اندماج الصين في العالم بطيء وحتمي

■ الحكم القضائي بشأن الجزر يشكل درساً مهماً للصين | أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا بدّ من أن تمر الانتخابات الرئاسية الأميركية بقليل من تقريع الصين، التي رفضت الشهر الماضي بشدة حكماً ينقض مطالبها فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، فحصدت استنكارات جماعية لأصوات اعتبرتها دولة خارجة عن الشرعية الدولية.

وقد شبّه الناقدون الغربيون ردّ فعل الصين بقرار اليابان الإمبراطوري بالانسحاب من عصبة الأمم، الذي أدى إلى نشوب الحرب في آسيا آنذاك، أو حتى بإقدام هتلر على الدوس على النظام العالمي.

إلا أن هذه الرؤية تنطوي على مبالغة خالصة لا مبرر لها، ولا نفع يرتجى منها، على غرار انتفاضة اليمين الصيني، الذي يرى في الحكم مؤامرة للتضييق على بلدهم الصاعد. وإذا رغب الغرب في تغيير موقف الصين، فعليه إعادة النظر في مواقفه أولاً.

ولا تصب اعتراضات الصين على قرار محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي في خانة الرفض المزلزل للنظام العالمي. كما أنه لا يشكل سابقة فريدة، إذ تجاهلت كل من روسيا وبريطانيا أحكاماً مبرمة نهائية صادرة عن المحكمة، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تتباهى بسجل التزامها بالقوانين الدولية.

ويعتبر منتقدو الصين محقين حيال أمر واحد، متعلق بالاستفادة الكبرى التي حققتها بكين من الأنظمة والقوانين المعتمدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ومن الحضور الأمني الأميركي في الواقع في المحيط الهادئ الذي منح الصين المجال الكافي للتركيز على نموها الاقتصادي.

فلماذا عساها ترغب بقلب ذاك النظام برمته؟ في حين أنه يجب أن يكون قد أصبح واضحاً الآن مدى احترامها للأنظمة والمؤسسات الدولية الأخرى، منذ انضمامها لمنظمة التجارة العالمية عام 2001، وكسبها 21 قضية من أصل 36 عرضت على المحاكم الاختصاصية.

ومن جهة أخرى، يتجلى بوضوح تلمّس الصين الطريق نحو الاندماج في النظام العالمي الحالي، مع الحصول على الاحترام وهامش النفوذ اللذين تشعر أنها تستحقهما.

ولا بدّ هنا من حصول بعض الاحتكاك، دون أن يعني بالضرورة اعتداءً على النظام القائم، أو جزءاً من مخطط أكبر لقلبه وتربع الصين على عرش نظام آخر جديد. بل يعني أن النظام الموجود يحتاج لأن يكون أكثر انفتاحاً على التطور، بدلاً من التعامل معه على أنه كيان ذو حرمة لا يجوز انتهاكها أو طرح التساؤلات حولها.

ومن هذا المنطلق لا يتسم إصدار الحكم على الصين حول تطبيقها الحكم القضائي بالكامل، وفوراً بالإنصاف أو الحكمة، سيما أنه يشكل انتكاسة حقيقية على الصعيدين القانوني والدبلوماسي، ولا يمكن التوقع بأن تتخلى الصين عن مطالبها بين عشية وضحاها. ويتعين أن يكون الهدف اليوم إيجاد مساحة تتيح للصين أن تمتثل تدريجياً وبسلاسة للحكم، ومن خلال تطوير معايير وأحكام جديدة لقانون البحرية في آسيا.

لا بد للأولوية اليوم من أن تركز على تخفيف حدة التوترات والتوصل إلى مجموعة قوانين توافق عليها الأطراف في المنطقة مجتمعة.

يشكل حكم المحكمة القضائي بلا أدنى شك درساً للصين تحتاج لأن تتبع معه المزيد من الذكاء والحنكة لإتقان لعبة القوانين والمعايير الدولية إذا أرادت أن تواصل مسيرة الصعود.

ويتوجب على العالم في هذه الأثناء أن يتغاضى عن هفوات الصين، ويركز أكثر على سلوكها الفعلي، وأن يعمل بتأنٍ لإبقاء البلاد على المسار الصحيح.

Email