خطط الرد على الانقلابيين لم تشق طريقها للتنفيذ إلا بعد4 ساعات

حسابات مخططي انقلاب تركيا افتقرت للدقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المؤكد أن الانقلاب الفاشل كان بمثابة كارثة على تركيا، إلا أن نجاح مثل تلك الخطوة كان يمكن أن يشكل مصيبة أشد هولاً. ولو تمكن أصحاب المخطط الانقلابي من الإطاحة بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو احتجازه، فربما انضمت وحدات أخرى من القوات المسلحة إليهم، إلا أن الحرب الأهلية كانت ستنشب لا محالة، في ظل انقسام قوات الأمن وقيام مناصري أردوغان بالردّ.

وتتجلى المشكلة في مدى صعوبة معالجة الأتراك لتبعات محاولة الانقلاب، علماً أن التصدي للانقلاب قد عزز شرعية أردوغان، وأصبحت كل معارضة لحكمه تحيط بها التساؤلات.

وقال أحد النقاد رافضاً الكشف عن اسمه، لافتاً إلى أن انتقاد أردوغان ليس بالأمر السهل: «ستكون الديمقراطية وحقوق الإنسان محط قلق، علماً بأنهما لم تكونا على مستوى التطلعات قبل حصول الانقلاب.»

النجاح المستحيل

ولا تساور الناقد أي شكوك حيال تنفيذ العملية الانقلابية على يد أنصار فتح الله غولن، الذي يعيش في الولايات المتحدة منذ العام 1999. وبعيداً عن اعترافات المخططين، فإن أتباع غولن وحدهم قادرون على الإعداد لتحرك في صفوف عدد من وحدات القوات الأمنية.

وقال أحد المعلقين الأتراك بمرارة: «فتح الله لم يقدم لنا المساعدة، بل قضى علينا تماماً، وتركنا في مهب الأهواء.»

وأضاف المعلق إن مؤيدي غولن يعملون بطريقتين مختلفتين، حيث يظهرون بمظهر المعتدلين شعبياً في كل من المدارس والجامعات ومؤسسات الإعلام والمؤسسات التجارية، إلا أنه لطالما كانت لديهم منظمة سرية مكرسة للاستيلاء على مواقع السلطة داخل المؤسسات العسكرية، والشرطة ومكاتب الاستخبارات. وكانت الحركة منذ العام 1987 تتعرض لمساءلات تتعلق باختراق الكليات العسكرية.

وباءت العملية الانقلابية بالفشل لأنه لم يتم الإعداد لها بشكل كافٍ، وقد نفذت قبل أوانها، خشية تعرض الغولنيين لعملية تطهير في صفوف الجيش. وقد استفاض المحللون في شرح مدى سوء تنظيم محاولة الانقلاب، وكيف أنه لم يكن مقدراً لها النجاح بأي حال من الأحوال.

ردّ فعل

إلا أن ردّ فعل الحكومة الأولي على الانقلاب شابه الاضطراب، وتؤكد ذلك أجواء الارتباك التي سيطرت على الساعات الأولى من العملية. وكانت قد مضت قرابة أربع ساعات قبل أن توضع خطط الردّ، أي الوقت الكافي الذي يتيح لقوات تنفيذ الانقلاب النجاح في تحقيق هدفها.

وفضلا عن الإخفاقات التنظيمية، أتت حسابات مخططي الانقلاب خاطئة، حين خيّل لهم أن انقسام الأتراك بين مؤيد للنظام ومعارض له سيتيح للفريق الأخير الاصطفاف مع أي جهة تحاول التخلص منه بالقوة.

ولم يحظ منفذو الانقلاب، من هذا المنطلق، بأي دعم يذكر، ذلك أن الناس كانوا يشعرون، وفق ما قال أحد الناشطين الأكراد، بأن: «أسوأ سياسي خير من أفضل جنرال عسكري.»

وستكشف الأسابيع القليلة المقبلة ما إذا كانت للنظام التركي أية نوايا فيما يتعلق بالضغط على العناصر المعارضة.

المستفيد الأول

قوات الأمن ستعمل على تعقب الخلايا الغولنية النائمة. تدور تكهنات حول أن اميركا كانت ضالعة في المحاولة الفاشلة. وتنذر هذه التطورات بأن العلاقات بين أنقرة وواشنطن ستمضي نحو التدهور.

يخرج أردوغان من الأزمة بوضعية أقوى، إلا أن الدولة التركية لا ينطبق عليها الشيء نفسه. فقد أثرت عمليات التطهير على مؤسسات الجيش والدولة، وأصبح الولاء مقياس التقدم، لا الكفاءة. ولم يحصد التدخل التركي في سوريا إلا الفشل، بدءاً بالحرب الطائفية والإثنية المشتعلة بين كل من السنة والشيعة، والأكراد وغير الأكراد.

ويشير المراقبون،أخيرا، إلى أنه يمكن لأردوغان أن يوظف الانقلاب الذي حصل لتوحيد الأتراك، وسط أجواء يصعب معها الشعور بالتفاؤل.

تساؤلات

يعتمد الوضع بشق كبير منه اليوم على مدى اعتبار النظام ما حدث في تركيا، أخيراً، مبررا للتخلص من المناوئين. وتتعدد التساؤلات في ضوء اعتقال أو حجز أو طرد ما يقارب 60 ألف جندي وقاض ومدع عام وموظف مدني ومعلم.

أما الموظفون المدنيون الثلاثة ملايين، تقريباً، فقد أبلغوا بالبقاء في وظائفهم، للتمكن من التحقيق معهم على ما يبدو. ومن الواضح أن المتابعة بذريعة حالة الطوارئ المفروضة على البلاد تتجاوز دائرة الضالعين في عملية الانقلاب، أو المرتبطين بفتح الله غولن.

وهناك تخوف حقيقي من ألا تكون ذيول الانقلاب قد انتهت بالفعل، سيما في ظل احتجاز بعض الوحدات العسكرية داخل مقارها.

Email