« البيان » في الدولة الوليدة ..الأحلام تتلاشى"1"

جنوب السودان يفتقر البنية التحتية والخدمات

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

وجدنا جنوب السودان، بعد عامين من الانفصال، أو الاستقلال كما يسميه الجنوبيون، بلا بنية تحتية ولا خدمات، ولا كهرباء كافية، فالإنارة تتم عبر مولدات تعمل بالسولار.. فيما لا يزال المواطن الجنوبي يعاني من الإهمال الذي ترسخ على أرضه قبل أكثر من عقدين جراء الحروب المستمرة بينما لا تزال الدولة الأحدث في العالم تبحث عن ذاتها وتغالب أوجاعها.

وتعج شوارع جوبا عاصمة الجنوب السوداني بالـ«بودا بودا»، الدراجات النارية التي تعد وسيلة المواصلات الأكثر شعبية، حيث يعتمد عليها سكان المدينة وحتى الزائرين في تنقلاتهم اليومية في ظل ندرة سيارات الأجرة وغلاء أسعارها تبعاً لغلاء أسعار الوقود.

ولكن وزير الإعلام د. برنابا بنجامين، وهو أول وزير تقابله «البيان» في جولتها، أكد أن الجنوب سيخوض بإرادة شعبه وبمساعدة أصدقائه حول العالم معركة البناء والإعمار، وان ما يبدو من ضعف في البنية التحتية والخدمات نتاج طبيعي للإهمال الذي عانى منه الجنوب في ظل السودان الموحد وهو نتاج طبيعي أيضا لدولة ولدت منذ عامين في ظل حصار خانق من دولة شمال السودان.

مخاطر صحافية

ولكن يبدو أيضا ان العمل الإعلامي للصحافيين الزائرين للجنوب لا يزال محفوفا بمخاطر وتحديات كبيرة، رغم الجهود المخلصة التي تبذلها وزارة الإعلام لمساعدتهم في أداء مهامهم، إلاّ أنّ تعامل بعض منسوبي الأجهزة الأمنية او المتفلتين من غير القوات النظامية يمكن ان تعوق الصحافيين بسبب النظرة العنصرية او العرقية او بسبب الهواجس التي تنتاب البعض من التعامل مع وسائل الإعلام نسبة لحداثة التجربة.

في جوبا ممنوع التصوير في أي مكان خاصة إنْ كنت سودانياً شمالياً او كنت من أي دولة عربية كانت، وهذا المنع ليس رسميا بل هو غير مقنن يمارسه عشرات بل مئات من مجندي الشرطة او الأمن او الجيش او حتى من يدعون الانتماء زوراً الى إحدى هذه القوات التي تحمل مسميات مختلفة وصلاحيات متوازية أحيانا و«يا ويلك لو طلبت منه ان يخرج لك بطاقته الأمنية أو العسكرية».

هنا يختلط الحابل بالنابل، ففي جوبا اذا كنت ذا ملامح أوروبية او أميركية او حتى صينية او كورية فإنك تصور كيف تشاء حتى لو لم تكن تحمل بطاقة من وزارة الإعلام اما إن كنت سودانياً شمالياً او عربيا فعليك ان تتحمل المعاناة الصعوبات التي حتما ستواجهك.

منع رغم التصريح

ورغم انني كنت انا وزميل مهنة صحافي سعودي نحمل بطاقات صحافية صادرة عن وزارة الإعلام في جنوب السودان تمنحنا الحق في التصوير في أي مكان باستثناء المناطق العسكرية والحساسة بطبيعة الحال، الا أننا منعنا مرات عدة من تصوير مناظر عن الحياة العامة للناس في الأسواق والطرقات، ولكننا فلتنا مرات قليلة من هذا المنع ونجحنا في اصطياد بعض اللقطات التي تجدونها منشورة في هذه السلسلة من التقارير الصحفية، فأنا وزميلي السعودي محمد الغامدي ما جئنا الى جنوب السودان الا لننقل لقرائنا الأكارم بالصورة والقلم حقائق الأوضاع في هذه الدولة التي ولدت من رحم المعاناة.

عند مقبرة الزعيم الجنوبي الراحل د. جون قرانق ما ان التقطت بعض الصور حتى أسرع نحوي جندي من الجيش ومنعني وحاول مصادرة كاميرتي، وعندما أخرجت له البطاقة الصحافية التي تخول لي التصوير والصادرة عن وزارة إعلامهم أخذ ينظر في البطاقة بالمقلوب، فكتمت ضحكتي حتى لا أستفزه وقلت له انا صحافي وأمارس عملي بشكل قانوني أرجو ان تتصل برئيسك في العمل فاتصل بالفعل على احد العسكريين وكان لحسن حظي يمر حينها على نفس الطريق التي كنا فيه فقرأ البطاقة واعتذر لي بل أخذني بنفسه الى بعض المناطق لألتقط الصور التي أريدها.

وفي حادثة أخرى هذه المرة في استاد جوبا، حيث كان هناك حفل تكريمي يقام على شرف رئيس البرلمان جيمس وانيقا أصر زميلي ورفيقي هناك المصور في تلفزيون جنوب السودان SSTV فايز أكيج أن أذهب وزميلي الغامدي معه لحضور الحفل، فذهبنا معا وكانت هناك فرق للفنون الشعبية تقدم رقصات فلكلورية لقبيلة الأشولي ففوجئ الجمهور بنزول ضيف الشرف للرقص مع الفتاة التي كانت تقدم العرض وعندها نزلنا معه فصافحنا وأخذنا معه الى المنصة، حيث كان يجلس وتبادل معنا أرقام الهواتف وعدنا بعدها الى حيث كنا نجلس..

وعندما خرجنا من مكان الحفل أسرع أحدهم خلفنا استوقفنا وهو يصرخ في وجوهنا: «منو سمح ليكم تتكلموا مع زول (شخص) كبير» يعني المسؤول الكبير وهو رئيس البرلمان، وأصّر على إجلاسنا على الأرض الى حين إحضار سيارة لتأخذنا الى السجن حسب قوله فرفضت انا وزميلي السعودي الجلوس فهددنا بالضرب، فقال لنا زميلنا المصور الجنوبي أن علينا إطاعة أوامره الى حين حضور الشخص الذي يرأسه وبالفعل جاء من يفترض انه رئيسه ولكنه لم يعتذر لنا مكتفيا بإطلاق سراحنا والسماح لنا بمغادرة المكان بعد ان اطلع على البطاقة الصحافية الصادرة لنا من وزارة إعلامهم.

عداء وترحاب

الذين ينظرون هذه النظرة العدائية لكل من هو شمالي سوداني او عربي هم المواطنون الجنوبيون الذي كانوا يعيشون في أدغال الجنوب ويحاربون منها دولة الشمال وأولئك الذين كانوا يعيشون في دول افريقية مجاورة مثل كينيا وأوغندا وإثيوبيا او دول غربية تمت تعبئتهم إعلاميا ضد كل من هو عربي او شمالي سوداني أثناء الحرب الطويلة بين دولتي السودان التي استغرقت في مجملها زهاء النصف قرن من الزمان.

أما الجنوبيون الذين كانوا يعيشون في شمال السودان في سنوات الدولة الموحدة فهم أكثر حميمية وقبولا للسودانيين الشماليين والعرب، فإذا قابلك احدهم سألك بشوق ولهفة عن الخرطوم وناس الخرطوم، ويحكي لك مباشرة كيف انه أمضى سنوات من عمره في الخرطوم او أي من مدن شمال السودان، وهؤلاء يقدمون لك خدماتهم بلا من ولا أذى بل بكل حب وحميمية، وهؤلاء أنفسهم ضحايا الانفصال، حيث ان أكثرهم يتذمر من طبيعة الحياة القاسية في جنوب السودان والتي لم يعتد عليها عندما كان في الشمال.

تصرفات فردية

صحيح ان ما تعرضنا له من مواقف صعبة وانتهاكات متكررة لا تخرج من سياق التصرفات الفردية من بعض النظاميين من قوات الأمن او الشرطة او الجيش او حتى من قبل بعض الثوار السابقين ولا ترقى الى تعميمه ولكن نسردها في سياق القصص والمواقف التي تعرضت لها «البيان» في رحلتها الاستطلاعية.

وأشار تقرير لمنظمة مراسلون بلا حدود لشهر يوليو 2012 بعنوان: «جنوب السودان بانتظار فتح درب الحريات في اصغر دولة في العالم» إلى أن المشهد الإعلامي في جنوب السودان يعاني من فراغ قانوني وغياب صارخ لإطار قانوني يمكن ممارسة مهنة الصحافة فيه.

ويقول الكاتب والمحلل السياسي كندي نيمايا ان تجربة الصحافة في جنوب السودان خلال العام ونيف بعد الاستقلال متراجعة وخجولة جداً عكس التوقعات المأمولة من قِبَل المراقبين، مشيرا الى ان الحكومة قد تتهم بالقصور الكبير في رفع وعي منسوبيها في الوحدات النظامية بخصوص التعامل مع الصحافيين.

واستشهد نيمايا بأحد الانتهاكات التي لا تخرج من سياق التصرفات الفردية من بعض النظاميين منها ما حدث للإعلامي مدينق نقور مقدم برنامج جوبا ويكاب داخل المجلس التشريعي القومي عندما مزّق حراس البرلمان بنطاله بطريقة مهينة ورميه للخارج أمام عدد من زملائه العام الماضي.

ولم تقدم وزارة الإعلام للوفد الزائر سوى بطاقة صحافية لم تمنع عنا أذى الآخرين، فكل اللقاءات التي طلبناها لم ترتب او تحدد مواعيدها، ورغم أننا يوم وصولنا كنا قد طلبنا من وزير الإعلام برنابا بنجامين المساعدة في ترتيب موعد لإجراء حوار صحافي مع الرئيس سلفا كير ميارديت ليكون أول حوار له مع صحيفة خليجية فضلا عن مقابلة وزيري النفط والاستثمار، ورغم اتصالات «البيان» المتكررة على مكتب الوزير لتحديد مواعيد تلك الحوارات الا ان كل المحاولات باءت بالفشل..

وهذا كان حال صحافي من نيجيريا كان يقيم في ذات الفندق وجاء خصيصا لإجراء مقابلات مع قادة البلاد الا انه فشل في ذلك بعد ان أمضى خمسة أيام في مطاردة المسؤولين في وزارة الاعلام لترتيب اللقاءات التي طلبها، فرجع الى بلاده بعد ان ودع الفندق بقوله: «اذا استمر الحال هكذا في جنوب السودان فان بترولها سيكون مثل بترول نيجيريا التي يعيش غالبية مواطنيها تحت خط الفقر رغم غناها بالنفط بإضعاف نفط الجنوب».

 

جولة على «البودا بودا».. والكاميرا والروح على الأكتاف

حملت كاميرتي وأخذت أتجول في أرجاء العاصمة جوبا على متن «البودا بودا»، التي كانت تشق الطرق بين ارتال السيارات القادمة والذاهبة في الاتجاهين، كان ينتابني شيء من القلق من أن تصدمنا إحدى السيارات، سيما وان أكثر حوادث السير في هذه البلاد ناجمة عن «البودا بودا»، التي يقودها في الغالب سائقون شبان أفارقة، معظمهم من كينيا وأوغندا، إلى جانب أبناء المدينة نفسها، وهم يقودون تلك الدراجات بسرعات جنونية، ينتج عنها العديد من الحوادث، التي يروح ضحيتها قتلى وجرحى يوميا، دون وضع حد لهذه الظاهرة.

من الصعب أن يرى زائر جوبا في شوارعها سيارات تاكسي بالمعنى المتعارف عليه عالميا، فمعظم السيارات المستخدمة في نقل الأشخاص هي سيارات خاصة غير مخصصة للعمل كتاكسي، ولكن أصحابها يستخدمونها في نقل الأشخاص مقابل مبلغ معين يتم الاتفاق عليه بين صاحب السيارة والراكب.

وتتواجد «البودا بودا» بكثافة كبيرة قرب جامعة جوبا ومقار الوزارات والأسواق والمكاتب الحكومية والفنادق، حيث يزداد إقبال المواطنين عليها.

 

أول زيارة

1

أكد وزير الإعلام د. برنابا بنجامين لـ«البيان» أنها أول صحيفة خليجية تزور جنوب السودان منذ الاحتفال الأول باستقلاله قبل نحو عامين.

 

انفراج

الخرطوم وجوبا توقعان على وثيقة تنفيذ الاتفاق الشامل.. وضخ النفط خلال أسبوعين

وقع السودان وجنوب السودان على وثيقة تنفيذ اتفاقيات التعاون التسع الموقعة بين البلدين في وقت سابق في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا والتي تتضمن السماح باستئناف ضخ الجنوب لنفطه عبر الشمال في غضون أسبوعين.

وقال وفد الحكومة السودانية المفاوض في بيان نقلته وسائل الاعلام الرسمية أمس إنّ «التوقيع على هذه الوثيقة المهمة يأذن بتنفيذ الاتفاقيات بين البلدين في كافة المجالات والتي تشتمل على الترتيبات الأمنية والتعاون الاقتصادي خاصة فيما يتعلق بتصدير نفط جنوب السودان عبر السودان بالإضافة لحركة المواطنين ومعاملتهم في البلدين و التجارة والتعاون المصرفي».

وأكّد البيان التزام حكومة السودان بتنفيذ المصفوفة وفقا للبنود والتوقيتات الزمنية الواردة بها وفقا لمبادئ حسن النية والتعاون البناء وحسن الجوار.

ومن جهته قال الوسيط الافريقي ثابو مبيكي في تصريح نقلته وكالة الانباء السودانية ان «السودان وجنوب السودان اتفقا على إصدار أوامر لاستئناف تصدير النفط الجنوبي عبر خطوط انابيب في اراضي السودان في غضون اسبوعين».

وأبلغ مبيكي الصحافيين أن الاوامر ستصدر إلي الشركات في غضون اسبوعين لاستئناف ضخ النفط. وتؤكد نسخة من الحدول الزمني حصلت عليه «رويترز» ذلك الموعد الذي بدأ من تاريخ العاشر من الشهر الجاري. وجاء فيها: «يتم استئناف الإنتاج في أقرب وقت ممكن وفقاً للاعتبارت الفنية».

ولم يحدد الاتفاق تاريخا لتقرير الوضع النهائي لمنطقة أبيي المتنازع عليها وهي محور التوتر المستمر بين الجانبين لكنه نص على تشكيل إدارة ومجلس للمنطقة بحلول 17 مارس الجاري أيضا. ومن المقرر أن يجتمع وزيرا داخلية البلدين في نفس التاريخ لبحث سبل فتح المعابر الحدودية وتسهيل حركة المواطنين بين البلدين حسبما ذكرت وكالة الأنباء السودانية.

وكان جنوب السودان اوقف كامل انتاجه النفطي الذي يبلغ 350 ألف برميل يوميا قبل أكثر من عام في خلاف مع الخرطوم بشأن رسوم مرور الصادرات. وجاء الاتفاق بعد محادثات استمرت لاربعة ايام برعاية افريقية لحسم الخلاف بشأن انزال اتفاق التعاون الشامل الذي ابرمه رئيسا البلدين لانهاء الخلافات بشأن ملفات فك الارتباط بين البلدين بعد انفصال الجنوب عام 2011. ولم يحسم الجانبان بعد الخلاف حول ترسيم الحدود ومنطقة ابيي النفطية المتنازع حولها

 

42

أعلن الجيش السوداني أن قواته تمكنت من قتل 42 متمرداً هاجموا منطقة سركم بولاية النيل الازرق الحدودية مع دولة جنوب السودان.

وقال الناطق الرسمي باسم الجيش الصوارمي خالد سعد في بيان أمس، أن قوات الجيش تصدت لهجوم قام به مسلحو الحركة الشعبية (قطاع الشمال) مرتين أول من امس على منطقة سركم في محاولة للاستيلاء على هذه المنطقة الهامة.

وأوضح سعد ان القوات المسلحة السودانية كبدت «المعتدين» خسائر فادحة بلغت 42 قتيلا وعددا كبيرا من الجرحى، إضافة لتدمير دبابة وعربتين واستسلام آخريين. وأشار إلى أن القوات المسلحة قامت بمطاردة المسلحين ومشطت مساحة واسعة لإبعادهم عن المنطقة تماماً.

يذكر ان القتال بين الحكومة ومسلحي الحركة لشعبية اندلع في سبتمبر 2011 بعد ثلاثة أشهر من اندلاع قتال مماثل بولاية جنوب كردفان بسبب رفض مقاتلي الحركة تسليم أسلحتهم بعد سنوات من الحرب الاهلية التي افضت الى انفصال الجنوب في يونيو من العام نفسه.

 

 

غداً

الحلقة الثالثة

بناء الدولة تواجه

تحديين خطيرين

 

 

 

 

 

 

 

 

Email