تقارير

سد النهضة الإثيوبي.. مواقف متغيّرة وجدل مستمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

«مياه النيل» مسلسل لا تنتهي حلقاته ما لم ينته الخلاف بين دول المنابع ودول المصب، ويتم التوافق والتراضي على الحقوق المكتسبة في ما بينها، هكذا يقول الخبراء عندما تطفو الخلافات الكامنة بين دول حوض النيل على السطح، التي تمثل فيها دولتا مصر والسودان معسكر المصب، بينما تمثل أوغندا، إثيوبيا، الكونغو الديمقراطية، بوروندي، تنزانيا، رواندا، كينيا وجنوب السودان المنضمة حديثاً معسكر المنابع، ونشب الخلاف على أشده بين دول المنابع ودولتي المصب، عقب توقيع كل من «أوغندا، إثيوبيا، كينيا، رواندا، وتنزانيا» على اتفاقية عنتيبي، التي تنص على الاستخدام المنصف المعقول لمياه النيل، والمساواة بين دول الحوض، الأمر الذي يؤثر تلقائياً في حصتي مصر والسودان وفقاً لاتفاق 1959، ولهذا قوبلت اتفاقية عنتيبي بالرفض من كليهما، ولا يزال الملف رهن الخلاف، وفي ما يلي حوض النيل الشرقي خلاف مكتوم، يحذر الخبراء من انفجاره بين دول مصر ، السودان وإثيوبيا، بعد خطوات إثيوبيا العملية في إنشاء سد النهضة على النيل الأزرق، ورغم أن موقف السودان من هذا الخلاف تشوبه بعض الضبابية غير أن تصريح الرئيس السوداني عمر البشير خلال الأيام الماضية بأن بلاده تؤيد قيام السد أزال الغموض حول الموقف الرسمي للحكومة السودانية، وأفقد الجانب المصري السند السوداني ضد الإصرار الإثيوبي على قيام السد.

خلاف التوصيات

ويواصل وزراء ري كل من مصر والسودان وإثيوبيا، اجتماعاتهما بعد غد في الخرطوم، لتجاوز الخلاف الإثيوبي المصري حول تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية الخاصة بدراسة الآثار المترتبة على إنشاء سد النهضة، بعد أن فشل اجتماعهم السابق، والذي عقد بداية نوفمبر الماضي، في التوصل لاتفاق على تكوين اللجنة المشتركة لتنفيذ توصية لجنة الخبراء الدولية بشأن الأضرار المحتملة من قيام السد.

وحول خلافات دول حوض النيل الشرقي، يقول الأمين العام لحزب الأمة السوداني ومؤلف كتاب الصراع حول المياه في حوض النيل.. من يدفع الثمن؟ د. إبراهيم الأمين في تصريح لـ «البيان» إنه، وعندما فكرت مصر في إنشاء السد العالي، كانت مصلحة مصر هي المحرك الأساسي للحكومة المصرية، في الوقت الذي كانت حكومة السودان في الموقف الأضعف في اتفاقية 1959، فحققت مصر إنجازاً ضخماً بقيام السد العالي. ويشير إلى أن إثيوبيا بدورها رفضت، شأنها شأن بقية دول المنابع، اتفاقيات 1959، 1929، و1902، واعتبرتها اتفاقيات تمت في عهد الاستعمار ولم تكن منصفة، وكانت إثيوبيا أكثر دول المنابع تحركاً في هذا المجال لأسباب موضوعية، بحسب الأمين، حيث إن 86 % من مياه النيل تأتي منها، ويضيف «يقال بأن إثيوبيا نافورة أفريقيا، لوجود عدد من الأحواض غير حوض الأزرق».

ويمضي د. الأمين في القول: إن حدوث مجاعة في المناطق الغربية لإثيوبيا المتاخمة للسودان، وعدم وجود أراضٍ زراعية واسعة، دفعت رئيس الوزراء السابق ملس زيناوي للاتجاه إلى أن تكون بلاده مصدراً للطاقة، لا لأفريقيا فحسب، بل لأوروبا والشرق الأوسط، وقدم في ذلك مشروعات يرجع بعضها لعام 1964، ولكن الجديد فيها أن تغير السد إلى سد الألفية، بعد أن كان يسمى بسد الحدود بسعة تخزينية 14 مليار متر مكعب، حسب المشروع الأميركي الذي وضع سنة 1964، وبالتالي حدثت زيادة في السعة بنسب متفاوتة إلى أن وصلت إلى 74 مليار متر مكعب، ويشير الأمين إلى أن إنشاء سد الألفية يعني أن مياه النيل الأزرق سوف تتحكم فيها إثيوبيا.

إيجابيات وسلبيات

ورغم أن هناك مخاوف سودانية بشأن قيام سد النهضة، إلا أن إبراهيم الأمين يشير إلى أن هناك إيجابيات كثيرة يمكن أن يجني ثمارها السودان، ويضيف «أي سدود إثيوبية في المنابع سيكون مردودها على السودان إيجابياً، فعندما أنشأت إثيوبيا سد تاكيزي أثر تأثيراً كبيراً في سد القربة في السودان وقيام مثل هذه السدود في إثيوبيا تحمي السدود السودانية بتقليل الطمي ومنع حدوث فيضانات، وستوفر مياه للري طيلة العام»، غير أن الأمين أشار إلى بعض الآثار السلبية التي يمكن أن تنعكس على السودان، وتتمثل في تأثير السد على حصتي مصر والسودان في قيامه بهذا الحجم في فترة زمنية قصيرة، إلى جانب أن المنطقة التي يقوم عليها السد منطقة زلازل بحسب الخبراء، ما يثير المخاوف من انهيار السد، لا سيما أن شركة ساليني التي تنفذ المشروع سبق أن قامت بإنشاء سد انهار في ظرف عام. ويرى مؤلف كتاب «الصراع حول المياه في حوض النيل .. من يدفع الثمن؟» أن المصلحة السودانية تقتضي أن تقول الخرطوم نعم لقيام سدود في إثيوبيا، ويضيف «لا يمكن بأي حال أن يساند السودان قيام السد مساندة مطلقة مع إيماننا بحق إثيوبيا في التنمية، ولكن يجب أن تكون مصالح السودان هي المحرك الأساسي في القضية، ويجب أن يتم التفاهم مع دولة إثيوبيا على مراجعة الدراسات، وأن يكون التخطيط بمشاركة كل من الدول الثلاثة وضرورة الاتفاق على المشاركة في التشغيل وفق مصالح الشعب السوداني، وأن يكون للسودانيين مشروعات تحقق حلم السودان، كما حدث لإثيوبيا ومصر».

Email