ثلاثة عناصر يقتضيها التفاوض على نهايات مبكرة للحروب الأهلية

نتائج خطيرة للإخفاق الأميركي في المنطقة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لو اتخذت أميركا اليوم موقفاً في الشرق الأوسط يعادل التركيز خلال الحرب العالمية الثانية على القوات الخاصة النازية وحدها، لكان الموقف محض هراء، غير أن هذا هو ما تفعله إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تماماً، بتعاملها مع احتراق الشرق الأوسط الكبير من منطلق التركيز بشكل حصري على تنظيم «داعش».

لا يشكل التنظيم الإرهابي المعروف بـ«داعش» سوى واحد من أعراض إشكالية أكبر في الشرق الأوسط، ولا يساهم التركيز على العارض نفسه بدلاً من مصادره ومحاولة إقناع الآخرين في المنطقة بأن يحذوا حذونا إلا في إعدادنا للفشل.

وبالمقابل، فإن ما تقوم به روسيا يبدو له معناه بالنسبة للبعض في الشرق الأوسط، فالروس اختاروا في الصراع السوري الوقوف في صف نظام الرئيس بشار الأسد المدعوم من إيران وحزب الله.

ولا يعني ذلك بالضرورة أن الخيار الروسي يعجب الدول العربية السنية، التي تشكل حليف أميركا التقليدي، إلا أنها تفهمه، خلافاً لعدم قدرتها على استيعاب الاستراتيجية المخيفة التي يتبعها الأميركيون. وأسفر ذلك عن إقدام بعض تلك الدول على تبني تحركات محددة في الدفاع عن نفسها، تمثل أبرزها بالتدخل في حرب اليمن دعماً للحكومة الشرعية في وجه المتمردين الحوثيين.

السرّ ليس في «داعش»

حتى لو تمكنت أميركا من هزيمة «داعش» أو القضاء عليه، فإن الظروف التي أدت إلى ظهوره ستظل موجودة، طالما أن الحروب الأهلية تلهب المنطقة، وتهدد بظهور مجموعات متطرفة أخرى.

ماذا يتعين على أميركا فعله؟ يقدم تاريخ الحروب الأهلية منذ العام 1945 دروساً واضحة تتجاهلها السياسة الراهنة تماماً.

خلافاً للحكمة السائدة، فإن القوة الخارجية قادرة على إخماد نيران الحروب الأهلية، ويذكر أنه منذ العام 1945، وضعت التسوية عبر المفاوضات حداً لأكثر من 20 بالمئة من حوالي 150 حرباً أهلية. وقد ارتفعت تلك الحروب بنسبة 40 بالمئة بعد العام 1991.

ويعلم الجميع أن التفاوض على نهاية مبكرة للحرب الأهلية ينطوي على ثلاث نقاط، أولاها، تبديل الديناميكيات العسكرية بحيث تكف الأطراف المتناحرة عن الاعتقاد بأنها قادرة على تحقيق نصر منجز، وتقتنع بأمان إلقاء السلاح، والثانية، العمل على صياغة اتفاق تقاسم السلطة وتوزيع القوى السياسية والفوائد الاقتصادية بشكل متساوٍ، مرفقةً بضمانات عدم اضطهاد الأقليات، وأخيراً، تجهيز مؤسسات قادرة على ضمان تنفيذ الشرطين الأولين وتثبيتهما.

خطيئة إدارة أوباما

وتكمن المشكلة في أن إدارة أوباما لا تتبع هذا المسار من التسوية في العراق وسوريا، علماً أن التدخلات الخارجية التي لا تعتمد هذا النهج أو لا توظف موارد كافية لإنجاحه، لا تخاطر بالإخفاق وحسب، بل تميل إلى مفاقمة حدة الصراع.

ولم يحقق اتفاق وقف إطلاق النار الهزيل في سوريا، الذي فشلت الأطراف المتناحرة في تطبيقه، أخيراً، إنجازاً يذكر، بل كان سيمنح تلك الأطراف مهلةً التقاط أنفاسها لو نجح.

في سوريا، قد تنجح مساعي وزير الخارجية الأميركي جون كيري الدبلوماسية يوماً بالتوصل إلى اتفاقية عملية لتقاسم السلطة على الصعيد السياسي، إلا أن هذه الخطوة لن تحظى بفرصة للنجاح ما لم توازها مساعٍ عسكرية، لا يتوجب بالضرورة أن تكون مكلفةً أو مؤلمة، بل متمحورة حول إنشاء جبهة معارضة قوية قادرة على وقف الفصائل المتشددة ونظام الأسد، على نحو يوضح للجميع بأن المفاوضات هي الخيار الأوحد.

أما في العراق، فالعكس هو الصحيح، بمعنى أن الحملة العسكرية بقيادة أميركا ضد «داعش» قد تقنع المتصارعين بأن النصر الأكيد أمر مستحيل، إلا أنها لم تبد الحماسة عينها في اعتماد نهج سياسي متكافئ نحو تسوية وطنية قد تنتج اتفاق تقاسم سلطة معمولاً به.

لا تعمل أميركا وشركاء التحالف الدولي على بناء أي مؤسسات وطنية في سوريا أو العراق، كما أنها لا تعين قوى خارجية لحفظ السلام تستطيع إقناع السوريين والعراقيين بأن يثقوا باستدامة التغييرات. إلى أن تبدي واشنطن استعداداً لاتخاذ مثل تلك الخطوات، وتضع على سلّم أولوياتها إنهاء الحروب الأهلية في العراق وسوريا، سيظل من غير المرجح تحقيق ما يستحق الذكر فعلاً.

الحرب الأهلية

ينظر عدد من الاختصاصيين بشؤون الشرق الأوسط إلى «داعش» على أنه تنظيم مقيت ينبغي محوه من الوجود، إلا أن «داعش» ليس أساس المشكلة.

إذ تنبثق مشكلات الشرق الأوسط الحقيقية من فشل أنظمة الدول العربية في ما بعد الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي أنتج انهيارها، وحصول أزمات فراغ في السلطة وحروب أهلية، كتلك التي تعصف بالعراق وسوريا وليبيا واليمن.

وقد انعكست تلك الحروب على الدول المجاورة في صورة موجات من المهاجرين، وأعمال إرهاب ومظاهر تشدد وعنف عابر للحدود. وباتت تداعيات الاضطرابات تهدد المصالح القومية الأوروبية والأميركية، حيث تجسّد الحرب الأهلية التهديد الأكبر.

Email