الرد العسكري يطلق العملية السياسية لإنهاء الحرب

قصف أميركي للنظام السوري ليس خياراً مستبعداً

خطة واشنطن في سوريا ستدفع اللاجئين للهرب لتركيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

ترغب إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بتقليص حدة العنف والمعاناة في سوريا، والإقدام في الوقت عينه على سحق الجماعات المتطرفة هناك.

ولهذا السبب تحديداً يدفع البيت الأبيض باتجاه خطة تقضي بتعاون أميركا مع الجيش الروسي في سوريا وتبادل المعلومات الاستخبارية وتنسيق الضربات الجوية ضد «داعش» وجبهة النصرة. وذلك على أن تعمل روسيا بالمقابل على إلزام حكومة الرئيس السوري بشار الأسد على وقف إلقاء البراميل المتفجرة والضربات الجوية في المناطق التي تخلو من وجود التنظيمين المتشددين.

ويعتبر القضاء على المجموعات الإرهابية في سوريا هدفاً مهماً، عقب سنوات من القتل والدمار، تماماً كما التوصل إلى أي نوع من الاتفاق بين الفصائل المتناحرة أو القوى الراعية لها.

لكن أُخذ على خطة إدارة أوباما التي شهدت معارضة كثيرين من داخل مركز الاستخبارات المركزية، ووزارة الخارجية والبنتاغون أنها مليئة بالمغالطات، باعتبار أنها لا تعمد إلى تدعيم حصار حكومة الرئيس السوري بشار الأسد على مدينة حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، بل تدفع اللاجئين إلى الهرب لتركيا. ولا بدّ لأميركا، بدلاً من ذلك، أن تستغل فرصة فرض الحصار لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد الأسد وحلفائه.

اتفاقية مليئة بالثغرات

ويأمل وزير الخارجية الأميركية جون كيري بأن يساعد التفاهم مع روسيا في إحراز التقدم على جبهات أخرى تتضمن إعادة العمل بهدنة «وقف الأعمال العدائية»، والعودة إلى طاولة المفاوضات لمناقشة عملية الانتقال السياسي.

إلا أن نصاً مسرباً للاتفاقية مع روسيا يظهر أنها مليئة بالثغرات الخطرة، حيث يحدد ممثلون روس وأميركيون اليوم مناطق «تركز وجود» أو «تكاثر أعداد» أفراد جبهة النصرة، لأن ذلك سيسمح للأسد ومؤيديه الروس والإيرانيين بمهاجمة جهات المعارضة من غير جبهة النصرة وتعزيز سلطة ونفوذ الحكومة السورية.

ويبدو أن إدارة أوباما تؤمن بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبحث عن وسيلة للحدّ من تدخل روسيا في الحرب الأهلية السورية. لكن الشكوك تحوم بقوة حول حقيقة الأمر، إذا إن لبوتين مصلحة في إظهار أن روسيا وأصدقاءها يفوزون في سوريا وأن أميركا تخسر..

وأن لا شيء سيثنيه عن مسعاه سوى اقتناعه بأن الخطوة أصبحت مكلفة للغاية لروسيا. ولأن بوتين يدرك أن أميركا لن تتحرك باتجاه معاقبة روسيا بسبب دعمها لحكومة النظام السوري، فإنه والأسد سيتعاملان مع الاتفاقية الجديدة بشكل لا يختلف عن سابقاتها.

الغارات هي البديل

إلا أن البديل موجود، ويقوم على معاقبة الحكومة السورية لانتهاك بنود الهدنة عبر استعمال طيارات بلا طيار وصواريخ كروز لقصف المطارات والقواعد العسكرية السورية ومنصات المدفعية، حيث لا حضور للجيش الروسي.

وتشير جهات معارضة لهذا النوع من الغارات الجوية المحدودة بالقول إنها قد تدفع روسيا إلى التصعيد وإغراق أميركا أكثر في وحول الصراع. غير أن تلك الغارات لن تشن إلا في حال انتهكت الحكومة السورية بنود الهدنة التي تقول روسيا إنها ملتزمة بها.

ويساهم إبلاغ روسيا بهذا الرد بأن يحول دون وقوع مثل تلك الانتهاكات للهدنة وللاتفاقية العسكرية المزمعة مع موسكو. ومن شأنها في جميع الأحوال أن تخطر بوتين بأن حليفه السوري سيدفع ثمن عدم الالتزام بجانبه من الصفقة.

وإذا رغبت روسيا في الحدّ من تدخلها في سوريا، فإن التهديد بشن غارات محدودة النطاق من شأنه أن يقنع بوتين بضرورة تعديل الأسد لسلوكه. لكن خلافاً لذلك، إذا كان المشككون محقين بأن بوتين لن يتصرف بجدية حيال الحلّ السياسي إلا إذا أدرك ارتفاع فاتورة دعمه لحكومة الأسد، فإن التهديد باللجوء للقصف سيكون على الأرجح السبيل الوحيد نحو إطلاق عجلة العملية السياسية الآيلة لإنهاء الحرب.

وقد أكد كل من أوباما وكيري منذ وقت طويل أنه لا يوجد حلّ عسكري للصراع في سوريا. لكن لسوء الحظ فإن روسيا وإيران يعتقدان عكس ذلك، أو على الأقل يؤمنان بعدم إمكانية التوصل إلى محصلة سياسية مقبولة بمعزلٍ عن سحق المقاتلين وتعزيز قوة الحكومة السورية. وقد حان الوقت لأن تتحدث أميركا اللغة التي يفهمها الأسد وبوتين.

نقص

يشكل العنصر الأكثر إثارة للقلق وجود النقص في عدد رجال النظام للسيطرة على المناطق الريفية، مما سيدعو إلى إسناد المهمة لميليشيات شيعية ستدفع على الأرجح مقاتلي جبهة النصرة والمقاتلين السنة الآخرين للانتقال إلى تركيا.

وتأتي مبادرة الإدارة الأميركية حيال روسيا مدفوعة بالأمل أو باليأس، ولكن حتماً ليس بالتجربة. ذلك أن فترة الهدنة الجزئية تخللها استغلال روسيا لثغرات مماثلة أتاحت لها وللأسد مواصلة قتال المعارضة من غير جبهة النصرة و«داعش».

Email