وزير الدولة السوداني د. أمين حسن عمر لـ « البيان »:

إما حكومة المؤتمر الوطني أو دخول بلادنا في فوضى شاملة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

رفض وزير الدولة السوداني الدكتور أمين حسن عمر وصف الاحتجاجات التي تجري في بلاده بأنها "ربيع عربي"، وقال إن ما حصل من احتجاجات متوقع من قبل بعض المواطنين المستاءين من الإجراءات التقشفية للحكومة وحاولت الأحزاب السياسية اختطافها وتوظيفها لأجندتها الخارجية، وهو ما لم تنجح فيه.

وشن عمر هجوماً كاسحاً على الأحزاب ووصفها بأنها طفيلية وانتهازية وتسعى لمصالحها الخاصة وان الشعب السوداني يدرك ذلك ولذلك انفض من حولها ولم يجاريها في التظاهرات التي خرجت من مقراتها والتي لم تتجاوز اعداد المشاركين فيها 400 شخص.

وأكد في حوار مع "البيان" خلال زيارة قام بها إلى الدوحة أن الحكومة السودانية لا تمانع في خروج تظاهرات سلمية يعبر أصحابها عن أرائهم في إجراءاتها، لكنها ستمنع عمليات التخريب وستتصدى لمحاولات إغلاق الطرق وهو واجبها. والسلطات لم تتدخل طوال الأيام العشرة الأولى وتصدت لها فقط عندما بدأت عمليات التخريب والحرق وسد الطرق. وأكد الوزير تجذر التيار الإسلامي في بلاده، وقال لا احد يمكنه إلغاء هذا التيار، لأنه غير قابل للإلغاء وانه إذا سقط الزمام من يد النظام الحالي لسبب أو لآخر فإن السودان سيدخل في فوضى عارمة "على حد تعبيره". وفيما يلي الحوار:

حسب مراقبين متابعين للشأن السوداني يبدو أن أجراس التغيير قد بدأت تدق في بلادكم مارأيك؟

ليس عندنا ربيع أصلاً نحن في فترة الصيف وما تتحدث عنه نماذج جاهزة ولا يمكن لظاهرة اجتماعية أو سياسية أن تنقل هكذا وكأنها خارطة معمارية تنقل وتنفذ فهذه فكرة سطحية فالتطورات في المجتمعات مختلفة، صحيح أن هناك تشابها في العالم العربي ولكن ليس هناك تطابق ولا يمكن تنظيم الأمور على وجه واحد، ومحاولة بعض الأحزاب استغلال تظاهرة احتجاجية هنا أو هناك للحديث عن التغيير والربيع محاولة سطحية وفاشلة.

ما الذي يجري في السودان إذن؟؟

الحكومة اضطرت لاتخاذ حزمة تقشفية اقتصادية صارمة والناس تعلم ماذا يحدث، فالسودان بلد موارده محدودة ولا أتحدث هنا عن موارده الكاملة والكامنة، إنما الموارد الظاهرة والتي تعرضت لصدمات خارجية قوية والأولى كانت عام 2009 عندما جاءت الأزمة العالمية، صحيح لم تؤثر علينا ماليا لأننا معزولون عن الأسواق المالية العالمية، لكنها أثرت علينا اقتصاديا وعلى عائدات النفط وامتصت الاحتياطيات التي كانت موجودة قبل اقل من سنة ونصف من الانفصال بسبب هبوط النفط من 100 دولار إلى 30 دولاراً .

وكانت صدمة كبيرة رافقها ارتفاع لأسعار السلع عالميا. ونحن نستورد السلع بدرجة واسعة اما للإنتاج أو الاستهلاك. والثانية كان الانفصال فقد كنا نعتقد أننا نفكر كسياسيين عقلانيين وان من مصلحة الجنوب أن نتفق معه على تسوية تحفظ مصالحه وتحفظ مصالحنا، واتفقنا على ذلك في المفاوضات قبل الانفصال من خلال إقامة دولتين قادرتين على البقاء والتقدم ولكن يبدو أن هناك مجموعات ضغط خارج السودان ومجموعات داخله أفلحت بتعطيل الاتفاق لدرجة اضرت بمصلحة الجنوب أكثر من الشمال. وكنا نهيئ أنفسنا لصعوبات.

ولكن ليس بهذه الدرجة وندرك أن لنا حقوقا وكل البنية النفطية في الجنوب تمت بموارد شمالية وتحملتها الخزينة السودانية، وترتب على ذلك ديون كثيرة. والناس يعتقدون أن مرور البترول مجرد أنابيب، انه يحتاج بنية تحتية والموجودة في شمال السودان كمصاف ومعابر وموانئ لا يمكن أن تقدم هدية للجنوب.

بعدها جاءت الحرب في "هيجليج " فزادت الأمر صعوبة من خلال الحرب والدفاع عن البلاد على مدى 2000 كيلو متر. ما اضطرنا إلى تحويل الأموال المرصودة للتنمية إلى الدفاع ثم ان التخريب الذي حصل في آبار البترول وبنيتها التحتية استندف 700 مليون دولار، وهذه مبالغ ضخمة بالنسبة للسودان، ما اضطرنا إلى حزمة اقتصادية قاسية وكنا نعلم أنها ستولد الاحتجاجات ولكن الحكومة مسؤولة ومستعدة أن تتحمل مسؤولياتها ونحن لا نخشى الاحتجاجات إذا كانت سلمية.

واذا كانت واسعة ضد سياستنا فهذا يجعلنا نراجع موقفنا ونحن لسنا نظاما استبداديا، بل ديمقراطي جاء عبر انتخابات نزيهة بشهادة العالم كله. اننا نعلم ان هناك مجموعات صغيرة مستاءة من سياسياتنا الاقتصادية ومجموعة كبيرة من الأحزاب الطفيلية تريد استغلال الموقف تنفيذا لأجندة خاصة.

وهناك خصوم كثيرون في الخارج يأملون أن يؤدي ما يحدث إلى تغيير النظام، لأن بعضهم خائف من نموذجنا الإسلامي ونحن لا نفرض أنفسنا ولا نريد الاحتفاظ بالسلطة ولسنا نظاما قهريا ولا أنموذجا تعسفيا، وما يشهده السودان من حريات وحقوق وحرية رأي وصحافة ليس له مثيل في المنطقة العربية.

تصاعد الاحتجاجات

قدمت توصيفاً لما يجري في السودان لكن في المقابل نرى أن طريقة معالجة الاحتجاجات من قبل الحكومة شبيهة بما جرى في تونس ومصر وليبيا في بداية الثورات هناك؟

هذا ليس صحيحاً.. ليس صحيحاً

دعني اذكر لك أمثلة فما قاله مساعد الرئيس السوداني في دعوته للمتظاهرين أن يلحسوا أكواعهم "قصة لحس الكوع" وأيضاً اتهام المحتجين بأنهم مدعومين من أميركا وإسرائيل.؟

هذا ما يعكسه الإعلام لأنه يريد أن يصنع شكلا من التشابه ، لقد استمرت التظاهرات عشرة أيام كاملة ولم تتدخل الشرطة بل ظلت تراقبها وعندما بدأت عمليات التخريب اضطرت الشرطة للتصدي لها. هناك 30 باص من حافلات الخدمة خربت بواسطة المحتجين والتظاهرات في العالم العربي كانت سلمية ...سلمية لماذا لم نسمع هذا الشعار في السودان ؟

ما أريد أن أقوله ان التظاهرات التي تعبر عن إرادة أو استياء شعبي تلقائي من إجراءات الحكومة محدودة جدا وأي شخص متابع حتى في خارج السودان يعرف من خلال الصور الخاصة بالتظاهرات أنها خرجت من مساجد الختمية أو الأنصار، وهذه مساجد قواعد حزبية معروفة.

لكن ليس لها قواعد شعبية مؤثرة. ومن يقول ان هناك ربيعا عربيا في السودان نسأله هل يعقل أن يحدث ذلك، من اليسار والقوميين والشيوعيين عكس ما جرى في بلدان الربيع العربي؟؟ انها قراءة خاطئة، فالتيار الإسلامي في السودان موجود وبقوة. ولو افترضنا أن الشعب غاضب من سياستنا فسوف نعلن عن انتخابات عامة وننتظر رأي الجمهور.

قلت ان التظاهرات استمرت 10 أيام وكانت سلمية ولم تتصدوا لها لكن النعوت التي أطلقت عليها من قبل رموز النظام زادت حجم الاحتجاجات؟

تلك معلومات قديمة ومساعد الرئيس قال عبارة لحس الكوع منذ شهور طويلة ولم يوجهها للمتظاهرين، نحن خطابنا واضح تماما وأي إنسان يريد الاحتجاج بطريقة سلمية نرحب به ولن نمنعه. ونحن لسنا خائفين من حدوث انقلاب شعبي ضدنا، كما أننا لسنا معزولين ونحظى بثقة الشارع السوداني.

الانتخابات

انت تقول انه إذا استمر الاستياء والرفض الشعبي من الإجراءات الحكومية ستذهبون إلى الانتخابات، ماذا تقصد؟

لا اتحدث عن رفض حزبي بل الرفض الشعبي.

هل ستذهبون حينها لانتخابات تشريعية أم رئاسية؟

لكل حادث حديث.. المغزى من هذا الكلام أننا لم نفرض أنفسنا على الشعب، وهناك آلية دستورية للعودة للشعب وسنستخدمها عند الحاجة.. آم أن تقول ان هناك رفضا شعبيا، أما أن يخرج حزب الأمة أوالاتحاد الديمقراطي وبعض المنشقين عليهما ، ويسيرون تظاهرة قوامها 300 شخص وتقول ان هناك استياء شعبيا، فهذا غير صحيح. فالتظاهرة مقصود منها إظهار رأي عام تجاه قضية محددة، وعندما تخرج تظاهرة 300 فيها أو 400 شخص فالرسالة التي تصل انه رغم الإجراءات القاسية التي اتخذتها الحكومة فالناس متفهمون لما حصل. والحكومة لا تسعى لفرض سياسة مرفوضة من الشعب.

فهي ستشاور الناس في البدائل لأنها لا تملك عصى موسى لحل المشاكل، فالموارد محدودة وندير أمورنا وفق الممكن وسياستنا ايجابية تتمثل بالتقشف في المصروفات، وفي واردات الدولة بصورة عامة، والتسعير الحقيقي للسلع والسياسة السلبية أن لا نفعل ذلك ونظل ندعم البترول بموارد الدولة ما يحدث تضخما ويجعل القيمة الحقيقية للنقود تقل. وسنصل إلى نتيجة أسوأ، نحن صارحنا الشعب بذلك وبالحقائق فالتضخم قفز في ستة أشهر إلى 20 بالمائة بينما كان لسنة واحدة 8 بالمائة؟

لكن خصومكم يقولون ان سياسيات الحكومة هي التي قادت إلى الأزمة ؟

من الطبيعي أن يقولوا ذلك، والعبرة ليست في الادعاءات بل في البرهان وأن يقولوا لنا ما هي السياسة التي أدت إلى ذلك ، وما هو البديل المقترح. نحن لا نسمع حلولا فقط نسمع اتهامات. هم حين يتحدثون عن الفساد مثلا يستندون في ذلك إلى ما تتقدم به الحكومة إلى البرلمان، أنا لا أقول ان حكومتنا منزهة مائة بالمائة وندعي انه بالمعايير الموجودة لا مقارنة بيننا وأي نظام في جوارنا أو بالشرق الأوسط ؟؟

الحوار مع المعارضة

هل ستقوم الحكومة بإجراء حوارات مع أحزاب المعارضة للخروج برؤية توافقية لمرحلة جديدة تخرج السودان من أزمته؟

الأحزاب ليست منخرطة في حوارات بل مشاركة في التظاهرات فالاتحاد الديمقراطي مثلا خرجت تظاهرات من داره رغم انه مشارك بالحكومة وحزب الأمة الذي يتظاهر فابن رئيسه مساعد لرئيس الجمهورية، أي أعلى هرم السلطة.

والحزب يتظاهر ضد الحكومة، وحزب الميرغني أيضا يشغل احد أبنائه منصب مساعد رئيس الجمهورية، بينما ابنه الثاني موجود في القاهرة مع المعارضة الخارجية، هذا هو وضع الأحزاب السودانية. هي أحزاب عشائرية، تنظر لمصالحها قبل مصلحة الوطن.

هل يعني انه لا حوار مع الأحزاب؟.

نحن نتحاور مع الأحزاب التي ترغب في ذلك ولكن الأحزاب نفسها منقسمة، فحزب الأمة لديه أمانتان، وحزب لا يستطيع إدارة حوار داخلي، كيف يمكنه ادارة حوار معنا؟. نحن ندير حوارا مع الحزبين الأمة والاتحادي وكلما نقترب منهما باعا يبتعدون ذراعا.

ماهي الإجراءات التي سوف تتخذونها لتهدئة الشارع؟

نحن لن نتخذ أية إجراءات فالذي يريد ان يعبر عن نفسه بطريقة سلمية سنسمح له بذلك وبكل حرية، أما الذي يريد التخريب فسنقابله بالقانون والدستور. والأحزاب التي تريد أن تخرج عن القانون والدستور سنقابلها بالقانون والدستور وبيننا وبينهم المحاكم.

لقد قرأت عن اعتقال1000 سوداني في يوم واحد، هذا كذب فقد جرى اعتقال عدد لا يتعدى 80 شخصاً. وليس من مصلحتنا اعتقال الناس، ولو نريد ان نعتقل أحدا فسوف نعتقل الكبار لا الصغار والحديث عن ألف معتقل تلفيق وشعبنا يدرك هذا جيداً.

هل تتوقع أن يهدأ الناس ويتفهموا إجراءات الحكومة؟

الأمور الآن هادئة ومن يقول غير ذلك فليراجع نفسه، فهناك تظاهرات خرجت من مقرات أحزاب سياسية ضد إجراءات الحكومة وانفضت.

نحن أو الفوضى

هل تعتقد أن أطرافاً خارجية تسعى باتجاه إثارة القلاقل والاضطرابات في الشارع السوداني؟

هناك أطراف خارجية تتمنى أن يحدث ذلك ولا نعتقد أن هناك غيرالترقب والتمني ولا نعتقد انه وصل إلى مرحلة التدخل .. ربما يهيئون أنفسهم للتدخل في مرحلة لاحقة والسفارات الغربية موجودة في الخرطوم وهي تدرك ما يجري وتستطيع أن تقرأ الواقع.. ربما تفاجأ إذا قلت لك انني شخصياً كنت أتوقع استياء أوسع واحتجاجاً شعبياً أكبر لأن الإجراءات التي اتخذت قاسية.

واعتقد أن احد الأسباب التي دعت الناس لعدم التعبير بصورة واسعة عن استيائهم هي اختطاف الأحزاب لهذه الفرصة وتجييرها لأجندتها الخاصة، فالناس تعرف أنها أحزاب سياسية طفيلية وانتهازية وليس لديها مشروع لاستقرار السودان وهي مع حركات متمردة وعميلة مرتبطة هي الأخرى بجهات خارجية أنا مطمئن أن الشعب لن ينساق وراءها. نحن نعلم طبيعة المشكلة التي نواجهها وسنتصدى سواء إذا ساعدنا الأشقاء والأصدقاء أو لم يساعدوننا فنحن سندبر أمورنا وسنعبر بجهدنا هذه المرحلة والذين ينتظرون أن يحدث تغييراً شاملاً في السودان واهمون، لأن التغييرات لا تحدث في السطح، بل يجب أن تحدث في العمق، والتيار الإسلامي متجذر في الحالة السودانية أكثر مما هو متجذر في أي حالة أخرى .

مما يسمى بدول الربيع العربي وما جرى في السودان حالة أرادت بعض الأحزاب ركوبها والجميع يعرف انه إذا سقط الزمام لسبب أو لآخر من يد هذه الحكومة حكومة المؤتمر الوطني- فسيدخل السودان في فوضى شاملة لأن لا أحد يستطيع أن يلغي التيار الإسلامي في السودان وهو غير قابل للإلغاء ولا أحد يستطيع إلغاءه.

 

Email