وزير الخارجية الفلسطيني غير متفائل بزيارة المبعوثين الأميركيين للمنطقة

المالكي لـ« البيان »: تهويد القدس دخل مرحلة الخطر

المالكي خلال حوار «البيان» معه

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من كونه رجل الدبلوماسية الفلسطينية، إلا أن وزير الخارجية د. رياض المالكي، لا يبدو متفائلاً حيال الجولة المرتقبة لوفد المفاوضات الأميركي إلى فلسطين والمنطقة العربية.

لكنه في الوقت ذاته، أشار إلى وجود فرصة للتعاون مع ممثلي الإدارة الأميركية، لإطلاق مفاوضات جادة، تفضي أخيراً إلى سلام حقيقي، غير أن هذا برأيه، لن يكون إلا وفق الاعتراف بحل الدولتين، ووقف الاستيطان، الأمر الذي تطلبه القيادة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات، وترفضه إسرائيل.

المالكي، ثمن في حوار خاص مع «البيان» مواقف الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية والأردن على جهودها، في تعزيز صمود أهل القدس، مشيراً إلى أن حكومة الاحتلال، بزعامة بنيامين نتانياهو، لن تفوّت الفرصة للتشويش على زيارة الوفد الأميركي المرتقبة، وستعمل جاهدة، لإعاقة المسعى الأميركي الرامي لإحياء المفاوضات.

المالكي تطرق إلى أحداث القدس الأخيرة، وجدد تأكيد القيادة الفلسطينية على أن العام 2017 سيكون بداية العمل الفعلي لإنهاء الاحتلال، لكنه قال إن الاحتلال لن ينتهي بـ«رمشة عين»، وفيما يلي نص الحوار:

ترقُّب

الكل يترقب زيارة طاقم المفاوضات الأميركي إلى المنطقة العربية ومنها فلسطين.. هل ترون ما يمكن البناء عليه للوصول إلى سلام حقيقي؟

لا شك أن الزيارة المرتقبة للوفد الأميركي، تحمل مبادرة جديدة لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، ومازالت الفرصة موجودة للعمل مع المبادرة الأميركية لإحياء العملية التفاوضية، شريطة اعتماد مرجعيتي الاعتراف بحل الدولتين، ووقف الاستيطان الاستعماري.

ويمكن البناء على هذه الزيارة لإنعاش عملية السلام، لكنها تحتاج لمواقف واضحة من الإدارة الأميركية، تجاه ما تمارسه إسرائيل على الأرض، وحتى تنجح هذه الجولة، فهي بالتأكيد تحتاج لتحديد مرجعيات وأهداف «صفقة القرن» التي كان أعلن عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال جولته العربية.

وهذا بدوره يحتاج إلى آليات للتنفيذ، وبمدد زمنية محددة، لكن علينا أن نتذكر جيداً في هذا المقام، أن إسرائيل اعتادت التشويش على مثل هذه الجولات، لمبعوثي السلام الأميركيين.

فهي تبادر دوماً للتصعيد على الأرض، من خلال الاقتحامات وهدم المنازل والاعتقالات، لخلق أجواء من التوتر، ضمن مساعيها لإفشال الجهود الأميركية للسلام، ووضع العراقيل أمامها، لأن إسرائيل تريد فقط الإبقاء على المفاوضات إلى الأبد، ودون نتائج.

طالما تحدثت عن حلول تحاول إسرائيل فرضها، ما هي الأمور المفصلية على أجندتها؟

موقف اليمين الإسرائيلي الحاكم في إسرائيل، بات واضحاً من خلال تصعيد إجراءات التهويد في القدس المحتلة، وتكثيف عمليات القمع والتنكيل، وانتهاج العقاب الجماعي، في محاولة لحسم موضوع القدس بشكل أحادي الجانب.

إسرائيل تعمل على جر المنطقة إلى دوامة عنف جديدة، من خلال محاولات فرض وقائع جديدة في القدس المحتلة، وتوفير الحماية لاقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، لتوتير الأجواء، قبيل زيارة المبعوثين الأميركيين، بغية فرض حلول تتسق مع السياسة الإسرائيلية.

طبيعة الرد

إزاء الإجراءات الإسرائيلية هذه، ما هي خطواتكم المقبلة وكيف سيكون ردكم؟

القيادة الفلسطينية، بلورت خطوات عملية للرد على الخطوات التصعيدية الإسرائيلية، وسيتم الإعلان عنها وتنفيذها، بناء على متطلبات المواقف، وتطورات الأحداث التي تسير نحو مزيد من التدهور، وسيتم إطلاع لجنة المتابعة العربية لعملية السلام، على صورة الأوضاع والتحديات التي تواجهنا.

ومن هنا، فإن المرحلة القادمة ستشهد تركيزاً على تعزيز الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، نتيجة للعدوان الإسرائيلي المتصاعد على الأراضي الفلسطينية، وسنتوجه للمجتمع الدولي مجدداً، وسنعمل بكل إصرار لنيل الاعتراف بنا عضواً كاملاً في الأمم المتحدة، لتعزيز مصادر القوة لدينا، بما يعيننا على بناء مؤسسات دولتنا.

في أي إطار تضعون الموقف العربي ومدى إسناده للقضية الفلسطينية؟

على الرغم من المتغيرات المتسارعة التي يواجهها الإقليم، إلا أن فلسطين مازالت قضية أساسية ومركزية للأشقاء العرب، ونحن سعداء بمستوى العلاقة مع مختلف الدول العربية، وفي ذات الوقت مازلنا نتطلع لتطوير هذه العلاقة، خصوصاً فيما يتعلق بمدينة القدس، وما تتعرض له من محاولات تغيير للوضع القانوني والتاريخي فيها.

وفي هذا الإطار نثمن مواقف كل من الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية والأردن على جهودها، في تعزيز صمود أهل القدس، أمام استهداف مقدساتها وفي المقدمة منها المسجد الأقصى المبارك، فمواقف هذه الدول التي ظهرت في أزمة القدس الأخيرة، مقدّرة ومثمّنة عالياً.

نحن نعمل على ترجمة المواقف السياسية العربية، المؤيدة للحقوق الفلسطينية، وإيجاد الآليات المناسبة لتحويلها إلى خطوات عملية، بما يعزز صمود أهل القدس تحديداً، ويمكّنهم من مواجهة إجراءات الاحتلال التهويدية، التي تستهدف بالأساس المسجد الأقصى المبارك، ومحاولات تقسيمه زمانياً ومكانياً.

التصعيد الإسرائيلي يستدعي الإسناد العربي للقضية الفلسطينية، ويتطلب استمرار وتطوير هذا الدعم، لمواجهة جولات تصعيدية إسرائيلية قادمة، كما أن تهويد القدس ومحاولات فرض المنظومة اليهودية فيها، يستدعي مزيداً من الاهتمام العربي، وتعزيز الصمود الفلسطيني.

ولذلك فنحن حريصون على تمتين العلاقات مع الأشقاء العرب والبناء عليها، والدفع بها إلى أعلى المستويات، وتعزيزها من خلال استمرار التشاور والتنسيق الدائم حيال مختلف القضايا.

جبهة القدس

أشرتم إلى جولات تصعيدية إسرائيلية قادمة، هذا يعني أن جبهة القدس لن تهدأ، كيف تستعدون لما هو آت؟

إذا أردنا أن ندخل في العمق، فمدينة القدس، تتعرض لأوسع عملية تهويد واستيطان ومصادرة منذ احتلالها، وهناك إخلال بالبنية الديموغرافية للمدينة، مع محاولات محمومة لفرض المنظومة اليهودية التوراتية عليها.

وهذا أمر غاية في الخطورة، هناك العديد من المنازل تم هدمها، وأخرى تمت مصادرتها وطرد سكانها منها، وإحلال المستوطنين مكانهم، وفي المسجد الأقصى المبارك هناك انتهاكات يومية، ومحاولات لهدمه وبناء الهيكل المزعوم مكانه، ناهيك عن الاقتحامات اليومية لساحاته، ومحاولات تقسيمه، كل ذلك يستدعي بأن يكون التنسيق الفلسطيني العربي على أعلى المستويات، لمواجهة إجراءات ومخططات الاحتلال، بتغير الوضع القائم في المسجد الأقصى.

ومن هنا تم إعداد برنامج عملي للتصدي لموجة التصعيد الإسرائيلية القادمة، وتشكيل خلية أزمة فلسطينية أردنية مشتركة، عقب زيارة ملك الأردن إلى فلسطين قبل أيام.

كيف تتابعون ملف الاستيطان الذي أدانته المنظومة الدولية لكنه تواصل على الأرض ولم يتوقف؟

- بعد القرار التاريخي لمجلس الأمن الدولي (2334) الذي اعتبر الاستيطان الإسرائيلي غير شرعي وطالب بوقفه، وعدم التزام إسرائيل بالقرار، سنعود من جديد لفتح هذا الموضوع، وبمستوى أعلى هذه المرة، ولكون المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية، مخالفة بالأساس للشرعية الدولية والقانون الدولي.

فلن نكتفي بوسم منتجات المستوطنات، بل سنقاطع هذه المنتجات، علاوة على مقاطعة السكان المستوطنين، وسنبدأ بإعداد «لائحة سوداء» بأسماء المستوطنين الذين قاموا بأعمال إرهابية ضد المواطنين الفلسطينيين، وسنعمل على فرض عقوبات عليهم، ومنها منعهم من دخول دول بعينها.

نحن نتعامل مع الاستيطان كمنظومة خارجة عن القانون الدولي، وهناك خطوات قانونية سنتابعها ضمن المجموعات الإقليمية والدولية المختلفة، خصوصاً وأن إسرائيل تخادع كل دول العالم بكل ما يتعلق بالاستيطان.

خصوصية 2017

كانت القيادة الفلسطينية أعلنت عن 2017 عاماً لإنهاء الاحتلال، ونحن الآن في النصف الثاني من العام دون أن تلوح في الأفق أية بوادر لإنهائه، ما المطلوب كي ينتهي الاحتلال؟

علينا أن لا نخدع أنفسنا، فالإعلان عن 2017 عاماً لإنهاء الاحتلال، لا يعني أنه مع نهاية اليوم الأخير من شهر ديسمبر المقبل، سيكون الاحتلال الذي بدأ قبل نحو 70 عاماً، قد انتهى!!..

ثم يأتي من يحاسبنا ويقول ها قد انتهى العام 2017 ولم ينته الاحتلال كما وعدتم!!.. بالتأكيد العام 2017 مهم جداً، وله خصوصية لمصادفة العديد من المناسبات الوطنية فيه، لكن الاحتلال لن ينتهي بـ«رمشة عين»، إنما إذا قمنا بمجموعة من الفعاليات، سنسرّع بإحداث التغيير المطلوب، بما يؤدي إلى إنهائه.

ولهذا كان 2017 هو نقطة الانطلاق الفعلي وبداية العمل لإنهاء الاحتلال، ونحن في وزارة الخارجية، كلفنا لجنة خاصة، لمتابعة هذا الأمر، ولدينا مجموعة من النشاطات في مختلف دول العالم، وكلها مرتبطة بالحدث ذاته، وفي حال كان لدينا قاعدة واسعة، تتفاعل معنا لتحقيق هذا الهدف، فسيكون بمقدورنا أن نضغط باتجاه صانعي القرار في العالم.

لإحداث التغيير الضروري، بما يعيننا أخيراً على إنهاء الاحتلال، لأننا ندرك بأننا لن نتمكن من القيام بذلك وحدنا، وفي هذا الإطار يمكن لنا الاستفادة من أخطاء إسرائيل وتحركاتها على الأرض، وما تمارسه من مخالفات للقانون الدولي، والشرعية الدولية.

الوضع الداخلي الفلسطيني كان في أسوأ حالاته، لولا أحداث القدس التي «لملمت الأوراق» بعض الشيء، هل مازالت الفرصة موجودة لاستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية؟

بكل صراحة الشعب الفلسطيني ملّ الحديث بموضوع المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، ومرد ذلك لأنه لم يلمس خطوات نوعية تخرجه من حالة الانقسام المستمر منذ عشر سنوات، لكن الرؤية واضحة للحل، من خلال التفويض الشعبي بانتخابات حرة وديمقراطية، وعلى الجميع أن يلتزم بالمشروع الوطني نحو فلسطين، فنحن فلسطينيون قبل أي شيء آخر.

ما هو مستقبل العلاقة مع إسرائيل، بعد وقف التنسيق الأمني وقطع الاتصالات معها؟

منذ قمة بيروت 2002، وطرح مبادرة السلام العربية، وإسرائيل تتهرب من التزاماتها، تجاه هذا الاستحقاق، ونحن نعتقد أن إسرائيل إذا استمرت في تنكرها للحقوق الوطنية الفلسطينية، ورفضها لحل الدولتين، وإجراءاتها التهويدية على الأرض.

فلن يكون هناك إمكانية للعلاقة معها، فلا يمكن لنا أن نتعامل مع إسرائيل كدولة احتلال، ترفض الدولة الفلسطينية، وبالتالي فالعلاقة مع إسرائيل تعتمد على ماذا تريد حكومة الاحتلال، وإن أرادت الاستمرار في اضطهاد الشعب الفلسطيني واحتلال أرضه، فعليها أن تتحمل كل ما ينتج عن ذلك.

توقيت

عزا مسؤول في البيت الأبيض توقيت جولة المبعوثين الأميركيين المنتظرة إلى ما تم مؤخراً من «عودة الهدوء والاستقرار للوضع في القدس» بعد موجة من أعمال العنف الشهر الماضي بسبب قيام إسرائيل بوضع بوابات إلكترونية على مداخل الحرم القدسي.

وقال المسؤول إن ترامب وجه بأن تركز المحادثات على إيجاد سبيل لعقد محادثات سلام ومحاربة «التطرف» وتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة وتحديد خطوات اقتصادية يمكن اتخاذها لضمان الأمن والاستقرار.

وساطة أميركية جديدة والآمال صفر

من حق المفاوضين الفلسطينيين ألا يُبدوا تفاؤلاً إزاء الزيارة المقبلة للمبعوثين الأميركيين إلى المنطقة، إذا كان الهدف من الزيارة تحريك ما تسمى عملية السلام واستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. وطالما أن البيت الأبيض أعلن أن هذا هو هدف الزيارة.

فإن أحداً لا يستطيع أن يدّعي التفاؤل بتحقيق نتائج في ظل العديد من المعطيات المتعلّقة بأحد طرفي الصراع وهو إسرائيل، وكذلك وهذا مهم جداً ما يخص طبيعة الدور الذي تلعبه الإدارة الأميركية التي لا تخفي انحيازها لإسرائيل.

المعطى الأميركي هذا واضح وبات من نوافل الأمور وبديهياتها، واضطر الجانب الفلسطيني لتجاوز هذا المعطى مسلّماً به، على أمل أن يستفيد منه لجهة الضغط على إسرائيل كي تلبي الحد الأدنى لاستحقاقات السلام، من خلال تجميد الاستيطان ووقف تصعيدها في القدس وانتهاكها للمقدّسات.

والموافقة على مرجعية عملية السلام، ممثّلة بالمبدأ الدارج فلسطينياً وإقليمياً ودولياً، وهو «حل الدولتين».

الجولة الأخيرة للمفاوضات المباشرة بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي جرت في أبريل عام 2014، لكن لم يحصل بعد ذلك التاريخ ما هو أكثر مواءمة مما كان قبله، بل إن السياسات الإسرائيلية باتت أكثر عدائية، والاستهدافات للأرض الفلسطينية عموماً والقدس والمقدّسات خصوصاً أخذت منحى أشد خطورة.

وفوق ذلك كلّه، يجاهر قادة إسرائيل برفضهم إقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن وأي حل وسط بشأن مدينة القدس.

على هذه الأرضية الوعرة يأتي المندوبون الأميركيون إلى المنطقة من أجل تمهيد الطريق لاستئناف المفاوضات. عدد الجولات التي قام بها وسطاء أميركيون على جبهة التسوية الفلسطينية الإسرائيلية يصعب إحصاؤه، في بعض المراحل كانت الجولات المكوكية لا تتوقّف، إذ لم يكن يمر أسبوع من دون حضور وسيط عيّنته الإدارة الأميركية لحمل هذا الملف المعقّد.

القيادة الفلسطينية اعتبرت 2017 عاماً مفصلياً خاصاً على صعيد العمل لإنهاء الاحتلال، وهو بالمناسبة العام الذي يقفل قرناً على صدور وعد بلفور البريطاني الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق. مائة عام مليئة بالمبادرات وجهود التسوية والرحلات المكوكية والمؤتمرات والقرارات.

لكنها هزمت أمام جرافة إسرائيلية تنهب الأرض للاستيطان وتهدم منازل الفلسطينيين، من دون خطوة عملية واحدة توقفها عند حد. فهل يستطيع وفد أميركي في بضعة أيام أو أسابيع أن يغيّر معطيات عمرها مائة عام؟ لن تكون هذه الجولة أفضل من سابقاتها، ولن تتجاوز الآمال المعقودة عليها صفراً

 

 

Email