استمرار صدمات ما بعد خروج بريطانيا الاقتصادية

الوسط السياسي مطالب باستعادة قدرته على الاستقطاب

تأثير مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي تجلى بالجانب الاقتصادي ــ أرشيفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

سيؤدي قرار الناخبين البريطانيين، أخيراً، مغادرة الاتحاد الأوروبي، لعواقب هائلة على كل من بريطانيا وأوروبا والعالم. فقد أدى الشعب البريطاني، وليوم واحد، عمل الحكومة، ليتم حصد أصوات تتراوح ما بين 48 % إلى 52 %، ويتخذ البريطانيون قرار الرحيل.

لقد شغلت منصب رئيس وزراء بريطانيا، وكنت أعتقد بشكل تام، أن مستقبل بريطانيا يكمن في أوروبا. كما كنت رئيس الوزراء المسؤول عن تشريع الحكم الذاتي، بشكل أساسي، في إسكتلندا، بحيث تبقى جزءاً من المملكة المتحدة. ناهيك عن تفاوضي على اتفاق الجمعة العظيمة، أو ما يعرف باتفاق بلفاست، حيث يمكن أن تنعم إيرلندا الشمالية بالسلام داخل بريطانيا. لكن بما أن نتيجة الاستفتاء الأخير قد ساهمت في تهديد الكثير من الجهود السابقة، فقد أصبح يوم الاستفتاء، بمثابة يوم حزن عميق على الصعيدين الشخصي والسياسي.

يتبدى التأثير المباشر لتصويت مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، في الجانب الاقتصادي للبلاد. وقد جاءت التداعيات على نحو سريع، كما كان متوقعاً. ففي وقت ما من يوم الجمعة 23 يونيو الجاري عقب الاستفتاء، بلغ الجنيه الإسترليني أدنى مستوياته في 30 عاماً، مقابل الدولار، فضلاً عن انخفاض مؤشر أسهم بريطانية رائد لأكثر من 8 %، كما أن التصنيف الائتماني للبلاد مهدد بالخطر.

بيد أن التأثير الدائم، ومع ذلك، قد يكون سياسياً، وبتأثيرات عالمية. ففي حال استمرار الأزمات الاقتصادية، فإن التجربة البريطانية ستكون بمثابة تحذير. ولكن في حال تناقصها، ستكتسب الحركات الشعبوية في البلدان الأخرى، المزيد من الزخم.

كيف حدث ذلك؟ لقد عثر اليمين في السياسة البريطانية، على مسألة تسبب اضطراب الكيان السياسي في جميع أرجاء العالم، ألا وهي الهجرة. وقد تسلم جانب من حزب المحافظين، المتحالف مع حزب الاستقلال اليميني المتطرف في المملكة المتحدة، ذلك الموضوع، مع تركيز حملته لمغادرة أوروبا على أساس ذلك. ومع ذلك، لم يكن ليكتب النجاح لتلك الاستراتيجية، دون العثور على سبب شائع تؤيده شريحة كبيرة من ناخبي حزب العمال.

تعتبر التوترات داخل بريطانيا، والتي أدت لنتيجة الاستفتاء تلك، عالمية، على الأقل في الغرب. إذ بمقدور الحركات المتمردة لكل من اليسار واليمين، والتظاهر بتأييد حدوث ثورة شعبية ضد المؤسسة السياسية، تحقيق النمو والانتشار على نطاق واسع وبسرعة. ولقد كان احتمال تسلم الحركات الشعوبية الحديثة، السيطرة على الأحزاب السياسية، أمراً واضحاً، بالفعل، قبل تصويت مغادرة بريطانيا الاتحاد. فيما أن الأمر الذي لم يكن واضحاً، هو ما إذا كان بمقدورهم الاستيلاء على السلطة في بلد كبريطانيا. غير أننا ندرك حالياً قدرتهم على ذلك.

لقد جرى تصوير أولئك الموجودين في الوسط السياسي، على نحو سلبي، كنخب لا يمكن المساس بها. وكأن الناس الذين قادوا التمرد، كانوا بمثابة أشخاص عاديين. لقد أسهمت الحملة في جعل كلمة «خبير»، فعلياً، كمصطلح يسيء إلى من يطلق عليه، فعندما حذر خبراء من الأضرار الاقتصادية التي ستتبع مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، جرى انتقادهم بعنف على أنهم «يروجون لإشاعات مقلقة».

وجرى وصف المهاجرين، كمجموعة من المتطفلين القادمين لانتزاع وظائف البريطانيين ومزاياهم، في حين يسهم المهاجرون الجدد من أوروبا الشرقية، بقدر أكبر في الضرائب، مقارنة بما يستقونه من دفعات الضمان الاجتماعي. وإلى جانب ذلك، فإن الهجرة لبريطانيا من خارج الاتحاد الأوروبي، لن تتأثر بقرار الاستفتاء.

لقد فقد الوسط السياسي، قدرته على الإقناع، ووسائل اتصاله الأساسية بأفراد الشعب الذين يستهدفهم. وبدلاً من ذلك، نحن نشهد نقطة التقاء بين كل من اليسار واليمين المتطرفين. إذ يهاجم اليمين، المهاجرين، في حين يحاصر اليسار، المصرفيين، ولكن روح التمرد، والتنفيس عن الغضب على من هم في السلطة، والإدمان على الإجابات الغوغائية والبسيطة في ما يتعلق بالمشكلات المعقدة، هي ذاتها بالنسبة إلى كلا الجانبين.

تعد بريطانيا دولة قوية، بشعب يتسم بالمرونة، مع طاقة وإبداع وافرين. ولا يعتريني الشك إزاء قدرة البريطانيين على الخروج من هذه المسألة سالمين، مهما كان الثمن. ولكن الضغط على المملكة المتحدة، واضح بالفعل.

دوافع

لقد اختار الناخبون في إسكتلندا، وبهامش كبير، البقاء في أوروبا، وكانت النتيجة تجدد الدعوات لإجراء استفتاء آخر على استقلال إسكتلندا. لقد استفادت إيرلندا الشمالية من الحدود شبه المفتوحة مع جمهورية إيرلندا. ويحيق الخطر بالحرية، لأن الحدود الشمالية مع الجنوب أصبحت حالياً حدود الاتحاد الأوروبي.

إذا كان الناس يعمدون لفعل شيء، يبدو أنه غير معقول وغير عملي، فإن ذلك يفرض خوض فترة تفكير طويلة وشاقة. وتتضح الدوافع الخطيرة ذاتها، أيضاً، في السياسة الأميركية، ولكن لا يمكن مجابهة تحديات العولمة عن طريق الانعزال أو إغلاق الحدود. يجب أن يستعيد الوسط السياسي، قدرته على الاستقطاب سياسياً.

Email