إصرار كيري على «جنيف» يناقض سياسة أوباما

مباحثات كيري لافروف تصب في خانة بقاء الأسد

ت + ت - الحجم الطبيعي

عقد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أخيراً، اجتماعاً في لاوس مع نظيره الروسي سيرغي لافروف لمناقشة الأوضاع في سوريا، في ما بات يعرف بواحدة من أكثر الممارسات الدبلوماسية الثنائية نفاقاً في ذاكرة التاريخ الحديث.

ولا يزال الطرفان يؤكدان السعي لإيجاد حلٍ سياسي للصراع السوري الدموي، علماً بأن كلاً منهما يدعم إجراءات لا تعمل إلا على الحرص على استمرار بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في سدة الرئاسة.

وتبدو في هذا الإطار رغبة كيري ولافروف في إعادة إطلاق عجلة المفاوضات بشأن سوريا مجرد مسعى للحفاظ على الوهم القائل باستمرار وجود محصلة سياسية ما للوضع. ولا يعني ذلك بالضرورة أنهما لا يرغبان بحل يتم التفاوض عليه، بل يعني أن الروس لا يريدون حلاً يقوض حكم الأسد، في الوقت الذي يمنحهم الأميركيون مجالاً أوسع لفرض نوع من الحل العسكري في سوريا.

الحرب في سوريا حربان: واحدة ضد نظام الأسد، وأخرى ضد تنظيمات من نوع «داعش» وجبهة النصرة. وقد أبدى الرئيس الأميركي باراك أوباما اهتماماً اقتصر على الثانية، مما يثير التساؤلات حول رؤيته باقتراح توقيع اتفاق عسكري مع روسيا يترك تأثيراً مهماً على الأولى.

ويبقى التفسير الوحيد لذلك هو أن أوباما ليس عازفاً عن خوض مرحلة نهائية عسكرية حقيقية في سوريا، لا تترك لمقاتلي المعارضة بعد حرمانهم من حليف كجبهة النصرة إلا خيار خوض حرب من موقع الضعف أو التسليم لشروط روسيا والنظام السوري، التي من شأنها التملص من جنيف والسير باتجاه مرحلة انتقالية بمعزل عن الأسد.

ويتجلى بوضوح في الواقع أنه لا نية لكيري لتعديل سياسة أوباما حول سوريا، سيما وأنه قد بدا غالباً مجرد ناقل رسائل يحشد لمواقف مفروضة من البيت الأبيض. ولم يعرض أوباما في هذه الأثناء مصداقيته مرة للخطر من أجل تعزيز مبادرات كيري الدبلوماسية.

وقد صادق كيري في العلن على الاتفاقية العسكرية مع روسيا. إلا أنه ليس من الحمق بحيث لا يدرك أنها لا تسهم إلا في عرقلة الحلّ السياسي، من خلال منح الروس والأسد النفوذ الكافي لتجاهل جنيف.

قد تكشف عدم مبالاة أوباما عن قصر نظر سياسي، فجبهة النصرة على الرغم من أنها فاسدة، لكنها أكثر تحصناً من «داعش» في الصراع السوري. وتخاطر أميركا من خلال التورط في معركة يكون لها ارتدادات على مستقبل الأسد بأن تصبح لاعباً ناشطاً في حربٍ أمعن البيت الأبيض في تفاديها منذ العام 2011. ويعتبر أوباما أن توريث سلفه مثل هذا النوع من التصعيد فيه الكثير من الاستهتار واللامسؤولية.

إلا أن تصرف أوباما الأخير يسطّر على القدر عينه من الأهمية نهاية مسيرة التفاوض في جنيف. وقد كان الأمر متوقعاً، بما أن الشروط التي فرضتها معاهدة جنيف، بالرغم من أنها كانت مطلوبة، إلا أنها لم تعد تعكس الواقع على الأرض. لكن من المستغرب كثيراً أن نرى كيري لا يزال مصراً على جنيف في حين أن سيده في البيت الأبيض يفعل كل ما باستطاعته لإفراغ هذه الصيغة من معناها.

مناورة

إذا ما أوصلت الانتخابات الأميركية هيلاري كلينتون إلى الرئاسة فلن يجد الروس أنفسهم أمام حافز كبير يدفعهم لاتخاذ قرارات بشأن سوريا قبل معرفة نواياها ومدى حيز المناورة. لذا فإن إمكانية توصل كيري ولافروف إلى تحقيق إنجاز في الشأن السوري خلال الصيف شبه معدومة حتى ولو دفعت واشنطن بهذا الاتجاه.

Email