« البيان" » في الدولة الوليدة..الأحلام تتلاشى"1

جنوب السودان تبحث عن هويتها واستقرارها

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تعاني دولة جنوب السودان عموما من مجموعة أزمات خانقة تهدد مستقبل الدولة الوليدة التي لم يبلغ عمرها العامين بعد، أهمها الحرب التي يقودها عدد من المتمردين على السلطة الحاكمة، والنزاعات القبلية التي تندلع هنا وهناك من وقت لآخر، واحتمالات اندلاع حرب شاملة وواسعة النطاق بين شمال وجنوب السودان فضلا عن الوضع الاقتصادي المتردي الناجم عن وقف تدفق النفط بسبب الخلافات المعقدة بين دولتي السودان ومشكلات سوء الإدارة وتفشي الفساد السياسي والاقتصادي ما يعزز ما ذكرته بعض التقارير الصحافية الغربية من وصف الدولة بأنها فاشلة.

خلال جولتها الاستقصائية ولقاءاتها التي شملت النخب الثقافية والفكرية والمحللين السياسيين والاقتصاديين والأكاديميين والصحافيين وعامة الناس رصدت «البيان» طموحات الجنوبيين وأحلامهم التي صاغوها في نشيدهم الوطني إبان الانفصال عن الدولة الأم، والذي يتحدث عن بلاد اللبن والعسل.. الأحلام التي باتت على وشك التلاشي والانهيار كما يقول المحلل السياسي جيمس لوك، كما رصدت آلامهم وأوجاعهم وحالة البؤس التي تسيطر على قطاعات واسعة من شعب جنوب السودان.

وكان من أهم ما رصدته «البيان» في جنوب السودان هو حالة التغييب والتهميش الكامل للمسلمين الجنوبيين رغم ما يقال عن أنهم يمثلون ما بين 30 و35 في المئة من المواطنين حيث لا يوجد بينهم أي وزير اتحادي على مستوى الدولة ولا حتى ولائي على مستوى الولايات رغم ان بينهم مقاتلين سابقين من اجل استقلال الجنوب، وبينهم ايضا من هم أعضاء في حزب الحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان.

يقول أمين الاتصال الخارجي والتعليم بالمجلس الإسلامي لجنوب السودان موسى المك كور إنّ هناك من يعملون على إهدار حقوق المسلمين في الدستور الدائم من خلال تمثيلهم بعضوين في لجنة المراجعة الدستورية التي تتكون من أكثر من 78 في حالة التصويت والمصادقة النهائية عليها في البرلمان القومي، مشيرا الى أن مسلمي جنوب السودان يمكنهم المشاركة في الدفاع عن البلاد إذا تطلب الأمر شريطة عدم اعتبارهم مواطنين مستوردين من الخارج طالما أنهم شاركوا بأصواتهم في فصل الجنوب عن الشمال، مثمناً دور الذين شاركوا في النضال المسلح للجيش والحركة الشعبية لتحرير السودان.

وضع خانق

من جهته، قال المحلل السياسي جيمس لوك ان الوضع الاقتصادي خانق، فضلا عن تفشي حالات الفساد المالي والإداري والسياسي مما جعل جنوب السودان دولة فاشلة بكل المقاييس حيث اختارت الدولة ديكتاتورية الحزب الواحد، ويتم الإقصاء والتضييق على كل قوى المعارضة الحقيقية مع التعويل الكامل على الأجهزة الأمنية وغياب المساءلة والمحاسبة والشفافية، ما أدى الى استشراء الفساد بلا أي كوابح ومصدات.

وخلال جولات حول مدينة جوبا عاصمة الجنوب، بالـ «بودا بودا»، وهي الدراجة النارية وسيلة المواصلات الأكثر شعبية في جنوب السودان، رصدت «البيان» من خلال لقاءاتها مع الصحافيين ومن خلال المتابعة من داخل الدولة الوليدة تصاعد النزاعات الأهلية والقبلية ما حدا بنائب الرئيس د. رياك مشار الى السفر الى منطقة جونقلي لمدة يومين لمحاولة إطفاء حرائق إحدى هذه النزاعات هناك، ولعل هذا الوضع المتأزم في بعض مناطق الجنوب أجبر القوات الحكومية على الوقوف في حالة استعداد عسكري وطوارئ سواء على الجبهة الداخلية او على طول الحدود الممتد مع دولة شمال السودان وهو ما يستنزف الكثير من الأموال للصرف على القوات التي توضع في حال استنفار واستعداد دائم. وهذا يعني بالضرورة العجز عن تحقيق أي قدر من التنمية أو حتى النمو الاقتصادي، وهذا ما حدث بالفعل حيث يعيش الشعب الجنوبي ظروفاً معيشية مزرية، وتقبع الغالبية العظمى من السكان تحت خط الفقر.

وضع إنساني سيئ

أعلنت الحكومة المركزية عن وجود حالة مجاعة ببعض ولايات البلاد أدت إلى وفاة 11 شخصاً في ولاية شرق الاستوائية الأسبوع الماضي، فيما تواجه ولايات شمال بحر الغزال واراب والبحيرات وجونقلي نقصاً حاداً في الغذاء ينذر بكارثة وشيكة قد تشمل بقية الولايات .

وفي خضم هذه الأجواء، حذرت كل من منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي التابعتين للأمم المتحدة من ان خطر الجوع يهدد الملايين من سكان جنوب السودان هذا العام بسبب الصراعات ونزوح السكان وارتفاع أسعار الغذاء واعلنتا ان عدداً من لا تتوافر لهم إمدادات غذاء آمنة ارتفع من 3.3 ملايين شخص في العام 2011 الى 4.7 ملايين العام الحالي وان من بين هؤلاء نحو مليون شخص عرضة لنقص شديد في الأمن الغذائي وان هذا العدد قد يتضاعف اذا استمر القتال وارتفاع الأسعار.

كانت هذه التقارير مروعة بالنسبة لـ «البيان» ولكل صحافي يزور الدولة حاليا، ففكرت مليا في تغيير خطة مهمتي الصحافية الى البحث في الجانب الاقتصادي لاستجلاء حقيقة تلك التقارير وردود الحكومة عليها، غير ان كل جهودي للحصول على إجابات من هؤلاء الوزراء باءت بالفشل، غير أن وزير الشؤون الإنسانية وإدارة الكوارث جوزيف لوال اشويل كان الوحيد الذي تصدى لشرح أبعاد الأزمة الاقتصادية والإنسانية في الدولة الوليدة فقال إن البلاد بحاجة إلى 1.2 مليار دولار لتوفير الغذاء لإنقاذ الوضع، مشيراً إلى أن هنالك ضعفاً في استجابة المنظمات الدولية للنداء رغم إلمامها بخطورة الموقف الإنساني منذ يوليو من العام الماضي.

وجدد الوزير نداءه إلى تلك المنظمات والتجار بضرورة تقديم العون، ولكنه أشار في المقابل الى جملة من المشكلات التي قال إنها تواجه المنظمات في توصيل المساعدات، تتمثل في وعورة الطرق وعدم وجود الجسور المؤدية إلى تلك المناطق مؤكداً سعي الحكومة لحل أزمة الغذاء بالبلاد في إطار خطتها الخاصة بإعلان خلو جنوب السودان العام 2014 من الجوع.

ويقول الصحافي الجنوبي المعروف الفريد تعبان ناشر صحيفة «الخرطوم مونيتر» الناطقة بالانجليزية سابقاً التي بات اسمها «جوبا مونيتر»: «حالياً الوضع الاقتصادي والسياسي سيئ.. فقط الانفصال هو الذي تحقق ولا شيء غير ذلك. كنا نتوقع وضعاً اقتصادياً أفضل ونظاماً سياسياً أكثر تطوراً ولكن مع الأسف لم يتحقق شيء يذكر.... هناك صراعات ومشاكل قبلية ومصاعب اقتصادية، وما تحقق للمواطن الجنوبي بعد الانفصال ضئيل جداً».

ومضى تعبان قائلاً إنّ «الانفصال لم يكن خطأ لأن القرار في النهاية كان تعبيراً عن رغبة الأغلبية والمواطن الجنوبي كان مع قرار الانفصال تماماً ولكن الذين جلسوا علي كراسي السلطة هنا كانوا أقل قامة من تطلعات الجماهير والآن الوضع أصبح أكثر سوءاً». وأضاف ان الحل لكل المشاكل هو قيام نظام ديمقراطي حقيقي في دولتي السودان ومن غير المتوقع أن تكون هناك حرب بين الدول الديمقراطية ولكن وجود أنظمة شمولية تخلق بيئة مناسبة للصراعات والفساد والحرب، «لذلك الحل هو إيجاد نظم ديمقراطية».

ومن جهته، قال الوزير والكاتب والمثقف الجنوبي المعروف د. لوكا بيونق دينق رئيس اللجنة الإشرافية المشتركة لمنطقة أبيي إن شعبي جنوب وشمال السودان هما اللذان يعانيان بشكل أكبر من توتر العلاقات بين البلدين، ورغم أن دولة جنوب السودان «قد تستطيع تحويل هذا الوضع إلى فرص جديدة، فإن السودان سيظل الجار الاستراتيجي لها».

وأضاف د. لوكا بيونق، هو أحد أبناء سلطان دينكا نقوك ذائع الصيت دينق مجوك، إن «إدارة العلاقات مع السودان ستظل أمرا ضروريا وحيوياً للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لدولة جنوب السودان بالأخذ في الاعتبار أن أكثر من نصف سكان دولة الجنوب يعيشون في ولايات تجاور السودان وأن أكثر من نصف حدودها الدولية متاخمة للسودان. بالإضافة إلى ذلك، تتقاسم الدولتان الرابط الطبيعي بينهما وهو نهر النيل العظيم والموارد المشتركة والعلاقات الاجتماعية».

 

مطار جوبا يفتقر إلى «سير العفش» منذ سنوات الوحدة

بدأت رحلة «البيان» إلى جمهورية جنوب السودان كأول صحيفة خليجية تزور الدولة الأحدث على الخريطة الدولية بمعاناة الحصول على تأشيرة الدخول من سفارتها في العاصمة السودانية الخرطوم، رغم الترتيبات المسبقة التي تمت مع مكتب وزير الإعلام في جوبا، وترحيب الوزارة بالزيارة، إلا أن القنصل قال إنه لا يعلم شيئاً عن تلك الترتيبات، وإنه لا يرغب في استقبال أي مكالمة من وزارة الإعلام في جوبا.

شعرت بأن مهمتي الصحافية فشلت قبل أن تبدأ، سألت سكرتيرة السفارة عما إذا كان هناك مستشار إعلامي فردت بالإيجاب، وأبلغته بوجودي، فاستقبلني ببشاشة وترحاب أزالا عني تأثير الصدمة، وأجرى اتصالاته مع السفير وحصل منه عن الموافقة على منحي تأشيرة الدخول وأكمل بنفسه إجراءات التأشيرة.

لا تقتصر مصاعب السفر إلى جنوب السودان على إجراءات تأشيرة الدخول فقط، إذ لا توجد للدولة الوليدة أي سفارات في دول مجلس التعاون الخليجي، ما يتطلب الحصول على التأشيرة من إحدى سفاراتها في الدول المجاورة السودان أو مصر أو كينيا أو أوغندا، بل يلزمك السفر عن طريق شركة الطيران الوحيدة التي تسير رحلات مباشرة بين الخرطوم وجوبا وهي شركة مارسلان التي تحتكر هذه الرحلات، وبالتالي ترفع من أسعار تذاكرها إلى 500 دولار للذهاب والعودة.

في مطار جوبا، عاصمة الجنوب السوداني التي وصلتها بعد رحلة استغرقت ساعة وعشرين دقيقة، كنت على موعد مع معاناة أخرى ليس سببها هذه المرة مسؤول جنوبي، بل الحالة المتردية لصالة المطار التي تفتقر إلى سير كهربائي لنقل العفش والحقائب، إلى جانب ضيق الصالة التي لا ترقى حتى إلى مستوى صالات المطارات الإقليمية، هنا أدركت مدى الظلم والإجحاف الذي تعرض له جنوب السودان من قبل الشمال، وأن الانفصال كان أمراً حتمياً، بسبب الإهمال الذي تعرض له الجنوب حتى على مستوى العاصمة جوبا ومطارها الدولي طوال سنوات الدولة الموحدة، إذ يصعب على المرء أن يتخيل مطاراً يحمل صفة دولي في السودان الموحد بغير سير لنقل العفش.

 

رسالة قطرية إلى الرئيس السوداني

تسلم الرئيس السوداني عمر حسن البشير رسالة خطية من امير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني تتعلق بدعوته للمشاركة في الدورة العادية الرابعة والعشرين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة التي ستعقد بالدوحة خلال شهر مارس الحالي.

 

وزير خارجية مصر يبحث مع وفد سوداني مؤتمر المانحين لدارفور في الدوحة

بحث وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو مع وزير الاستثمار السوداني مصطفى عثمان إسماعيل ورئيس السلطة الإقليمية في دارفور تيجاني سيسي ترتيبات مؤتمر المانحين لدارفور المقرر انعقاده في العاصمة القطرية الدوحة في الفترة من 7 إلى 8 إبريل المقبل .

وقال سيسي إن اللقاء جاء في إطار التباحث حول العلاقات المصرية السودانية بصورة عامة وخاصة في ضوء مؤتمر المانحين لدارفور في الدوحة، متوقعاً تنسيقاً قوياً مع مصر في هذا المؤتمر. وأشار إلى أن الوزير عمرو «أكد دعم مصر للشعب السوداني وقيام المؤتمر بصورة عامة ونحن أكدنا من جانبنا ضرورة وأهمية المؤتمر الذي يهدف إلى إعادة اعمار وتنمية دارفور وإعادة النازحين واللاجئين لقراهم ومناطقهم الأصلية إضافة للتنسيق بين البلدين في كافة القضايا الإقليمية والدولية».

وحول الأراضي التي قررت السودان تخصيصها لمصر وقوامها نحو مليون و200 ألف فدان قال سيسي إن الوفد سيلتقي الرئيس محمد مرسي ووزيري التعاون الدولي والاستثمار وسيتم بحث هذه القضايا مع هؤلاء الوزراء.

من جانبه، أكد سفير السودان لدى مصر كمال حسن أن الدور المصري أساسي وجوهري لمساعدة السودان، مشيراً إلى أن مصر بمنظماتها تشارك بصورة كبيرة في دارفور لتوفير المياه والخدمات الطبية إضافة لدعم السودان في كل قضاياه.

 

غدا الحلقة الثانية

لا بنية تحتية ولا خدمات.. ولا كهرباء كافية

Email