أهيشاكي: «ساهمنا في العثور على ومحاكمة أكثر من 100 ألف متورط بالإبادة الجماعية».

وكشف أن المنظمة تساهم أيضاً في مساعدة الناجين في البحث عن عمل والدراسة، كما تقدم استشارات نفسية مجاناً لأولئك الذين روعوا بالحرب»، مستطرداً: «بنينا 600 مسكن ووزعناها عليهم بالمجان كمساهمة رمزية لأولئك الأكثر حاجة بين الناجين وهم النساء والأطفال والمسنون». وقال إن «هناك حوالي 30 ألف أرملة تعتني بهن المنظمة و100 ألف طفل كذلك، أي أن الأرامل والأطفال يشكلون ثلث الذين نعتني بهم».

وتابع: «أما الإناث، فيشكلن تقريباً حوالي 70 في المئة من الذين نعتني بهم». ولدى سؤاله عن مصادر تمويل «إيبوكا»، أجاب أنها «إما من الناجين الميسورين أو متبرعين محليين ودوليين غير حكوميين من بلجيكا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة واستراليا».

وروى أهيشاكي، وهو أيضاً ناجٍ من المجازر، قصته، قائلاً: «كنت في الإقليم الغربي حينها وعمري 20 عاماً. قتل خمسة من أفراد عائلتي ونجوت عبر الاختباء في الغابة، قبل أن تحرقها ميليشيات الهوتو بهدف دفع المختبئين فيها إلى الفرار».

وتابع: «هربت الى منطقة نهر نيابارانغو. لمدة ستة أسابيع حتى علمت أن المتمردين حرروا المنطقة. في النهار كنت اختبئ في المياه حتى ذقني، وفي الليل كنت أخرج للبحث عن الطعام مثل الموز والبطاطا وحتى أحياناً الجرذان».

واختتم متأثراً بما حصل في الماضي: «كنت محاطاً بالحيوانات المفترسة في الغابة والنهر، لكنني لم أر فيها عدواً بل أولئك البشر الذين كانوا يسعون إلى قتلى. كان عليّ أن أبقى من دون حراك في النهر والأفاعي تحيط بي من دون أن تهاجمني. ما زلت اعتبر ذلك حماية الله لي».

Email