رئيس مجلس إدارة وكالة الصحافــــة الفرنسية في حوار لـ«البيان»:

الإعلام مُطالب بدحض خطاب الكراهية وبناء ثقافة السلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال فريس فابريس، رئيس مجلس إدارة وكالة الصحافة الفرنسية، إن ظاهرة الإسلاموفوبيا خطر يتهدد العالم كله عبر التربص بالسلام والأمن العالميين، داعياً إلى ضرورة دحض خطاب الكراهية وبناء ثقافة السلام.

وشدد في حوار لـ «البيان» على هامش أعمال الدورة الثامنة عشرة لمنتدى الإعلام العربي في دبي، على أن وسائل الإعلام مدعوّة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تنفيذ استراتيجيات تضمن مواجهة التحديات وترسيخ قيم التسامح وتفعيل منصاتنا الإعلامية، لتكون وسائل للتنوير والتصدي لآفة الإرهاب والتطرف بصورة استباقية. كما ركز على ضرورة مواجهة الأخبار الكاذبة والشائعات التي تُنشر على مواقع التواصل، فلها دور كبير في صناعة الأزمات والصراع بين الأفراد والمجتمع، حيث إن هذه المواقع متاحة لكل الأفراد ومجانية، مؤكداً أن الابتعاد عن الإثارة والبحث عن مصداقية الخبر كفيلان بمواجهة كل الأخطار، فيما انتقد بشدة «فيسبوك»، لسماحه للمتطرفين باستخدامه في التشهير بمجزرة نيوزيلندا، داعياً إلى ضرورة وضع ضوابط لمنشورات المتطرفين والإرهابيين. وإلى نص الحوار:

 

إن نظرتنا إلى الواقع الراهن تشير إلى غياب استراتيجيات إعلامية فعّالة لمواجهة أنماط الفكر المتطرف والإرهابي، ما تعليقكم على ذلك؟

من المؤكد أننا اليوم في أمسّ الحاجة إلى تفعيل منصاتنا الإعلامية، لتكون وسائل للتنوير والتصدي لآفة الإرهاب والتطرف بصورة استباقية، نحن أمام معضلة حقيقية، إذا تطرقنا إلى دور الإعلام في مواجهة عمليات العنف والتطرف والإرهاب بكل أشكاله، سواء فكري أو عملياتي، فالمطلوب ألّا يسخّر الإعلام أدواته للترويج لفكر التنظيمات الإرهابية. ومن هنا، فالمطلوب هو التركيز على الدور التنويري للإعلام في مواجهة الإرهاب والعمل على تعريفه الدقيق وتشخيصه لتلك الظاهرة، فقد حان الوقت لدحض خطاب الكراهية وبناء ثقافة السلام وترسيخ قيم التسامح.

إجمالاً، على الإعلام أن يتناول كل أبعاد ظاهرة الإرهاب بطرق فقهية وعلمية واجتماعية وأمنية وثقافية وفكرية، وعدم الاكتفاء بدور واحد فقط، فكل الأدوار مكملة لبعضها في عملية مواجهة الفكر المتطرف، وعلى الإعلام أيضاً الاستفادة من تقنيات الإعلام الحديث في بث المعلومة، بهدف التأثير في الرأي العام وتوعيته وتوجيهه وتنمية العقول والأفكار.

 

وضع ضوابط

ولكن ألا ترون أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت منصة لعدد من المتطرفين لنشر أفكارهم، وخير دليل على ذلك ما حدث في مجزرة نيوزيلندا؟

لا شك أنني مستاء جداً من نشر «فيسبوك» مقاطع فيديو لمجزرة نيوزيلندا ونشرها خطاب الكراهية، فهذا الأسلوب مرفوض، ومن واجبنا الدعوة إلى منع نشر خطابات المتطرفين والإرهابيين في منصات التواصل الاجتماعي، لكن مع الأسف ليس هناك ضوابط، فهي مجانية ومتاحة للجميع، ومع ذلك يجب العمل على منع استغلالها من المتطرفين لنشر خطاب الكراهية، فظاهرة الإسلاموفوبيا خطر يتهدد العالم كله، عبر التربص بالسلام والأمن العالميين، وحان الوقت لدحض خطاب الكراهية وبناء ثقافة السلام.

تقارير كثيرة ألقت المسؤولية على عاتق رؤساء شركات التكنولوجيا العملاقة ومستخدمي منصاتهم الاجتماعية في عدم الإبلاغ الفوري عما نشره الإرهابي قبل قيامه بمذبحة المسجدين ببضع دقائق، وأعادت حادثة نيوزيلندا احتدام النقاش في الآلية المتبعة على مواقع التواصل الاجتماعي لمراقبة المحتوى المنشور عليها، وتحديداً محتوى البث المباشر الذي يمر عادة دون مراقبة حتى للثواني الأولى.

بودّي أن أعطي مثالاً عن «يوتيوب»، فإذا ما تم إدخال كلمة الإسلام والقيام بالبحث، ستجد من يتحدث عن الكراهية، وتجد من يتحدث عن الإسلام الحقيقي، وتجد أيضاً من يتحدث عن التسامح بين الأديان، فلماذا لا نعمل جميعاً على توحيد الخطاب لإظهار حقيقة الإسلام بما يسهم في نبذ الكراهية والتطرف، لذلك أدعو إلى ضرورة تفاعل المسلمين ومؤسساتهم مع المجتمع الغربي بصورة أفضل، ليقدموا الصورة الصحيحة للإسلام الذي يدعو إلى التعايش والتسامح والوسطية والاعتدال والمحبة والسلام، وإظهار السلوك الحقيقي، مما يؤدي إلى تغيير نظرة الآخر، فالإسلاموفوبيا أصبحت ظاهرة عالمية لها تداعياتها وانعكاساتها وأضرارها على حقوق المواطنين المسلمين وأمنهم وسلامتهم في الدول خارج العالم الإسلامي، فهي ظاهرة تتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإعلانات والعهود الدولية ذات الصلة، ولا يمكن أن ننسى أن المهاجرين عانوا كثيراً من خطابات الكراهية، لذلك فلا بد من محاربة هذه الظاهرة الخطرة، ليس لأنها تستهدف الإسلام والمسلمين فحسب، وإنما تستهدف القيم الإنسانية الداعية إلى الاحترام المتبادل والعيش المشترك والتسامح بين الأديان.


الإشاعات باتت وباءً

وماذا عن الأخبار الكاذبة والإشاعات، ألا ترون أنها أسهمت في تزايد الأزمات في العالم؟

الأخبار الكاذبة أصبحت وباءً، إذ حوّلت «الإشاعات» إلى ظاهرة ليس لها حدود، تنطوي على جملة من النظريات والقليل من الثوابت، إذ إن عدداً من الصحف والمواقع وبعض وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مع الأسف تلجأ إلى التشهير بحثاً عن زيادة عدد قرائها، وعلى الرغم من أن شبكات التواصل الاجتماعي أسهمت في ظهور ما يُعرف بـ«الصحفي»، فإن عدم توثيق الأخبار، وصعوبة التحقق من صحتها، وسلامة مصادرها، قد أسهمت في جعل شبكات التواصل الاجتماعي أداةً فاعلة في نشر الشائعات وسهولة تداولها، ومن ثمّ تصديقها والاعتقاد بصحتها، وبناء الأفكار والرؤى على أساسها. ومن ثم، فأمام الإعلام وظيفة رئيسة في هذه الحالة، وعليه أن يكون كاشفاً للواقع ومنيراً للجمهور، بمعنى أن يكون إعلاماً رشيداً ليبني المجتمع بناءً مستقراً، وإعلاماً يتجنب الإثارة وبث الفتن والتحريض، إعلاماً يقاوم شائعات مواقع التواصل الاجتماعي، الإعلام الموضوعي الرشيد هو الآلية الوحيدة لتحصين الرأي العام ضد الكتائب الإلكترونية التي تتبنى خطاب الكراهية.

 

خطة لمواجهة الأخبار الكاذبة

هل من خطة اعتمدتها وكالة الأنباء الفرنسية المعروفة بالمصداقية في الأخبار لمواجهة تنامي الأخبار الكاذبة في المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي؟

وضعنا في وكالة الأنباء الفرنسية ضوابط جديدة لمواجهة الأخبار الكاذبة، حيث تم توظيف 30 خبيراً لتدقيق الأخبار ومواجهة الأخبار الكاذبة والتمييز بين ما هو حقيقيٌّ وما هو كاذبٌ، وقررنا استخدام الوسائل التقنية والحديثة في رصد مصادر الشائعات وتتبعها، وتحديد مصادر الشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي ومروّجيها.

فمع الأسف، المنافسة بين المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والسعي نحو السبق الصحفي السببان الرئيسان اللذان أدّيا إلى تغليب ظاهرة المبالغة في الخبر، بحيث أصبحت الأخبار تلامس حد الكذب عن قصد أو عن غير قصد. وهنا أريد إعطاء مثالاً حدث أخيراً وأثار موجة من الجدل، إذ تم نشر صورة في عدد من الصحف العالمية تتحدث عن «داعشي» إلى جانب رجال من الأمن الفرنسي، ليتبين بعد ذلك أن الشخص ليس بـ«داعشي»، وإنما هو وسيط للسلام، ويوجد مع رجال الأمن البريطاني، وليس الفرنسي، فهذا المثال يعطي انطباعاً أولياً أن كل الصحف والمواقع تركض وراء السبق الصحفي، ولا تحرص على التأكد من المعلومة، مما أثر في مصداقيتها، فمن واجبنا، نحن الإعلاميين، أن نكون على المستوى، ولا ننزلق نحو الأخبار الكاذبة التي تبثها وسائل التواصل الاجتماعي، بل نمحّص الخبر أولاً قبل بثه، فنحن في خدمة المجتمع.

ولقد ركزت الدورة الثامنة عشرة لمنتدى الإعلام العربي في دبي على هذه الظاهرة، حيث بهرني مستوى الجلسات والموضوعات التي تم التطرق إليها، وكانت بالفعل دورة ناجحة بكل المقاييس.

 

العمل الميداني

أفاد فريس، خلال جلسة حول مستقبل وكالات الأخبار، بأن العمل الصحافي الميداني والاستقصائي الوسيلة الأكثر فعالية في التأكد من صحة الأخبار وإثباتها، وبالتالي التمكن من بثها للجمهور، مؤكداً أن أهم سلاح لمواجهة الأخبار الزائفة يكمن في الوجود على الأرض، وبحث الصحافي عن الحقائق بنفسه.

وقال إن وكالات الأخبار التقليدية ربما فقدت دورها كمصادر وحيدة للإفراج عن الأخبار، إلا أنها اكتسبت دوراً جديداً لا ينافسه فيها أحد يتعلق بقدرتها على الكشف والتدقيق في صحة الأخبار وبث الصحيح منها.

وأوضح أن الجيل الجديد مأخوذ بالصورة والفيديو، ما جعل وكالة الصحافة الفرنسية تستثمر في الصور والفيديوهات، لافتاً إلى أن صورة رئيسة وزراء نيوزيلندا وهي ترتدي غطاء الرأس تضامناً مع المسلمين في نيوزيلندا والعالم فاقت بأهميتها مئات الأخبار خلال الأيام الماضية.

Email