قوة التنظيم الإرهابي الحقيقية جاءت من الخارج

تحالفات القبائل وراء هزيمة «داعش» في ليبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدأ تنظيم «داعش» في الوصول إلى مدينة سرت الليبية أواخر عام 2014، مستندا إلى دعم جزئي من القبائل والجماعات التي كانت تتمتع بتأييد الرئيس الليبي المخلوع معمر القذافي، بيد أنه جرى استبعادها حالياً من نظام ما بعد الثورة، علماً بأن معظم قوة التنظيم الحقيقية جاءت من الخارج.

كان «داعش» قادرا على إحكام قبضته على البلاد، لأن ليبيا بلد ممزق ومحطم، فضلا عن افتقاره للعناصر الأساسية للحكم، تلك التي تحدد ملامح الدولة الفاعلة، إذ ليست هنالك وحدات جيش أو شرطة.

وبدلا من ذلك، تسيطر على البلاد مجموعة من الميليشيات، التي تقدم ولاءها للمدن والقبائل، أو لسماسرة السلطة. ويرجع جزء كبير من ذلك الاضطراب لإرث حكم معمر القذافي، الذي دام اثنين وأربعين عاما، ولكن إهمال المتابعة الدولية بعد ثورة عام 2011 يعد سبباً آخر لذلك أيضا.

فبعدها، في عام 2014، انحدرت البلاد لحرب أهلية بين الفصائل الشرقية والغربية، ليرى كلا الجانبين أحدهما الآخر على أنه تهديد أكثر إلحاحا من «داعش»، مما مكن التنظيم الإرهابي من الانتشار وأخذ زمام السيطرة.

وفي وقت مبكر من العام الجاري، تم التوصل في طرابلس، بوساطة الأمم المتحدة، إلى حكومة وحدة تهدف لسد الانقسامات. إلا أن تلك الحكومة تجهد لتوطيد سلطتها، ولا تزال غير معترف بها من قبل الفصيل الشرقي، المتحالف مع الفريق خليفة حفتر.

في أواخر عام 2015، بدأت الميليشيات المحلية في جميع أرجاء البلاد بالتصدي لتنظيم «داعش» داخل جيوب الأراضي التي يسيطر عليها، كدرنة وبنغازي في شرق البلاد، وفي البلدة الساحلية صبراته في الغرب. وخلال شهر مايو الماضي، أطلقت حكومة الوحدة حملة «البنيان المرصوص» لطرد «داعش» من سرت، التي هي قاعدة التنظيم الأقوى والأكثر استراتيجية.

وبعد إحراز بعض التقدم، تباطأ القتال، وكانت الخسائر الليبية فادحة، حيث تم قتل أكثر من ثلاثمئة شخص منذ بدء الهجوم. وفي مواجهة تلك الخسائر، طلبت حكومة الوحدة شن ضربات جوية أميركية ضد التنظيم في سرت، وقد تم إجراؤها في أول أغسطس الحالي.

ولكن في حين قد تكون القوى الغربية قادرة على المساعدة لإحراز التقدم العسكري، فإنها تواجه تحديا أكثر صرامة في تحقيق الوحدة بين الفصائل، حتى بين الميليشيات المختلفة التي ترابط في مدينة سرت. إذ تصل أعداد المقاتلين الليبيين في سرت إلى الآلاف، وتفرض حكومة الوحدة الوطنية السلطة الاسمية عليها، وحسب.

وبشكل كلي، ترفض بعض الميليشيات في سرت شرعية حكومة الوحدة، وهي تقاتل من أجل أسبابها الخاصة، وتصوغ تحالفات مع قبائل سرت المحلية لكسب النفوذ السياسي والاقتصادي.

وفي زيارة لأحد الميليشات في ليبيا، قال مقاتل: «ولد تنظيم (داعش) في العراق، ونشأ في سوريا، ومات في ليبيا»، وقد كان مختالا بكلامه هذا. بيد أن قائد خط المواجهة، وهو مهندس يدعى علي من مصراته، تحدث بيقين أقل، وأعرب عن حسرته لعدم وجود الدروع والخوذ التي تركت رجال الميليشيات عرضة للخطر.

(يبدو، منذ ذلك الحين، أن تلك الضربات الجوية الأميركية قد ساعدت بشكل كبير. وأخيراً، تقدمت الميليشيات بشكل أكبر إلى سرت.) على مشارف المناطق المحررة من سرت، نلاحظ تضاؤل الإمدادات الطبية والغذائية.

ففي أحد المستشفيات الميدانية المؤقتة، قال طبيب إن القناصة يشكلون تهديداً شرساً. بينما يجثم مقاتلو التنظيم المسلحون في المناطق الحضرية على المباني غير المكتملة والمشيدة من الطوب. في حين يتوارى آخرون في مخابئ بالحقول المفتوحة.

وتبرز المتفجرات كتهديد آخر، سواء كانت عبر الانتحاريين الذين يفجرون أنفسهم في السيارات التي تندفع مستهدفة نقاط التفتيش، أو تلك التي يتم إخفاؤها في فخاخ خلف الأبواب أو في صورة ألغام في الطرق. وقد جرى استخدام منزل يعود لأحد أقارب القذافي ليكون ورشة عمل للتنظيم، لتجميع العبوات الناسفة.

وفي جولة داخل المنزل الفخم، يمكن ملاحظة وجود قصاصات لشعار التنظيم، إلى جانب أدوات كهربائية، ومنضدة، وصناديق تخزين خشبية للصواريخ، ومراتب.

وفي غرفة أخرى رفوف تحوي قوارير زجاجية، وأكواب، إلى جانب مواد كيميائية متنوعة، كحمض الأسيتيك، وحمض الخليك، وهيدروكسيد الصوديوم، وكبريتات الصوديوم. وذكرت وسائل إعلام ليبية أن قوات الجيش سيطرت على حي 700 وحي 101 ومخازن للسلع الغذائية وسط سرت، إثر اشتباكات عنيفة مع التنظيم الإرهابي.

تضييق خناق

نقلت مصادر عسكرية في قوات عملية «البنيان المرصوص» إعلان القوات الليبية انتهاء العملية العسكرية التي استهدفت تحرير سرت، ورهنت إعلان النصر على التنظيم الإرهابي بالانتهاء من تطهير جيوب للإرهابيين.

وأفاد المركز الإعلامي لعملية "البنيان المرصوص" أن سيطرة «داعش» باتت تقتصر عملياً على حي واحد فقط. وفي السياق ذاته، ضيقت قوات «البنيان المرصوص» الخناق على التنظيم لتحقق تقدما ميدانيا مهما ضد تنظيم «داعش» في سرت خلال الأسابيع القليلة الماضية.

وتأمل قوى غربية أن تتمكن حكومة الوفاق من توحيد الأطراف الرئيسة لقتال تنظيم «داعش» الذي استفاد من الفوضى للاستيلاء على بعض المناطق الليبية.

Email