صمت عالمي مريب أمام معاناة المدنيين في حلب

استعمال السلاح الكيماوي في سوريا يثبت عدم تدمير مخزونه

استخدام الأسلحة الكيماوية في حلب عقد عملية السلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتمثل الجزء الأكثر صعوبة في أي عملية سلام باعتراف الجهات الرئيسية المتقاتلة بأن هناك جموداً على أرض الواقع، وأن استمرار القتال ليست له أهداف فورية. فعندما يتصور أحد الأطراف أنه قادر على تحقيق بعض الإنجازات من خلال مواصلة القتال، فإنه نادراً ما يوافق على خوض المفاوضات. وفي كثير من الأحيان، وقبل بدء المحادثات، تزداد حدة الصراع، وذلك عند محاولة المقاتلين تحقيق بعض المزايا التي تصب في صالح المفاوضات.

يبدو أن ذلك يحدث الآن في وقت تكثف الحكومة السورية حملتها لاستعادة مدينة حلب من سيطرة قوات الثوار، قبل بدء الجولة المقبلة من محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة. فخلال الأسابيع الأخيرة، اشتد القتال، ووازى ذلك ظهور تقارير، مجدداً، تشير إلى استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين. ومن هنا، يجب إيقاف الأعمال الوحشية، وإنهاء القتال، ومنح عملية السلام كل الفرص للمضي قدماً.

كانت حلب في عام 2011 ثاني أكبر مدينة في سوريا، والمركز التجاري للبلاد، وأحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. بيد أنها أصبحت هدفاً لثوار في يوليو 2012، ليسيطروا على أجزاء منها في غضون أسابيع. وبالمقابل، استمر حصار حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، مع شن هجمات متكررة، غير أن الثوار السوريين أبقوا سيطرتهم على الجزء الشرقي من المدينة.

خلال تلك الفترة، تراجع عدد السكان، ليقدر بقاء ما يتراوح بين 200 ألف و300 ألف شخص هناك. وتعتبر الظروف المعيشية صعبة، وهو أمر متوقع بعد أربع سنوات من عمليات القصف والعزلة. كما تفتقر المدينة إلى الغذاء والماء والوقود والإمدادات الطبية. ووفقا لبعض التقارير، عملت القوات الحكومية على قصف أجزاء من المدينة، بصورة يومية، لمدة تقارب الثلاثة أشهر. وخلال ذلك الوقت، قدرت جماعات غير حكومية قتل أو جرح ما يصل إلى 6 آلاف شخص، على الأقل. ومن جهة أخرى، لا يوجد وقود لتشغيل سيارات الإسعاف، كما أن المستشفيات بلا طاقة كهربائية. فضلاً عن ارتفاع سعر الأرز بنسبة 32% خلال ثلاثة أشهر، وهي نسبة أعلى بنحو 142% عن العام الماضي، وذلك وفقا لبرنامج الأغذية العالمي.

فتحت القوات الحكومية ممرات لمغادرة أولئك العالقين في المدينة، في حين يعتقد معظم المراقبين بأن تلك الممرات هي، في واقع الأمر، لإعادة التحضير لشن هجوم نهائي. وحتى لو كان عرض إجلاء المواطنين صادقاً، فإن هناك قلقاً كبيراً حول الأمور التي ستعقب ذلك، ففي حالات أخرى، حين تعرض الحكومة إجلاء السكان من المناطق التي يسيطر عليها الثوار، فإنه يجري فصل النساء عن الرجال، فضلاً عن اختفاء الفئة الأخيرة.

خلال الهجوم الأخير على حلب، جرى إسقاط مروحية روسية ومصرع خمسة من طاقمها الروس. وبعد فترة وجيزة، ظهرت تقارير عن شن هجمات بالأسلحة الكيماوية. وقد اتهمت قوى المعارضة الحكومة بالمسؤولية عن الواقعة، وهي تهمة نفتها دمشق. بعدها، اتهمت الحكومة الثوار بإطلاق صواريخ مزودة بغاز على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في المدينة. وعلى عجل، نفى الثوار تلك الاتهامات.

ليس هناك شك في مسألة استخدام الأسلحة الكيماوية. إذ تظهر مقاطع الفيديو الصعوبة التي عاناها المصابون في التقاط أنفاسهم، فضلاً عن وجود تقارير من أحد الأطباء، حين أوضح أن الأعراض تتفق مع «شخص يعاني من تسمم الكلور». وتحدث شهود آخرون عن أن الأعراض تتفق مع شن هجوم بالغاز. ناهيك عن حساب مجموعة تابعة لحقوق الإنسان، في اشتباه شن تسع هجمات بغاز الكلور، وذلك منذ بدء الصراع.

لقد برهن محققون تابعون للأمم المتحدة على استخدام غاز السارين في سوريا في عام 2013. وقد تم اتهام الحكومة السورية بهجوم- عمدت إلى نفيه- قتل فيه نحو 1500 شخص، 426 منهم من الأطفال. وفي حين أن استخدام الأسلحة الكيماوية لم يؤد لإجراء تدخل أميركي، وذلك كما قد هددت به واشنطن، إلا أنه قد أسفر عن التزام الحكومة السورية بتدمير مخزونها المعلن من الأسلحة الكيماوية، وهو إجراء أعلن عن الانتهاء منه في مطلع عام 2016.

غاز الخردل

أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية استخدام غاز الخردل في مارس 2015 في سوريا، واستخدامه مجدداً في أغسطس من ذلك العام، فضلاً عن استخدامه ضد القوات الكردية في العراق في أغسطس 2015، وهو ما كان على الأرجح من قبل متشددين متطرفين. ويعتقد العديد من الخبراء أن استخدام تلك الأسلحة يشير إلى أنه لم يجر تدمير المخزون السوري برمته.

وفي وقت يعاني المدنيون من تلك الفظائع، يعمل استخدام الأسلحة الكيماوية على تعقيد عملية السلام. وفي حال كانت الحكومة السورية مسؤولة، فإنها ستناور للتأكد من عدم محاسبتها . وبعبارة أخرى، أصبحت تنحية الرئيس السوري بشار الأسد من منصبه مهمة يصعب تحقيقها.

Email