خمسة آلاف قُتلوا على محراب التطرف الأعمى

نتاراما.. حينما تتحول الكنيسة إلى مسلخ

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

شاهد آخر على فظاعة الكارثة التي حلت في رواندا، هو تحول دور العبادة إلى مسالخ تختفي من قاموسها معاني الشفقة والرحمة والإيمان. حينما تعلم أن واحداً من كل عشرة قتلوا داخل الكنائس خلال حملة الإبادة الجماعية، فلا بد أن هناك أزمة أخلاقية مرت على رواندا استحكمت بالسلطة الدينية.

في مقاطعة بوغسيرا التي تبعد نحو أربعين كيلومتراً جنوب العاصمة كيغالي، يوجد مركزان للإبادة الجماعية: نتاراما ونياماتا، وهي عاصمة المقاطعة. وكلا المركزين كانا كنيستين كاثوليكيتين شهدتا مجزرتين من أبشع المذابح التي وقعت في تلك الفترة.

بوغسيرا نفسها اعتبرت المكان المفضل لرمي التوتسي الذين اقتلعوا من منازلهم خلال مجازر «رياح التدمير» بين عامي 1959 و1961، لأنها كانت شبه فارغة، تملأها الغابات والمستنقعات القذرة والحيوانات المفترسة، فضلاً عن كونها موئلاً للجفاف، بسبب درجات الحرارة العالية التي تُعرف بها.

في نتاراما، اعتقد الضحايا أن قدسية الكنيسة ستحميهم، فتدفقوا عليها ما بين 9 حتى 14 أبريل.

وفي 15 منه، قتل أكثر من خمسة آلاف في الكنيسة ومحيطها على أيدي القوات الحكومية التي استهلت هجومها برمي القنابل اليدوية على مداخلها، تلاها رمي كثيف لنيران الرشاشات، من دون أن يعني ذلك بطبيعة الحال أن سلاح السواطير والمناجل لم يستخدم من قبل الميليشيات المتحالفة معها التي ترك لها أمر إنهاء المهمة.

جماجم ودفاتر

تتنوع أحجام الجماجم المصفوفة على منصة في غرفة واسعة، تتوسطها توابيت لفّت بغطاء أرجواني اللون المكرس لإحياء ذكرى المجازر، وضعت فيها رفات ضحايا عدة في النعش الواحد

. فهناك جماجم وعظام لأطفال يدل حجمها على أنهم لم يتجاوزا عشرة أعوام، وأخرى لنساء وكذلك لرجال، كما تحكي الآثار التي خلّفها الهجوم على جماجمهم الطريقة التي قتل كل واحد بها. فجوة في الرأس تعني طلقة نارية، شق في الجمجمة يعني أن الساطور أو المنجل أنهى حياة الضحية.

في غرفة أخرى، دفاتر وكتب لتلاميذ توهموا أنهم في الكنيسة مدة مؤقتة سيعودون بعدها إلى ممارسة حياتهم الطبيعية، وينتظمون في صفوفهم ليدرسوا ويلعبوا، لكن نيات القتلة لم تتفق مع طموحاتهم.

كتب أحد الطلاب المجهولين أسماء عواصم دول أفريقية في دفتره خلال حصة الجغرافيا.. المغرب: كازابلانكا، إثيوبيا: أديس أبابا، السنغال: داكار، إلا عاصمة بلاده لم يذكرها، ربما لأنها كانت تتآمر في الوقت نفسه على أحلامه. الدمار في المطبخ الملحق بالكنيسة الذي ترك على حاله منذ المجزرة، ليس بحاجة إلى تعليق.

بقعة دم كبيرة بلون أحمر غامق تنطق بهول المأساة. تشرح المرشدة في مركز نتاراما «تسلى المعتدون بقتل الرضع برميهم على الحائط، وقررنا الإبقاء على الآثار كما هي». وعلى حائط آخر تحيط به الشجيرات خارج الكنيسة، نقشت أسماء بعض الضحايا على لوحة معدنية، تذكّر بأن من حصدتهم آلة الموت ليسوا مجرد أرقام، بل بشراً سُلبوا حقهم في الحياة.

Email