اختيار بديل علوي للأسد لن يحقق استجابة القوى السياسية لقيادته

التفاؤل بشأن سوريا يفتقر للمبررات الموضوعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

من العبارات الشائعة التي قالها السوريون من الجانبين المتحاربين الرئيسيين تكراراً، إن حل الصراع ممكن عندما يقرر «الكبار» إنهاءه. وهؤلاء «الكبار» هم الذين مرروا في مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع أخيراً، يدعو إلى مفاوضات سلام ووقف لإطلاق النار، للدفع بالبلاد نحو تحقيق الاستقرار السياسي.

وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، عقب الاقتراع الناجح على مشروع القرار: المجلس يرسل رسالة واضحة إلى جميع المهتمين بأن الوقت حان لوقف القتل في سوريا وتمهيد الطريق من أجل تشكيل حكومة يمكن للأشخاص الذين عانوا مطولاً في تلك الأرض أن يدعموها.

وأثار القرار الآمال داخل وخارج سوريا بأن ذلك قد يكون إيذاناً ببدء عملية جدية لإيجاد حل. ويمكن إحراز الكثير، على الأقل لمنع تصاعد الصراع وخروجه عن السيطرة.

إلا أن التفاؤل يبدو أنه في غير محله. وذلك لأنه لا يعتمد على أي تقدم أو أهداف يمكن تحقيقها في المستقبل المنظور. وبدلاً من التركيز التقليدي على صعوبة جمع المعارضة حول رؤية بعينها لإنهاء الصراع، فإن أحد الجوانب المتعلقة بالنظام يمكن أن يساعد في إلقاء الضوء على استعصاء مسألة: مصير الرئيس السوري بشار الأسد.

وعلى امتداد الصراع، سعى الغرب والقوى الإقليمية إلى إقناع إيران وروسيا بالتخلي عن الرئيس الأسد من أجل الوصول إلى تسوية سياسية. وبالنظر إلى أن طهران وافقت سابقاً على إسقاط رجل العراق القوي نوري المالكي، فلماذا لا تفعل الأمر ذاته مع الرئيس السوري؟

وبحسب هذا المنطق، فإن روسيا وإيران ستحافظان على مصالحهما في المنطقة من خلال شخصية في النظام مٌبولة اقليمياً بمن فيهم جنرالات علويون.

إلا أن مستقبل الرئيس لا يتعلق فقط باعتقاد كل من طهران وموسكو أنه شيء يمكن أن تتوافقا عليه. فالأسد يمثل امتداداً للنظام السابق. ومصيره يؤكد بقاء سلطة النظام المعنوية والنفسية على مؤيديها وعلى الكثير من خصومه.

وهذا ما يعتقده الكثيرون في المنطقة، عندما يتحدثون عن «مؤسسات الدولة» بالنظر إلى أن صمود النظام يعني أن أي حكومة مستقبلية يمكنها إعادة هيكلة الحكم القديم، حتى لو انهار في معظم أنحاء البلاد.

حتى لو حل علوي موالٍ آخر محل الرئيس السوري بشار الأسد، فإن الكثير من المقربين من النظام يشكون في أن الرئيس الجديد سيطاع من قبل الجميع. وعلى الرغم من أن أجزاء كبيرة من النظام تشظت إلى فصائل ميدانية متحاربة، يقــودها قادة مــــيدانيون، فإنها لا تختلف كثيراً عــــن القوات المعارضة.

وعلى الرغم من هذه الحقيقة، إلا أن الأوامر من قصر الشعب تنفذ في المناطق التي يسيطر عليها النظام، مع أن الميليشيات تتصرف بحرية واسعة النطاق. وبالمثل فإن البعض في المناطق التي تسيطر عليها جماعات مثل تنظيم «داعش» تتجنب الانضمام إلى أو إظهار الدعم إلى الفصائل المسلحة مخافة «العودة» إلى النظام. ويمكن احتواء أي خطوط انقسام أو نزعة للزعامة أو تشظي داخل النظام طالما أن الأسد في السلطة.

وبالنسبة إلى كثير من مؤيدي النظام، فإن «إعادة ترتيب الأمور» أمر يلقى ترحيباً، ومألوف أكثر من مقابلة المعارضة في الوسط للشروع في مسار جديد.

وهم يجادلون بأن بقاء الرئيس هو الطريق الأمثل وأفضل وسيلة لتجنب مستقبل أكثر غموضاً، حتى لو تكبد مؤيدو النظام خـــسائر أكبر. ويقول آخرون إن مثل هذا التنازل سيسمح للطرف المعارض أن يسعى إلى التغيير، وهو ما ســـيغير هيمنة النظام في النهاية.

وبالمثل، فإن بقاء الرئيس بشار الأسد على رأس السلطة هو أمر غير مقبول بالنسبة لكثير من المعارضين. القوى المعارضة التي تقبل الحل الوسط الذي يبقيه في السلطة تخاطر بخسارة الدعم من الدوائر الانتخابية.

وقف النار

الموافقة على وقف لإطلاق النار لا يجب الخلط بينها وبين قبول تسوية سياسية يقودها الأسد. الفكرة القائلة بأن المعارضة السياسية وبدرجة أقل تلك المسلحة ستتجه إلى دمشق للمشاركة في الحكومة، بينما يظل هو في السلطة انتحار سياسي، إن لم يكن انتحاراً عضوياً.

الأمر ذاته ينطبق على مؤيدي النظام. فبقاء الأسد في السلطة هو الطريقة التي تحافظ بها إيران وروسيا على قاعدة الدعم للحكومة، على الرغم من هواجس أخرى. تنحية الأسد عن السلطة ستضيف عائقاً عملياً إلى مهمتهما في سوريا. ونتيجة ذلك أمر لا يمكن التنبؤ به، ولا يمكن ضمان التخلي عنه.

Email